"الأسطورة.. البابا شنودة الثالث".. كتاب ألفه كاتب مصري مسلم يرصد فيه أسرار من حياة البابا السابق للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر، وكيف ساهمت شخصيته في وأد كثير من الفتن التي كانت قابلة للاشتعال طوال مسيرة توليه لقيادة الكنيسة القبطية على مدار أكثر من 40 عامًا.
ويعرض الكاتب لصاحبه أحمد السرساوي بالصور كيف زحفت أعداد كبيرة من المصريين؛ مسلمين ومسيحيين خلف نعش البابا السابق في رحلة وداعه إلى مثواه الأخير في مارس/آذار 2012.
ويَصدر الكتاب متزامنًا مع توتر طائفي شهدته مصر، خلال الأيام الماضية، على خلفية مقتل أربعة مسيحيين في اشتباكات مع مسلمين بمنطقة الخصوص في محافظة القليوبية (شمال القاهرة) يومي الجمعة والسبت، أعقبها اشتباكات، الأحد، في محيط الكاتدرائية القبطية بالقاهرة بعد تشييع جثامين الأربعة.
ويقول الكاتب في مقدمته إن "الكتاب يتناول قصة حياة البابا شنودة منسوجة بأهم أحداث الوطن، حاولت أن أرسم ملامحه الإنسانية والكشف عن جوانبها الخفية فضلا عن شخصيته الدينية ومكانته الوطنية".
ويضم الكتاب عددًا من الفصول التي تعرض لأسرار في حياة البابا شنودة لم يكشف عنها قبل ذلك؛ منها حكايات البابا مع الجيش المصري، وأسرار الأملاك القبطية بالقدس، وكنائس المهجر وخروجها خارج أسوار الكاتدرائية، ومواقف جمعته بمشايخ وساسة ومفكرين، وحب البابا للصحافة وعضويته لنقابة الصحفيين المصريين، وأسرار قراره بدخول أول امرأة قبطية للمجلس الملي (هيئة كنسية يقوم الأقباط المصريون بانتخاب أعضائها وتختص بالنواحي الإدارية وغير الدينية في حياة الكنيسة).
كما يتناول الكتاب أهم الأطعمة التي كان يحبها البابا السابق، وصولا إلى مظاهرة الحب التي جمعت مصريين مسلمين ومسيحيين، في رحلة الوداع إلى مثواه الأخير.
ويأتي الكتاب في 128 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 9 فصول تتناول مسيرة حياة البابا، ويحوي أكثر من 100 صورة نادرة للبابا تنشر لأول مرة، والكتاب صادر عن دار أخبار اليوم الحكومية المصرية، ضمن سلسلة شهرية تصدرها الدار بعنوان "كتاب اليوم".
ويقول السرساوي، مؤلف الكتاب، عن شخصية البابا شنودة: "لم يستطع سياسي في حجم الرئيس المصري الأسبق أنور السادات أن يراوغه ويحجمه داخل أسوار الدير، بل العكس اتسعت في عهده الكنيسة القبطية أكثر مما كانت عليه".
وكان الرئيس المصري الراحل قد أصدر قرارًا في سبتمبر/أيلول عام 1981 بتحديد إقامة البابا شنودة في دير وادي النطرون بمحافظة البحيرة شمال مصر وذلك في حملة اعتقالات اشتهرت في هذا الوقت ب"حملة اعتقالات سبتمبر" والتي طالت عددًا من الشخصيات العامة والسياسية المعارضة لسياسة السادات تجاه توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.
وعن علاقته بالرئيس السابق حسني مبارك، يقول: "تمدد اتساع الكنيسة القبطية في عهد مبارك، والذي ناوره أيضا البابا شنودة وتماهى ظاهريًا مع سياساته، فاتسعت الكنيسة القبطية في الداخل والخارج كما لم تتسع من قبل، بل أصبحت كنائسها هنا وهناك بمثابة سفارات دينية أو امتداد لسلطة الكنيسة خارج الحدود".
وعن حكايات البابا شنودة مع الجيش المصري، يقول السرساوي: أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول في عام 1973 (خاضتها جيوش دول عربية بينها مصر ضد إسرائيل لتحرير أراضٍ احتلتها الأخيرة في 1967)، كان دائم التردد على المستشفيات لزيارة الجرحى من أبطال المعارك، ويتجول في ربوع مصر لحث رجال الدين ولجان الكنائس والجمعيات القبطية على مساندة الجيش بالمال والدم والروح من أجل نصرة الجيش في حربه مع إسرائيل.
ويرى السرساوي أن قضية القدس "تجسّد وطنية البابا وعروبته، وأنه رهن زيارته للقدس بحل القضية الفلسطينية حلاً شاملاً وعادلاً كما تراها الدولة المصرية".
وفيما يخص حفريات إسرائيل تحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة، يقول الكاتب: "كان للبابا شنودة آراء معروفة وصريحة حول هذا الأمر، حيث صرّح البابا أكثر من مرة، أن الاعتداءات على المسجد الأقصى أمر خطير وغير إنساني وغير مقبول لأنه يثير شعور المسلمين في أرجاء المعمورة".
ويلفت السرساوي إلى أن البابا كان يفرق بين اليهودية والصهيونية، معتبرًا أن ما تقوم به إسرائيل هو عمل سياسي بحت لا علاقة له بالدين، وأن "ربط سياساتها بنصوص وشعارات دينية..باطل".
ويعتبر الكاتب أن مشاهد جنازة البابا شنودة الثالث، والحشود من المسلمين والمسيحيين الذين خرجوا في وداع البابا بشكل عفوي غير مخطط له، أبلغ دليل على شخصيته الوطنية.
ويرصد السرساوي ردود الأفعال من شخصيات داخل مصر وخارجها على إعلان نبأ وفاته؛ مثل محمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، ورئيس مجلس الشعب (الغرفة الأولى بالبرلمان) السابق، وأحمد الطيب، شيخ الأزهر، وعلي جمعة مفتي مصر السابق، وأكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وغيرهم من الشخصيات الإسلامية البارزة.