زيارة ليلية إلى شوارعنا.. شوارعنا التى نعرفها الآن بالمعارك.. كم سقط هنا.. كم أصيب هنا.. كم ضحكنا وسط قنابل الغاز وكم بكينا وكم حملنا وتحملنا.. نحن الذين دفعنا ثمن عبورنا من هذه الشوارع دم.. دفعنا ثمن وقوفنا على أمتار من وزارة الداخلية.. وعلى بعد أمتار من سفارة الكيان الصهيونى.. على بعد أمتار من مبنى التضليل والكذب بماسبيرو.. كل دقيقة وقف فيها شاب أو فتاة وعاد معافى إلى أهله وأحبائه، دفع فيها عشرات من الشباب حياتهم ثمن له.. جدارية الشهداء المتجددة.. كل يوم اكتشف رسماً جديداً لشهيد أو لبطل.. ذاكرة الجدران ربما كانت أكثر من ذاكراتنا نحن.. ربما لأنها الوعى الجمعى لكل أفكارنا.. عاشت الجدران وعاش فنانها الذين يكتبون تاريخنا الحديث الآن. الجدران تذكرنا دائماً.. تذكرنا أننا عشنا 5 أحداث دموية بعد أحداث ال18 يوماً تحوَّلت إلى 5 قضايا يتم التحقيق فيها.. 5 قضايا استشهد فيها 125 شاباً طبقاً للأرقام المعلنة فقط.. والمفارقة أن الخمس قضايا التى هزَّت مصر بالفعل سنكتشف أن المتهمين هم أنفسهم الضحايا والشهداء وأن القتلة والمجرمين هم أنفسهم الذين يحاكمون المتهمين.. فلا يوجد متهم رئيسى فى القضايا الخمس، ولا يوجد عقاب واحد للقتلة الذين سفكوا الدماء بحجة الدفاع عن منشآت عامة لم يتم اقتحامها ولم يتم الاقتراب منها أصلا، ولم تكن هدفاً للاقتحام بل كانت هدفا للاحتجاج والتظاهر أمامها. قضية السفارة فى يوم 9-9 الذى سمى مليونية تعديل المسار، والذى شهد على تحركات عديدة للميدان وخارجه حيث نظمت مسيرة ضخمة لمقر السفارة الاسرائيلية فى مسيرة عرفت بمسيرة الشواكيش لهدم الجدار الذى بنته الحكومة المصرية لحماية سفارة العدو الصهيونى على أرضها، وظلت الأوضاع متوترة حين نجح الشباب الثائر فى هدم الجدار وإنزال العلم الإسرائيلى من أعلى المبنى، وبتكتيك مقصود تم تسهيل عملية اقتحام السفارة للثوار حتى يتم العصف بالمحتجين، وبالفعل اندلعت المواجهات حينما خرجت المدرعات مرة أخرى لتطارد المتظاهرين بعد إلقاء القنابل المسيلة للدموع فسقط 3 شهداء وألقى القبض على العشرات من الشباب وقدرت أرقامهم فيما بعد ب76 متهماً تمت احالتهم إلى نيابة أمن الدولة العليا طوارئ بالطبع ألقى القبض على النشطاء والثوار وحتى المواطنين العاديين المارة كما جرت العادة، ومن بينهم فادى السعيد طالب معهد السينما وأحمد عبدالكريم طالب من أسيوط ونظمت الفعاليات المختلفة للمطالبة بالإفراج عن المتهمين، فأخلى سبيل فادى السعيد بعد احتجازه لشهر مع بعض المتهمين، وبعد المواجهات بثلاثة أشهر تم إخلاء سبيل عن آخر دفعة من متهمى السفارة.. ولكن تم تحويل القضية إلى المحكمة. قضية ماسبيرو فى 9 أكتوبر، قرر الأقباط الدعوة إلى مسيرة إلى مبنى ماسبيرو وانضم إليهم النشطاء والثوار والشخصيات العامة اعتراضاً على ما حدث فى كنيسة