علمنى دينى أن قرين المرء من الإنس أشد عليه من شياطين الجن، ومثلما هناك شياطين يفسدون على المرء حياته وأخرته فهناك أيضا شياطين من جنس الإنس تسعى جاهدة لإفساد المجتمع ككل وتدمير حياة العامة وشيوع الفرقة بين الناس، فلفظ "الشيطان" عندما تسمعه أذنى يتبادر الى عقلى دائما ذاك المخلوق من النار المطرود من رحمة الله الذى يوسوس للناس ويوغيهم للوقوع فى المحرمات أو المحظور، لكن ما شهدته وسمعته كأى مصرى على مرأى ومسمع من الجميع من مشاحنات ومعارك بين الساسة والأحزاب المصرية وهوس كل منهم بالانقضاض على هذه البلده الطيبة التى عهدناها دائما محمية بالعناية الإلهية على مر العصور، لم أجد تعريفا لهم الا "شياطين الإنس" أو بالمصطلح الأدق "شياطين السياسة"، فكلما اشتد وطيس الحرب بين هؤلاء الاشخاص لا أجد لحربهم وصفا الا "حرب الشياطين". لقد خرج شباب مصر ذو القلب الطاهر النقى فى ثورة الخامس والعشرون من يناير، ليرسم نسيم الحرية، ويطمس معالم الظلم والقهر من الحياة، ويبعث برسالة صارخة مليئة بالعزم والاصرار فى وجه كل ظالم وليسقط كل متجبر على الارض، أنه الشباب المصرى الذى ثار بجميع اطيافة ومختلف معتقداته ودياناته مسلميه ومسحيه يدا واحدة، ليضربوا أمام العالم أجمع أروع الأمثلة وأرقى وأعظم معانى الانسانية والتقدم، فلا أستطيع الا أن أقول فى حقه الا أنهم شباب وطن العزة الذى خرج معاهدا خالقه الايعودوا حتى ينالوا حريتهم ويهدموا دولة الظلم والفساد، وليلقنوا العالم دروسا جديدة فى أسمى دروب الشجاعة والإقدام.
لاشك أن عين الغدر كانت لاتنام "فلا نامت أعين الجبناء" وشياطين الانسان أخذت تتفنن المكيدة الغادرة لتسيل دماء الحرية على أرض الكنانة لتنبت لنا زهور الوطن الجديد، حتى تعيش أجيال وأجيال ناعمة بالحرية والعزة والكرامة الانسانية، لكن أصابنى الذهول وطعنت بخنجر مسموم عندما أيقنت أن شياطين السياسة قد أتخذوا طريقا أخر، وهو"أنهم جعلوا أنفسهم هم الثورة والثوار والضحية بل أفظع من ذلك أنهم ألبسوا أنفسهم ثياب الشعب ليكونوا الممثلين عنه والمتحكمين فى مصيرة" وبمرور الأيام تضحى دماء الانقياء بلا فائدة بعد أن تاجروا بها ليربحوا بها دنيا المناصب والسلطة والجاه، وينساق الشعب الطيب مُسلما بأفعالهم، ليسقط ضحية مواقفهم الخداعة وكلامهم المسحور، وليظهر هؤلاء الشياطين أنفسهم أمام البشرية أنهم الأبطال المنتصرين المنقذين للوطن من الظلم والاستبعاد.
لا أملك أى مبرر لاقول أن هناك ممن أحكم قبضته على مقاليد الحكم أو من يعارضهم أنهم وطنيون مخلصون يسعون لاجل هذا البلد، رغم اقتناعى بالشريعية والدستورية التى أتخذها طرفى "الحكم والمعارضة" فى الوصول لما هم عليه الأن، ومع ذلك فالواقع المرير لا يقنعنى الا أن هذه الاطراف "الحاكمة والمعارضة" كثيرا من المتصدرين منهم يسعون لاهداف وطنية لكن أهداف شخصية بغية المنصب والشهرة، أنهم بحق "شياطين" أجادوا فنون المكر والخديعة بالأخص فيما بينهم ليقضى كل منهم على الأخر، رغبتة منه فى الفوز بفريسته "مصر" وحده دون مشاركة الأخر، وصار كل فريق يحشد ما لديه من قوة وإمكانيات فى حربه ضد الأخر، ليسقطوا بذلك من حساباتهم ملايين المصريين الاشقياء فى هذه الارض، فيسقط الشعب وتسقط الدولة ضحية لممارستهم الشيطانية.
لقد مضى على ثورتنا وقت ليس بالقليل، عامان ولم يجنى الشعب منها الا شياطين تصدروا المشهد، نراهم نُصب أعيننا كل لحظة ليزيدوا خداعهم لنا، تارة باسم "الدين" وتارة باسم "الفقر والفقير"، لعنهم الله جميعا، فلا أعطيهم الا كل "بُغض وكراهية"، ألم ينظر أى منهم نظرة رحمة وانسانية لتلك الأم المصرية "الثكلى" التى أخذت تربى ابنها ليكبر يوما بعد يوم أمام عينها، ثم يخرج ثائرا ومطالبا بحقه وحريته فيعود لها جثة هامدة، ثم تزداد حسرتها عندما ترى المتاجرة بدماء ولدها دون خجل أو ضمير ممن يدعون ذلك، لاشك أن ما يخرج به علينا الساسة والنخبة وأحزابهم لا يوصف الا أنه اغواء من الشياطين للعقول والقلوب الطيبة، وما يريدون من ذلك الا المناصب والسلطان حتى يشبعوا نزواتهم الدنيئة ولو كانت وسائلهم لتحقيق ذلك القتل وإراقة الدماء، ولكنى أثق دائما أن الثورة لن يحققها الا أبنائها الذين أخرجوها من الحلم الى الحقيقة، وسيأتى الوقت الذى أشعر أنه قريب ليسقوا أيضا هؤلاء الشياطين الذين خدعوا الشعب وخانوا الدماء البرئية التى سالت على تراب الوطن، وليحكموا وطنهم بأنفسهم ليقموا العدالة التى طال أنتظارهم لها، لانى أثق فى خالقى أنه دائما بالمرصاد للظلم والمكر السيئ " ولا يحيق المكر السيئ الابأهلة"، وأثق دائما أن سيفضح أمرهم ويظهر على حقيقتهم البشعة فوعد الله لنا دائما " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".