في خطوة قد تمهّد في رأي البعض لامتداد الأزمة السورية فعليًّا إلى لبنان، اشتعلت مناطق وقرى حدودية متداخلة ما بين لبنان وسوريا مؤخرًا، مع إعلان الجيش السوري الحر المعارض مقتل عدد من عناصر حزب الله في اشتباكات بريف منطقة القصير السورية الأحد الماضي.
ويردّ حزب الله عادة على الاتهامات بوجود مقاتلين له في المناطق السورية الحدودية مع لبنان، مؤكدًا "قيام أهالي تلك المناطق الشيعية بالدفاع عن أنفسهم جراء مهاجمة مقاتلي المعارضة السورية لقراهم".
وتحدث أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن وجود "أكثر من 23 قرية حدودية سورية و12 مزرعة يسكنها حوالي 30 ألف لبناني ينتمي بعضهم إلى أحزاب لبنانية منذ عشرات السنين ومنهم شباب في حزب الله وآخرون متفرغون ومقاومون في الجنوب مع أنهم يسكنون هذه البلدات داخل الأراضي السورية".
ويبلغ عدد القرى السورية الممتدة من نقطة العريضة الحدودية الواقعة غرباً إلى نقطة الدبوسية شرقاً 21 بلدة وقرية، علما بأن هناك قرى حدودية مقسمة إلى قسمين أحدهما بالأراضي اللبنانية والآخر بالأراضي السورية شمال لبنان.
ومن هذه البلدات الحدودية، بلدة ربلة السورية بمحافظة حمص (غرب) التي تبعد عن مركز الأمن العام السوري أمتارًا قليلة، فيما 99 بالمئة من سكانها لبنانيين.
أما بلدة عسال الورد، التي تمتد على مسافة 60 كلم على طول الحدود اللبنانية، فتنقسم إلى جزءين، جزء لبناني وآخر سوري وهي تبعد عن مدينة بعلبك اللبنانية ما يقارب 14 كلم، ويبلغ عدد سكان قرية عسال الورد السورية ألف و500 نسمة يحمل 800 منهم الجنسية اللبنانية.
ويبلغ عدد سكان بلدة طفيل اللبنانية التي تمتد أجزاء منها إلى الأراضي السورية ألفين و500 نسمة نصفهم يحملون الجنسية السورية، ومن البلدات المتداخلة بين لبنان وسوريا أيضا، بلدة كفير يابوس التي تتداخل بقرية مجدل عنجر اللبنانية.
وفي لقاء جمعهما عام 2010 في دمشق، اتفق رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان على إحالة ملف الحدود البرية والبحرية المشتركة إلى لجان لدراسة الحقوق الوطنية لسوريا ولبنان في مياههما الإقليمية واستكمال جمع المعلومات والمعطيات من قبل كل جانب تمهيداً للمباشرة بعملية تحديد وترسيم هذه الحدود في أقرب وقت ودراسة الوضع على الحدود البرية.
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعتبر في وقت سابق أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا "موضوع يحتاج إلى رؤية اجتماعية تنصف العائلات اللبنانية الموجودة في سوريا والسورية الموجودة في لبنان".
وحتى الساعة لا يزال ملف ترسيم الحدود ما بين لبنان وسوريا معلّقا إلى أجل غير مسمى.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاستراتيجي اللبناني، العميد متقاعد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، أن عدد القرى التي تشهد حاليا مواجهات مسلحة يتخطى ال7 وهي قرى سورية سكانها من اللبنانيين، يعبرون عادة إلى الأراضي اللبنانية عبر معبر القاع الشرعي (في محافظة البقاع بالشرق اللبناني) أو سيرا على الأقدام من خلال أكثر من معبر غير شرعي.
وقال جابر لمراسلة وكالة "الأناضول": "بعدما تعرض هؤلاء الذين هم كلّهم من الشيعة لهجمات من الجيش السوري الحر، تم تزويدهم بالسلاح، علما بأن حزب الله لم ينكر يوما أن عددا من أبناء هذه القرى ينتمون للحزب"، لافتا إلى أنّه "ليس من المستبعد أن يكون بعض مقاتلي الحزب انتقلوا من مناطقهم في البقاع إلى هذه القرى".
وأشار جابر إلى أن "هذا الوضع الحدودي ينطبق أيضا على ريف دمشق وبالتحديد على منطقة السيدة زينب (جنوب غرب) حيث هناك أعداد كبيرة من اللبنانيين المقيمين هناك والذين ينتمي بعضهم لحزب الله".
بالمقابل، استهجن المنسق السياسي والإعلامي للجيش السوري الحر، لؤي المقداد، رواية حزب الله عن عمليات دفاع عن النفس يقوم بها أبناء المناطق المتداخلة على الحدود بين البلدين، متسائلا: "هل أبناء المناطق منظمون عسكريًا لدرجة تنسيق عمليات القصف المدفعي براجمات الصواريخ ليسبق اجتياحًا بريًّا لقرى سورية؟ وكيف إذن ينسق هؤلاء الأهالي مع جيش النظام السوري الذي يعلم تماما كيف يقصف القرى التي فيها جيش حر ومدنيين ويستثني هؤلاء؟"
وشدّد المقداد، في اتصال هاتفي مع مراسلة وكالة "الأناضول"، على أن "العمليات التي تجري حاليا عمليات عسكرية منظمة جدًا تديرها غرفة عمليات، قائلاً "بعدما فقد النظام السيطرة على المنطقة، كلّف حزب الله بالعمل العسكري فيها ليركّز هو قواته في العاصمة دمشق وللحفاظ على خطوط الإمداد اللوجستية".
وأوضح المقداد أن "عناصر حزب الله الذين يتخطى عددهم 1000 عنصر يتمركزون حاليا في قرى العقربية والغسانية والصفصافة السورية (بمنطقة القصير في محافظة حمص) والتي يدكون منها مناطق تواجد عناصر الجيش الحر"، لافتا إلى أن "اشتباكات شديدة تشهدها مناطق البرهانية والنهرية والفاضلية بالقصير".
وأضاف: "نعتقد أن حزب الله يعدّ لاجتياح منطقة القصير، وقد وصلتنا معطيات تفيد بأنّه يحشد لذلك حوالي 10 آلاف مقاتل للمهمة".