الماريناب بأسوان.. لكن المسيرة تحوَّلت نهايتها إلى مذبحة بمعنى الكلمة حتى دهست المدرعات المتظاهرين والبقية الباقية قتلوا بالرصاص.. كان يوما دمويا وربما فارقا فى تحول موجة القتل لدى المجلس العسكرى فيمكن أن نسجل ارتفاعاً ملحوظا فى جرائم القتل التى تورط فيها جنود من الجيش بعد مذبحة ماسبيرو على وجه الخصوص.. واجمالى شهداء هذا اليوم وصل إلى 30 شهيداً من بينهم الشهيد مينا دانيال الذى تحول اسمه إلى أيقونة جديدة للثورة المصرية المستمرة ضد الظغيان.. مكتب النائب العام إلى النيابة العسكرية.. وكانت مفارقة أن تتحول النيابة العسكرية إلى خصم وحكم فى نفس الوقت!! وتوالت مفاجآت قضية ماسبيرو حين تم توجيه التهم إلى الشهيد مينا دانيال وعلاء عبدالفتاح والأب فلوباتير واتهامهم بسرقة المدرعة والأسلحة التى ارتكب بها كل حوادث القتل!! دخل علاء عبدالفتاح السجن بعد رفضه المثول أمام النيابة العسكرية، فى نقلة نوعية كبيرة تحسب له ولكل الرافضين للمحاكمات العسكرية للمدنيين وطالب بتحويل القضية إلى القضاء المدنى وظل على هذا الوضع لمدة 50 يوماً على ذمة القضية، حتى تم تحويل القضية إلى نيابة أمن الدولة العليا طوارئ وهنا مثل علاء عبدالفتاح أمام النيابة وتم الإفراج عن كل متهمى قضية ماسبيرو تباعا بمن فيهم علاء عبدالفتاح، ولكن ظلت القضية خاوية على عروشها لفترة طبعا.. فكان مذهلا أن يموت المصريون والثوار فى مذبحة ماسبيرو وأن يتهم البعض الآخر منهم لقتل زملائهم.. حتى قدمت النيابة العسكرية 3 من الجنود كمتهمين فى قضية ماسبيرو بتهمة تحريك المدرعة وقتل عدد من المصريين، وقد أكد الجنود أن قيادات عليا هى التى أمرت بتحرك المدرعات.. بعد أن خرج قيادات المجلس العسكرى يعلنون أن المدرعات سرقت وأن من حركها ليس من أفراد الجيش!! قضية محمد محمود فى 19 نوفمبر 2011 هاجمت قوات الشرطة اعتصام مصابى الثورة فنزل آلاف من الشباب للدفاع عن المصابين فبدأت المواجهات المعروفة إعلاميا باسم «أحداث شارع محمد محمود» والتى ظلت قوات الشرطة تواصل إطلاقها للرصاص الحى والخرطوش الذى أصاب العشرات فى عيونهم بالإضافة إلى 4 آلاف إصابة ويضاف إلى ذلك قضية تضم 399 متهماً من المتظاهرين طبعا، ومتهمًا واحدًا من قبل الشرطة وهو الملازم محمود الشناوى الضابط الذى صور أثناء قنصه لعيون الثوار فى المواجهات وبالطبع لم يكن الشناوى هو الوحيد الذى قنص عيون الثوار، بل هو الوحيد الذى تم تسريب له فيديو أثناء عملية القنص.. وتم تقديم فيه بلاغات عديدة من الذين فقدوا عيونهم ولا يزال الشناوى رهن الحبس الاحتياطى حتى الآن على ذمة القضية فى ظروف حبس لا يعرف عنها الكثير. وقضية أحداث شارع محمود محمود، ضمَّت مفاجأة كبيرة حين قرر إبراهيم فتحى عدلى أحد المجندين عدم ضرب المتظاهرين فضربته قيادته حتى الإغماء وحمله المتظاهرون إلى المستشفى