مكتب الإرشاد هو قدس أقداس الجماعة.. ولن يسمحوا باقتحامه حتى لو ماتوا جميعا دونه.. لكن صنمهم الكبير بدأ يتهاوى يوم ظهر هتاف يسقط حكم المرشد محمد بديع يكاد يكون متفرغا لحل مشاكل صراعات أعضاء الجماعة على المغانم.. ويحاول حل مشاكل زوجات الإخوان التى زادت بعد وصولهم إلى السلطة
فى بطاقة الرقم القومى الذى يحمله الدكتور محمد بديع وظيفة محددة، وهى أستاذ جامعى، لا مكان لتوصيفه كمرشد جماعة الإخوان المسلمون إلا فى أوراق الجماعة التى لا تزال وطبقا للقانون فى حكم العدم، وعليه فالدكتور بديع كمرشد عام للجماعة فى نظر القانون فى حكم العدم هو الآخر.
لكن من قال أن القانون يحكم فى مصر.. الأمر الواقع هو سيد الموقف، والواقع يقول أن محمد مرسى الإخوانى أصبح رئيسا للبلاد، ولأنه تابع للجماعة فإن المرشد العام للجماعة هو بالتبعية الحاكم الفعلى للبلاد،وهو ما تنبه له المصريون وأيقنوه تماما، فأصبح هتافهم الرسمى ضد النظام هو يسقط حكم المرشد، ونادرا ما نسمع أحدا يهتف: يسقط مرسى.. وإن كنا لا نعدم هتاف: مرسى باطل.
لكن هل يمارس محمد بديع بالفعل مهام حاكم البلاد؟.. هل يمتلك هذا الرجل الذى يبدو طيبا ساذجا لا يدرى بشىء مما حوله سلطة ونفوذا يمكن أن تجعلنا نتعامل معه على أنه الرئيس الفعلى؟.. هل هذا الرجل الذى تكاد تشفق عليه وهو يتكلم والعرق يتصبب منه حتى وهو فى الشتاء يمكن أن يكون هو من يمسك كل مفاتيح الدولة المصرية الكبيرة؟
بالطبع لا.. فهو واحد من أربعة يسيطرون على الحكم تماما، أربعة يطلق المراقبون عليهم مربع الشر، وهو مربع يضمه هو كمرشد للجماعة على الأقل من الناحية اللائحية، لا أستطيع أن أقول من الناحية القانونية – فهى ليست كذلك – ومحمود عزت الرجل الذى يوصف بأنه رجل مخابرات الجماعة، وخيرت الشاطر الرجل القوى والذى يحرك الأمور من وراء ستار، وأخيرا محمد مرسى الذى يتعامل معه الخبراء فى شئون الجماعة، على أنه مسئول الرئاسة فى مكتب الإرشاد، فالوحدة الأساسية عندهم الجماعة، وكل ما عداها مجرد توابع.
فى اجتماعات الرباعى التى يحاول أصحابها أن يصيغوا الحياة فى مصر، لا يكون محمد بديع هو الفاعل الأكبر أو الحقيقى، هو مجرد عضو فى الاجتماع، عزت أقوى منه، خيرت أكثر فاعلية، محمد مرسى فى الغالب مجرد متلقى.
لكن غير هذه الاجتماعات.. والتى لا يعرف أحد دوريتها، ما الذى يفعله محمد بديع، الرجل يذهب إلى مكتبه فى مكتب الإرشاد يوميا مبكرا جدا، ويظل فيه لساعات طويلة، النشاط المعلن له مقابلات واجتماعات بروتوكولية، يعلن عنها عبر وسائل الإعلام الإخوانية، هذا غير كلمته الأسبوعية التى تنشر فى موقع إخوان أون لاين وجريدة الحرية والعدالة، وهى الكلمة التى أثارت كثيرا من المشاكل خلال الشهور الأخيرة وتحديدا مع القوات المسلحة التى تجاوز بديع فى حقها، لكنه عاد إلى قواعده وهدوئه مرة أخرى.. فلم يكن هو صاحب الكاريزما الذى يمكن أن يدخل فى معركة طويلة مع الجيش.
هناك مهمة أساسية يمارسها محمد بديع بشكل يومى دون أن يعلن عنها، فهى فى الحقيقة مهمة غير مشرفة على الإطلاق، إذ إن تفاصيلها مخجلة، لأنها تكشف الكثير من عورات الجماعة، التى ظلت تصور نفسها لنا على أنها جماعة الرحمن، فإذا بنا نكتشف أنها ليست إلا جماعة البهتان.
قبل أن نعرف المهمة المقدسة التى يقوم بها محمد بديع يوميا فى مكتب الإرشاد، لابد أن نشير إلى التغير الحاد الذى طرأ على الجماعة، بعد أن تمكنت من السلطة، وأصبح أحد رجالها فى مقعد الرئيس.
