الإخوان نسبوا أحمد فيصل لشهدائهم رغم أنه لم يمت.. وعرضوا شراء جثة محمد السنوسى.. وودعوا من ادعوا أنهم شهداؤهم على طريقة حماس الذين يسرقون وطنًا.. ليس جديدا عليهم أن يتاجروا فى دماء أبنائه
لم يكن ما فعله صلاح عبد المقصود وزير الإعلام مع الحسينى أبو ضيف غريبا على جماعة الإخوان المسلمين، صباح الأحد الماضى استغل الوزير الإخوانى أن أهله وزملاءه وأصدقاءه يقيمون مؤتمرا صحفيا فى نقابة الصحفيين، لفضح ما تعرض له على يد عصابات الإخوان أمام قصر الاتحادية، وذهب ليزوره بعد نقله من مستشفى الزهراء الجامعى إلى وحدة شريف مختار بمستشفى قصر العينى.
كان عبد المقصود يدرك ما يفعله جيدا، عرف أنه لو ذهب وأهل الحسينى وأصدقاؤه يقفون أمام غرفة العناية المركزة التى يرقد بها منذ حاولت يد الغدر الإخوانية اغتياله لمنعوه ليس من الدخول فقط، ولكن من مجرد الطلة عليه، تلصص الكبير الذى يعتقد أنه أصبح مسئولا كبيرا فى الدولة، وذهب خفية دون أن يخبر أحدًا، رغم أن الواجب يقتضى أن يخبر أحدا من أهله على الأقل ليستقبلوه.
لم تكن الزيارة وحدها هى الخطيئة التى ارتكبها صلاح عبد المقصود، كانت هناك كبيرة أخرى، فبعد أن خرج من الزيارة، ارتكب ما يمكن أن نعتبره حالة نصب إنسانية كاملة، قال إنه علم -دون أن يقول لنا من أين علم على وجه التحديد– أن الحسينى كان يصور البلطجية الذين ضربوا الإخوان وقتلوهم، وأنه يدعو الله أن يقوم من أزمته حتى يشهد بالحق على من قتلوا الشهداء.
أبدى صلاح عبد المقصود جهلا فاضحا بالمناضل الذى زاره، قال إنه مصور صحفى، رغم أن الحسينى محقق صحفى من الطراز الأول والتصوير بالنسبة له لم يكن إلا هواية، لكن صلاح عبدالمقصود الذى لم أضبطه بمقال كاتبا أو قارئا لا يهتم بأن يحصل على معلومات دقيقة، وتكفيه المعلومات التى يناصر بها جماعته.
أهل وزملاء الحسينى أبوضيف ردوا له التحية بأحسن منها، أصدروا بيانا كانوا فيه واضحين ومحددين، فهم يتهمون جماعة الإخوان وميليشياتها بأنها من قتلت ابنهم، قالوا دون إخفاء أنهم يرفضون زيارة الوزير الذى ينتمى إلى جماعة تقتل القتيل وتريد أن تمشى فى جنازته.
ما فعله صلاح عبدالمقصود لم يكن تصرفا فرديا، إنه منهج سارت عليه جماعة الإخوان دون إبطاء، ففى مشهد درامى وقف مرشد الجماعة محمد بديع باكيا على من سقطوا من شهداء الإخوان المسلمين فى معركة قصر الاتحادية.
بديع استبق التحقيقات وأعلن أن ثمانية شهداء سقطوا وأنهم جميعا من جماعة الإخوان، أراد المرشد أن يصور الأمر وكأن جماعته هى التى تم الاعتداء عليها، هى التى قتلت وعذبت، وأنهم ليسوا إلا متظاهرين سلميين ذهبوا إلى قصر الاتحادية ليناصروا الرئيس محمد مرسى، لكن معارضى الرئيس المسلحين هم الذين اعتدوا وقتلوا.
دخلت دموع الإخوان ومرشدهم الأكبر على الكثيرين من أبناء الشعب الطيب، لكننا ولأن مصابنا كان حاضرا فقد عرفنا أن الإخوان يكذبون – لم نكن فى حاجة إلى دليل على كذب الإخوان لكنهم فعلوا ذلك مجددا – قالوا عبر تصريحات كاذبة إن الحسينى أبو ضيف إخوانى وأنه كان يعمل فى شبكة رصد الإخوانية، وأنه كان فى صفوف الإخوان يصور القتلة، ولو أتعب الإخوان أنفسهم ودخلوا فقط على صفحة الحسينى أبو ضيف على الفيس بوك أو على تويتر، لأدركوا أنه لم يكن يوما إخوانيا، بل كان طوال الوقت مناهضا لمشروعهم الفكرى والسياسى.