الميدانى وقدم بلاغاً للنائب العام بالواقعة، والتى أكد فيها أن الضباط قرروا عملية تصفية وقتل مباشر لكل المتظاهرين وحين رفض واجه مصير الثوار أنفسهم، كما طالب المجند بحماية من النيابة العامة خاصة أن بلاغه سيضم اسماء الضباط المكلفين بإطلاق النار والخرطوش على المتظاهرين.. ومن المفارقات الأخرى فى قضية قتل شهداء شارع محمد محمود أن منذ أيام قليلة، تم تحويل أول قضية لمحكمة الجنايات باسم عمرو مبروك المتهم بحرق مدرسة الفلكى أثناء اندساسه بين المتظاهرين عندما أجره شخص مجهول حتى الآن بحرق المدرسة مقابل 50 جنيهاً كما تقول تحقيقات النيابة!! قضية مجلس الوزراء فى 17 ديسمبر، بدأت قوات الجيش فى فض اعتصام مجلس الوزراء، وكالعادة استخدم الرصاص الحى والخرطوش والمطاطى وحتى الضرب من فوق مبانى مجلس الوزراء كما تم استخدام مبنى المجمع العلمى كمنصة لضرب المتظاهرين والثوار، واستمرت المعارك لأيام.. سقط فيها 18 شهيد من بينهم الشهيد عماد عفت وعلاء عبدالهادى ومحمد مصطفى وحملت هذه القضية أيضا، ممارسات فجة لأفراد الجيش المصرى الذين قاموا بتعرية الفتيات وسحلهن فى الشوارع، والعادة تم القبض على 266 متهماً فى أحداث مجلس الوزراء، ولكن الظاهرة اللافتة بقوة فى المتهمين فى هذه القضية كانت زيادة عدد اطفال الشوارع المقبوض عليهم وكذلك الأطفال العاديين الذين لديهم عائلات، ووصل عدد الاطفال القصر المقبوض عليهم فى أحداث مجلس الوزراء إلى ما يزيد على 70 طفلاً وتبين بعد ذلك اثناء التحقيقات، أن الاطفال على وجه الخصوص، تم توجيه تهم عديدة لهم ومنهم من تم تحريضه واستخدامه من قبل قوات الأمن والمباحث على اتهام شخصيات عامة فى إشعال أحداث مجلس الوزراء، كما حدث مع محمد هاشم صاحب دار ميريت للنشر والمعروف بدعمه للثوار منذ أيام التحرير الأولى.. كما تم استدعاء ممدوح حمزة وأيمن نور ونوارة نجم وإلقاء القبض على أحمد دومة من شباب الثورة على ذمة القضية. قضية الداخلية وأحداث منصور اختتمت قضايا مواجهات المتظاهرين مع قوات الأمن بقضية أحداث الداخلية وشارع منصور فى الذكرى الأولى موقعة الجمل يوم 2 فبراير، حين تظاهر آلاف من المتظاهرين والمحتجين على مجزرة استاد بورسعيد والتقصير الأمنى المقصود لتصفية الألتراس لمواقفهم الثورية.. وبعد احتكاكات بسيطة بدأت قوات الأمن فى استخدام الرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع لتبدأ معارك تستمر لمدة أربعة أيام متواصلة.. وانتهت بعمل أربعة جدران جديدة حول الداخلية وقتل 18 شهيداً ومئات المصابين و230 معتقلاً جديداً وتم تحويلهم للنيابة بنفس التهم السابقة المكررة ومن بينهم طلاب جامعيون وحرفيون وثوار وأطفال قصر كما جرت العادة.. وبمزيد من الضغط تم إخلاء سبيل عدد من الطلاب ولاتزال القضية مفتوحة. السنة الخامسة - العدد 344 - الاثنين - 03/05 /2012