أنا طبيبة دفعة 2005 إنسانة مرحة جدا، واجتماعية لدرجة أن الدفعة جميعا كانت تعرفني وتحبني، تزوّجت من زميلي في الدفعة، وكان إنسانا متدينا جدا؛ لدرجة أنه كان يتحدث للبنات في أضيق الحدود، وبصراحة هذا ما شدني له في البداية؛ لكن كان ماديا واجتماعيا أضعف مني كثيرا، كما أنه خام مثلما يقولون. أنا وأهلي كان يهمنا التدين والأخلاق فوق كل شيء، وبعد زواجنا منّ الله عليه بالعمل في عيادة طبيب مشهور، كما منّ الله عليه بمركز مرموق في المستشفى (نائب المدير)، ومركز آخر بشركة أدوية. مع الأسف اكتشفت أنه إنسان سلبي جدا جدا؛ مش عارف يعمل أي حاجة في الحياة، وذلك لأن أهله ربّوه بخوف شديد عليه، وكانوا يمنعونه أن يعيش حياته مثل الشباب العاديين؛ لدرجة أنه وهو شاب لم يكن يعرف الطرقات ولا الأماكن إلا الطريق من البيت للكلية، ويتوه إذا ذهب في أي مكان آخر. لا يستطيع تحمّل المسئولية حتى مسئولية مذاكرته للماجستير، فقد ساعدته وأحضرت له الامتحانات، وقيّمت له الأسئلة، وعملت إحصائية للأسئلة المكررة كي يركز عليها؛ حتى نجح في الماجستير بتقدير جيد جدا، وهذا التقدير كان أول مرة يحصل عليه من ساعة ما دخل الكلية. طبعا لا أخفي على حضرتك أننا لا نخرج إلا نادرا؛ لأنه بيخاف يتوه وإحنا مثلا رايحين مكان بعيد، فبيفضل إننا نذهب كل مرة لنفس المكان، ولا نكتشف أماكن جديدة. لا يوجد عنده طموح للدراسة أكثر، وأنا أراسل الجامعات الخارجية للحصول على منح دراسية. أفكر في مستقبل ابني الرضيع وكيفية تحقيق دخل مادي له؛ كي يدخل مدرسة محترمة على عكسه لا يفكر أبدا. دائما يلقبني بالجاهلة؛ دائما يقول لي إنه أوسم مني، وإن التمريض والمريضات معجبون بشكله ووسامته، كما أنه ماشي والمشط في جيبه على طول!!! دائما يقول لي إن مريضاته يطلبنه كي يزورهن في بيوتهن!! لا يريد أن يعطيني مصروف البيت، وإذا احتجت شيئا يجب أن أقول له: "ممكن لو سمحت نجيب كذا"، بنفس اللفظ كي يقرر هو ماذا أشتري. لا يريد أن أحسّن من مستواي الدراسي ولا العمل؛ لدرجة أن امتحان الزمالة بتاعي قرب، وكل ما يفعله إنه ينكد عليّ كي لا أذاكر. وأخيرا مشكلتنا الكبرى هي أنني اكتشفت له حياة سرية على النت من مشاهدات لمواقع إباحية، ومحاولته لمعرفة بنات أجنبيات والتحدث معهن؛ كما أن له هواية تنزيل الأفلام الإباحية أو الأفلام التي بها مناظر إباحية لدرجة الإدمان، ولدرجة أنه كان يطلب مني أن أفعل وأقول مثلما تفعله العاهرات في علاقتنا الخاصة. دائما عنده صراع نفسي هائل مع أي شيء سيبذل فيه جهدا؛ فمثلا إذا دعوته للمذاكرة يتعب جدا، ويقول لي إنه يصارع اكتئابا شديدا بداخله، ويذهب للنوم ممكن 10-12 ساعة. إذا دعوته للخروج لمكان جديد يبقى كده أنا حطيته في صراع نفسي مهول. وحتى أثناء قيامنا بالعلاقة الزوجية حينما