لن أحيلهم إلى تاريخه النضالى الذى بدأه من الجامعة، يكفى أن أقول لهم إنه عضو الهيئة المركزية للحزب الناصرى – بهذا لا يمكن أن يكون إخوانيا أبدا – كما أنه كان من مؤسسى حركة كفاية.
لكن السؤال: لماذا فعل الإخوان ذلك؟
بالطبع أرادوا أن يثبتوا براءتهم بكل السبل أنهم لم يحملوا سلاحا فى الاتحادية، ولم يقتلوا أحدا، والدليل أن كل القتلى منهم، وكل المصابين منهم، لكن ولأنه لا شىء فوق هذا التراب لا يرى، ولا شىء يرى إلا ويذكر، ولا شىء يذكر إلا ويخلد، فقد بدأت الحقائق تتكشف عن خيبة وخديعة الإخوان، لتظهر الجماعة وأعضاءها مجرد لصوص يسرقون كل شىء، ولا يتورعون أن يفعلوا ذلك مع الشهداء الذين دفعوا دماءهم لتحرير أوطانهم.
فى المؤتمر الصحفى الذى عقده محمد بديع للإعلان عن شهدائه كان منظمو المؤتمر قد وضعوا مجموعة من الصور خلفه، لكن وبعد أن انتهى المؤتمر بدأت الفضيحة، إحدى الصور كانت لأحمد فيصل، رأى الصورة وليد اللبودى صديق فيصل، مؤكد أنه غضب، مؤكد أنه حزب، ومؤكد أيضا أنه سخر من هذه الجماعة التى تريد أن تسرق منه صديقه.
أحمد فيصل الذى وقفت صورته خلف مرشد الإخوان كواحد من شهداء الجماعة، لم يكن قد لقى وجه ربه بعد، كان لا يزال مصابا، بعد أن تلقى رصاصة فى عنقه وتم نقله إلى العناية المركزة بمستشفى عين شمس التخصصى، وكانت حالته تتحسن بالفعل وقت أن كان بديع يعلن عن شهادته كإخوانى.. وليد صديق أحمد قال باختصار تعليقا على المهزلة التى كان الإخوان المسلمون ينصبونها «أحمد حى مش ميت.. وكمان مش إخوان».
هل تكفى هذه الفضيحة؟.. بالطبع لا فهناك فضيحة أكبر وأعم، وقد تكون رأيتها على شاشات الفضائيات، مفجرها غلبه القهر فقرر أن يتحدث حتى لو تعرض للإيذاء بعد ذلك.
الشهيد هذه المرة اسمه محمد السنوسى قتل فى أحداث الاتحادية، طبقا لشهادة أحد أصدقائه لم تكن له أى علاقة بالمظاهرات، كان عائدًا من عمله، مر من أمام قصر الاتحادية فوجد تساقط المصابين والقتلى فأراد أن يساعد الإسعاف فأصابته رصاصة أودت بحياته.
كان شقيقه سامح ينتظر أمام المشرحة حتى يحمل جثمان أخيه إلى قبره، عله يستريح بعد أن أرهقته الحياة، لكنه فوجئ كما روى القصة لأكثر من قناة فضائية خلال الأيام الماضية بشخص ملتح يطلب منه أن يحجز جثمان شقيقه ليخرج فى مسيرة شهداء الإخوان من أمام الأزهر الشريف، ولكنه رفض لأن الإخوان هم من قتلوه.. والد محمد السنوسى قال جملة بليغة وموجزة: «لو وافقت على عرض الإخوان هبقى ببيع ابنى».
الفضائح لا تمنع المفاجآت الأخرى، فيبدو أن الشو الذى لن تقدر جماعة الإخوان المسلمين عليه بدأ ولن ينتهى، تقرير النيابة العامة عن أحداث قصر الاتحادية أشار إلى أنها قامت بإرسال 7 جثث لضحايا أحداث قصر الاتحادية إلى الطب الشرعى، لبيان سبب الوفاة، وجاءت التقارير المبدئية بأن الضحايا لقوا مصرعهم متأثرين بإصابتهم بطلقات نارية حية وفرد خرطوش وطعنات ناتجة عن أسلحة بيضاء.
المفاجأة ليست هنا، ولكن فيما هو قادم، فقد تبين أن ثلاث ضحايا لقوا حتفهم بمستشفى منشية البكرى وأربعة بمستشفى هليوبوليس، وأن أحد الضحايا فقط ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين.
