عندما ذهب الوفد الدبلوماسى الشعبى المصرى إلى أوغندا - بعد ثورة يناير مُباشرةً والذى كان يضم سياسيين ورؤساء أحزاب - لإجراء مفاوضات مع الرئيس الأوغندى بشان ملف حوض النيل، شكى لهم الرئيس الأوغندى من تعاما النظام السابق مع بلادهم، والتى كانت تحمل نظرة استعلاء إلى دول حوض النيل بأكمله، وفشلهم فى التفاوض معهم حول أى قضية تخص مياه النيل. وعندما سأل حمدين صباحى - الذى كان من ضمن الوفد - الرئيس الأوغندى عن الشخص الذى كان يتفاوض معهم فى السابق، قال:That tall man" "، وتعنى "هذا الرجل الطويل"، فضحك الجالسين كلهم بما فيهم حمدين صباحى، ولم تكن ضحكاتهم تحمل فقط السخرية لأن الرئيس الأوغندى وصف بذلك أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق ولم يكن يعرفه، بل كانت تحمل فى طياتها المرارة والحزن على ما وصلت إليه دولة مثل مصر فى سياستها الخارجية.
هذا التشبيه فى رأيى يُلخص إلى أى مدى وصلت علاقات نظام السابق مع هذه الدول، وكيف كان التعامل الدبلوماسى مع قضية حوض النيل ومع بلاد المصب "فاشل" وبلا أى تأثير، إلى الحد الذى يجعل الرئيس الأوغندى لا يعرف اسم رئيس الوزراء السابق "أحمد نظيف" ويصفه ب "الرجل الطويل".
والآن ونحن نعيش "عصر النهضة الإخوانى"، نتذكر بسخرية كيف كانت المعارضة "الإخوانية" تتهم مبارك بالاهتمام بعلاقاته مع أمريكا وإسرائيل أكثر من جيرانه من الدول والاقرب له والذين يشاركون مصر مياه النيل، فى حين أن محمد مرسى وجماعته يبعثون ببرقيات لإسرائيل ويتواصلون مع إيران، بينما دول حوض النيل سقطت منهم سهواً أو عمداً على ما يبدو.
أحد عناصر "على فكرة أنا مش إخوان" سيرد علىّ قائلاً : الأزمة سببها فى الأصل مبارك وفكرة سد النهضة بدأت مع النظام البائد، " الإخوان مالهم بقى "؟.
نعم معك حق، سياسة مبارك الخارجية كانت "فاشلة" وأوصلتنا لذلك، وفكرة سد "النهضة" ظهرت فى عهد مبارك، ولكن ماذا بعد أن تولى "الإخوان" الحكم؟، ماذا فعلوا خلال عام كامل فى سياسة مصر الخارجية؟، ماذا حققوا؟، هل لم تكن دول حوض النيل على قائمة "مشروع النهضة"؟ وهل لم يعلم القائمين على البلاد فكرة سد النهضة التى تحدثت عنها أثيوبيا؟، بالطبع لا على ما يبدو، علاقات فاشلة وهامشية مثل عصر مبارك وأكثر، دور مصر الأقليمى والسياسى أصبح مُهمَش وبلا أى فاعلية، وحصة المواطن فى مياه النيل ستقل، والإخوان يقفون ساكنين لا يفعلون شيئًا لمواجهة ذلك.
مصر قبل حكم الإخوان كانت ترتدى ثوبا جديدا، وتنظر نظرة أمل وتفاؤل لمستقبل أفضل، وعلاقات خارجية قوية، ولكن يبدو أن هذا تغير فى ظل حكم الجماعة وعاد كما كان، وستظل كما هى توصف بأنها علاقات " That tall man".