شاهدت كثيراً، وأظن أننا جميعاً شاهدنا فيلم الخيط الرفيع بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين، والقصة للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس ، كل هذا معروف، ولكن الجديد هو ما ظل عقلى يفكر فيه بعد مشاهدتى له منذ أيام قليلة، وسألت نفسي: هل حياتنا كلها سلسلة من خيوط رفيعة تفصل بين الشىء ونقيضه؟ أو الشيء الطيب والشىء القبيح؟ وهل هذا ما أراد أن يقوله إحسان عبدالقدوس فى روايته تلك وفى هذه الأيام وقتها؟ وأغلب الظن أن إحسان عبدالقدوس ذلك الكاتب الكبير الذى عشنا مع رومانسياته شبابنا كله وقرأنا ما كتبه لنا صراحة أو من خلال نقاطه............... التى كان يتركها لخيالنا الشاب وقلوبنا الندية لنفهمها ونستعذبها بعيداً عن الرقابة، أغلب الظن أنه كان يقصد هذا المعنى المباشر - فى تلك القصة- وهو أن هناك «خيطاً رفيعاً» يمكن أن يضعك فى خانة «المحب» أو خانة «صاحب الملك» أو «مالك العقار»، فأنت عندما تحب تكون إنساناً شفافاً رحيماً متسامحاً، أما عندما تمتلك عقاراً فلابد أن تعاين أولاً مساحة العقار ثم أسلوب الصيانة الذى لابد أن تتبعه للمحافظة عليه وغيرها من الأمور التى ينظر ويهتم بها صاحب العقار، وهذا ما يبتعد به تماماً عن الحب وسنينه، ولذلك انقطع الحب بين فاتن حمامة ومحمود ياسين عندما انقطع ذلك الخيط الرفيع بين الحب والامتلاك، الذى تصورت من خلاله فاتن حمامة أنه سيحقق لها أبدية الحب طالما هى امتلكته، والآن أيها السادة، لعل خبرة السنين جعلتنى أتوقف لأفكر وأتأمل هذا الفيلم وهذه الفكرة من جديد، فهناك «خيط رفيع» بين القوة والقسوة.. لابد أن نضعه فى الحسبان وإلا تحولنا إلى قساة وطغاة باسم القوة.
هناك «خيط رفيع» بين المجاملة والنفاق يجب أن نراعيه حتى لا نسقط فى دائرة «الجليطة» أو «الحليطة» بالبلدى كده.
وهناك خيط رفيع بين الشجاعة والتهور وإلا سقطنا فى أتون المعارك التى لا طائل من ورائها، وكلما فكرنا وتأملنا سوف نجد أن حياتنا سلسلة من هذه الخيوط الرفيعة، إذا ما تأملناها جيداً انصلحت الحياة وتبدلت أحوالها إلى الأحسن والأنجح.. وبلغة هذا العصر وتلك الأيام.. لابد أن نراعى ذلك «الخيط الرفيع» بين «الثورة» و«الفوضى»، وذلك الخيط الرفيع بين «الالتزام» و«الاستبداد».
وأخيراً وليس آخراً.. لا ننسى كلمة الحق سبحانه وتعالى.. بسم الله الرحمن الرحيم «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل» صدق الله العظيم.. هذه الإشارة فى كلمات ربنا العظيم فى سورة البقرة تؤكد لنا ضرورة اليقظة والدقة فى مراعاة الأمور لتستقيم الحياة ونحيا فى سلام.
ملحوظة هامة: قادنى «الخيط الرفيع» إلى ذلك التأمل الذى أظنه مهماً.. وتذكروا أن ذلك أحد أهم أدوار الإبداع والمبدعين من الكتاب والمفكرين مثل «إحسان عبدالقدوس»، تحقيقاً للتطور والتجديد.