لقد ظل الإخوان فى مساحة أهل المغارم الذين يتحملون الاضطهاد والمطاردة والتشريد طويلا، وهو ما جعلهم متكاتفين يشد بعضهم بعضا، الخلافات بينهم كانت محدودة جدا، فلم يكن هناك شىء من الأساس يمكن أن يتصارع عليه أو حوله الإخوان.
الآن انتقلت الجماعة إلى مساحة المغانم، أصبحت هناك مكاسب كثيرة جنتها الجماعة، أصبحت هناك مكاسب كثيرة، وطالما ظهرت المكاسب فلابد أن تظهر الخلافات والصراعات بل والمعارك بين الإخوان فى كل المحافظات، فالجميع يرى أنه من حقه أن يكسب ويتم تعويضه عن سنوات التحمل التى طالت.
يعكف محمد بديع فى مكتبه يوميا ليحل مئات الخلافات والمشاكل التى تنشب بين أعضاء الإخوان خاصة من المحافظات، محاولا أن يسترضى الجميع، لكن ما يدهشك أن بديع يضيع كثيرا من وقته فى حل المشكلات الزوجية التى تنشب بكثرة الآن بين أعضاء الجماعة وزوجاتهم.
أما لماذا تنشب خلافات زوجية كثيرة ومعقدة بين أعضاء الجماعة وزوجاتهم؟ لأن رجال الإخوان بعد أن تمكنوا من السلطة اتجهوا إلى الزواج مرة أخرى، لقد استقرت أحوالهم.. وزادت الأموال فى أيديهم،فكان لهم أن غيروا حياتهم بالزواج من شابات أكثر جمالا وحيوية.. وهو ما أزعج سيدات الجماعة اللاتى لم يجدن إلا مرشد الجماعة الذى فرغ لهن وقتا طويلا من أجل حل مشاكلهن.
عندما تقترب من واقع مرشد الإخوان محمد بديع ستجد أن الرجل يلعب دورا هامشيا تماما داخل منظومة الحكم، إنه يدرك إمكانياته جيدا، ولا يطالب بأدوار أكثر مما يقوم به بالفعل.
كنت قد أشرت إلى التكوين النفسى لمحمد بديع بعد أسابيع قليلة من صعوده إلى منصب المرشد فى العام 2009، وكان أن قال الدكتور أحمد عكاشة أن الرجل يشعر بأن المنصب كبير عليه بالفعل، ولذلك فهو متردد، ينقاد للآخرين لأنه يدرك أنهم يمكن أن يتخلصوا منه فى أى لحظة.
إذا كان مرشد الجماعة الحالى بهذا التهافت الكبير، لا قيمة حقيقية للرجل فى توجيه الأمور فى مصر، مجرد فرد فى اجتماع لا يؤثر فيه كثيرا، فلماذا يشد الغاضبون الرحال إلى مكتب الإرشاد؟ لماذا يصرون على محاصرته والسخرية منه، ثم لماذا يهتفون بسقوط المرشد ولا يهتفون بسقوط مرسى؟
مرشد الإخوان – بصرف النظر عن تهافت محمد بديع المرشد الحالى – هو رمز، صنم كبير معبود، يعتصم الإخوان بالمعنى فيه دون أن يلتفتوا إلى شخصية من يشغل المنصب، الإخوان هم أصحاب مقولة أنهم لو رشحوا كلبا ميتا فسيختاره الناس، أعتقد أن الأمر ينصرف على منصب المرشد، فلو أن الإخوان اختاروا حجرا لمنصب المرشد فإنهم سيقدسونه.. وهو التقديس الذى سيصل إلى درجة العبادة.
الآن حانت المهمة المقدسة وهى تكسيرالصنم الأكبر داخل الجماعة، وأعتقد أن بداية هذا التكسير كانت مع هتاف يسقط يسقط حكم المرشد.. وأعتقد أيضا أن آخر حجر فى تكسير هذا الصنم سيكون باقتحام مكتب الإرشاد.
لا أدعو إلى ذلك بالطبع، بل أحذر منه، لأن الجماعة لن تسمح به، يمكن أن تحدث مجزرة بالفعل، فالإخوان لن يفرطوا أبدا فى سدرة المنتهى عندهم وهى مكتب الإرشاد الذى هو عندهم أهم من قصر الرئاسة، سيدافع الإخوان عن إلههم المعبود، عن قدس أقداسهم، ولو فكر الثوار أن يقتحموا المكتب فيمكن أن يجدوا نار الله الموقدة تتسلط عليهم، لأن الجماعة تعتبر مكتبها آخر حصن يمكن أن يصل إليه الثوار، ولذلك لا تعتقدوا أن الإخوان يمكن أن يفسحوا لكم الطريق إلى معبدهم بسهولة.. الأمر فعلا ليس سهلا.