ينتهي يشعر باكتئاب شديد؛ لأنه سيتطهر، وهذا يضعه في ضغط نفسي هائل؛ لأنه سوف يبذل مجهودا في خطوات الطهارة. أحلامه كلها عبارة عن مصارعات وهمية مع مخلوقات خيالية أو حيوانات فتاكة.. لقد عرضت عليه كثيرا زيارة طبيب نفسي لكنه رفض.. لذلك أفكر في تركه؛ لأني على هذا الحال 3 سنين وأخاف على ابني الصغير من هذه النفسية المعقدة.. ملحوظة: عمته عندها هوس من النظافة لدرجة أنها لا تلمس شيئا خارج منزلها، ووالده عنده خوف مرضي من كل شيء جديد. وشكرا.. برجاء إفادتي قبل أن أتحول أنا وابني لمرضى نفسيين إحنا كمان. الدكتورة سهام عبد الغني أخصائي الطب النفسي تقول : صدقت يا أختي الكريمة لو ظل الحال كما هو -ولا أظن ذلك ما دام لا يرغب في المتابعة المتخصصة- سيكون المنزل مناخاً مناسباً لظهور مشاكل نفسية وتربوية فيما بعد. فزوجك تبعاً لما تحدثت عنه من بعض التفاصيل يعاني من مشكلات نفسية تعود في الأصل للطريقة التي تربى عليها؛ حيث نجد إن بعض الآباء يحبون أبناءهم بشكل مرضي وغير صحي وكذلك يخافون عليهم خوفاً مرضياً، فيقومون بأسوأ تربية يمكن أن يتربى عليها الشخص ضمن طرق تربوية عديدة تفتقر للصحة النفسية والأساليب التربوية الصحيحة. فهو تربى على طريقة ما تم الاتفاق على تسميتها بتربية الحماية الزائدة؛ وفيها يخاف الأب والأم كثيراً على أبنائهم، خصوصاً إذا ساعدت الظروف على ذلك كأن يتأخر الإنجاب لسنوات، أو يكون ولدا وحيدا أو غيره من الأسباب فيحرصان بشدة على كل تصرفاته حتى لا يتعرض لأي موقف يؤذيه من وجهة نظرهم!؛ فلا يلعب في الشارع حتى لا يضربه أحد أو يسمع ما يؤذيه، أو حتى لا يتعرض لأذى الطرقات، ولا يركب الدراجة مثلاً حتى لا يقع بها لا قدر الله، ولا يُتعب نفسه في شراء ملابسه فهما سيختاران له، ولا يقم بعمل أي شيء لأنهما موجودان، ولا يتواصل مع آخرين حتى لا يؤذى من تلك العلاقات... وهكذا. وهذا يؤدي إلى أن يخرج الشخص في حالة اعتمادية شديدة على الآخر؛ حيث لا يوجد لديه أي خبرات؛ لأنه لم يخرج للحياة ولم يتعرف عليها، فيكون هشّاً ضعيف الإرادة لا يقوى على مواجهة شيء، يخاف من اتخاذ القرارات ويكون الاسم "الشيك" لتلك الشخصية القطة المغمّضة!. أضيفي لذلك أن الفراغ هو المناخ الأنسب لترعرع كثير من الأمراض النفسية أو مناخ مناسب لظهورها وزيادتها وتحكّمها في الإنسان كالوسواس القهري مثلاً فهو صديق الفراغ الحميم، ويأكل رأس صاحبه كلما خلا لهما "الجو". أما قصة عالم الإنترنت فهو المسار الطبيعي لشخص مثل زوجك؛ فهو منذ كان مراهقاً وكان لديه كل طاقات وإبداعات المراهقة والفضول والنمو بكل مستوياته البيولوجية والنفسية والعقلية والوجدانية وغيره لم تجد لها متنفساً صحياً لها، فكان المخرج المتاح هو عالم الفضاء الذي يلهو فيه الشخص دون "معركة" المواجهة والواقع، ويرتدي فيه الإنسان كل ما يتمنى أن يرتديه في الواقع فلا يقدر. فتجدين الانطوائي اجتماعي جداً، وثقيل الظل من أفضل الأصدقاء على الإنترنت، وتجدين كل الهاربين فيه، فماذا تنتظرين من شاب لم يعرف أي أمر في حياته سوى الكتاب!، فهو الشيء الوحيد الذي يقدر عليه ولا يكلفه مواجهات ومعارك، بل يعطيه تقدير واحترام من الآخرين دون أن يبذل جهدا في بناء علاقات ولا حل مشكلات ولا إثبات وجود؟ أختي الكريمة.. حدّثتك بصراحة شديدة حتى تهدأ نفسك فتعرفي ما غمض عليها حتى لا تظلي تضربين أخماساً في أسداسٍ دون فهم، وفي الحقيقة لن أستطيع أن أعذرك كثيراً رغم كل هذا؛ لأنك لم تكوني أنت كذلك على درجة من النضج تجعلك تتعاملين مع الزواج بشكل ناضج وواقعي، وأدرت ظهرك لكل ما يقال عن "وجوب" وجود التكافؤ بين الزوجين على كل المستويات وليس المستوى الاجتماعي والمالي فقط. فأين التكافؤ النفسي؟ أين التكافؤ في الأخلاق والسلوك؟ أين التكافؤ في التفكير؟ فلم تري سوى تدينه الذي اهتزّ أمام اختبارات الأفلام الإباحية!، والآن أمامك ثلاثة طرق لا رابع لهم، أولهم أن تتعرفي على حقيقة قدراتك وطاقتك في تقبله، فتدركين أنه ضحية لأمرين أحدهما بالطبع التربية التي أضاعت ملامح شخصيته. وثانياً لعدم تحمّله مسئولية تغيّر نفسه، فتبحثين دوماً وأبداً عن مميزاته ومساحات التوافق بينكما دون أن تنتظري الكثير، فتعلّمي أنك ستقومين بمعظم شئون حياتك وتبحثين له عن دور في حدود "إمكانياته" يقوم به معك في تلك الحياة، أو أن تشمري ذراعيك للخوض في معركة التغيير بكل اللطف والهدوء والتدرّج والتدريب معه حتى يصبح مقبولاً عما هو عليه الآن، ولكن دون تبكيت ونقد وتأفف؛ لأن الرسالة قد وصلته بالتلميح والتصريح. فهو يدري تماماً أنك تتأففين من عجزه، وتندبين حظك معه، لذا هو يوجه لك كل سهامك مرة أخرى لك، فيقول لك إنك جاهلة ويعلمك الأدب لتحصلي على مال منه؛ فلو اتخذت هذا الطريق عليك بالتؤدة والتدرج حتى تتقبليه دون تأفف كما أنت الآن. أما الطريق الأخير فهو الانفصال حتى لا تتورطي معه أكثر من ذلك في أطفال وعشرة وأمور كثيرة، وأنصحك أن تبدئي بالثانية وتعطيها حقها حتى تتيقني تماماً من قدرتك على القيام بتلك المهمة أو قد يقتنع في يوم ما أنه يحتاج ليد متخصصة تساعدك في تغييره بقدر معقول، قبل أن تختاري ما أشرت إليه؛ لأن علاجه سيكشف عدة أمور بجانب شخصيته الاعتمادية كما لاحظت. وأذكّرك بأنه من المسئولية كذلك أن نتحمل اختياراتنا قدر الإمكان فلا تنسي أنك ساهمت في وضعك هذا بعدم احترام التكافؤ، وكذلك مما رأيته منه أثناء الخطبة وأغمضت عينيك عنه؛ لأنه من المؤكد أنه لم يكن يخرج معك مثلاً أثناء الخطبة والعقد، ولم يكن يتحدث في الاتفاقيات الخاصة بالزواج وغيره، فكري جيداً والله المستعان.