النيابة نفسها تشير إلى أن الضحايا سبع وليسوا ثمانى، فمن أين جاءت جماعة الإخوان المسلمين بالضحية الثامنة، ثم إن النيابة تشير إلى أن واحدا فقط من الضحايا ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، فمن أين جاءت الجماعة بشهدائها الآخرين؟.. وهل ما رفضته أسرة محمد السنوسى قبلته أسر أخرى فباعت جثامين شهدائها للإخوان والمقابل لا يعلمه إلا الله بالطبع.
المفاجآت لم تنته بعد.. فقد أمرت نيابة مصر الجديدة بحبس أربعة من أعضاء الحرية والعدالة أربعة أيام على ذمة التحقيقات فى قضية أحداث الاتحادية، بعد أن تم ضبط أسلحة نارية وخرطوش معهم، وبمضاهاة الطلقات الموجودة فى جثامين الشهداء تبين أنها من الأسلحة التى يحملها أعضاء الحرية والعدالة.
نحن نتعامل مع الدولة الرسمية، وليس مع جماعة الإخوان التى استبقت التحقيقات وقررت أن من ماتوا كانوا منها، وأنهم شهداء معركة الدفاع عن الشرعية، الجماعة التى بكت على مصابيها وعلى التمثيل الذى جرى لهم، رغم أن شهود العيان كلهم أكدوا أن الإخوان هم من عذبوا وأقاموا السلخانات أمام بوابة قصر الاتحادية، وأن النيابة أفرجت عن كل المتهمين الذين عذبتهم وأهانتهم الجماعة، لأنه لم يكن هناك أى دليل على أى منهم.. لأن الأدلة كلها كانت ضد جماعة الإخوان المسلمين وضد قادتها.
حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تكون محترفة فى إخراج المشهد الأخير لوداع من قالت إنهم شهداؤها، لكن للأسف الشديد سارت الجماعة على نهج جماعة حماس التى هى فى النهاية تابعة للجماعة، فى وداعها لشهدائها الذين يسقطون على يد إسرائيل، تقيم حماس احتفالا كبيرا يتناوب فيه الخطباء على الكلمات البلاغية النارية.
وقف خطباء الجماعة أمام الجامع الأزهر ليزفوا من قالوا إنهم شهداؤهم إلى الجنة، دون أن يعدوا أنهم بذلك يرفعون أنفسهم وشهداءهم فوق المصريين جميعا، جعلوا من الشعب المصرى الذى يخرج يعترض على الرئيس عدوا لا يقل عن إسرائيل بالنسبة لهم – رغم أنهم فى حقيقة الأمر لا عداء بينهم وبين إسرائيل لا الآن ولا قبل ذلك.
وضع جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم فى ضفة والشعب المصرى كله فى ضفة أخرى، ولم يكن الأمر غريبا عليهم، فالشيوخ الذين استحضروهم فى مليونية ميدان نهضة مصر وقفوا ليتحدثوا عن قتلاهم وقتلانا، وكأن المصريين أصبحوا جيشين يربط بينهما العداء ولا أكثر من ذلك.
كان الإخوان يطالبون بحقوق شهدائهم وكأنهم لا يزالون فى المعارضة يعملون تحت الأرض، لم يدركوا أن هناك دولة أصبحوا هم الحاكمين فيها، ويمكن لأجهزة هذه الدولة إذا ما عملت أن تعرف من قتل ومن قتل.. من الشهيد ومن البلطجى.. لكن الجماعة اعتقدت فى لحظة أنها الدولة وأنها الحكومة وأنها الأجهزة الرسمية كلها، وأنها من تحقق وتقرر وتصدر الأحكام.. لكن الله أراد فضحها على رءوس الأشهاد جميعا.
قد تستبشع اتهام جماعة الإخوان المسلمين بأنها سرقت الشهداء، رغم أنها لم تفعل غير ذلك، قد تقول إنها حصلت على معلومات خاطئة عن المصابين والضحايا، وليس معقولا أن ينسبوا لأنفسهم من ليس فيهم، لكن سوابق كثيرة – ليست بعيدة بالمناسبة – اقترفتها الجماعة تؤكد أنها لصة مع سبق الإصرار والترصد.
سرقت الثورة رغم أنها تلكأت فى المشاركة فى فعالياتها من اليوم الأول واكتفت بمشاركة رمزية حتى ترى ما الذى يمكن أن تسفر عنه الأحداث، تركت الثوار يقتلون فى محمد محمود ومجلس الوزراء، سخرت من ست البنات التى عروها فى التحرير على مرأى ومشهد من العالم كله.. وبعد ذلك كله خرج محمد مرسى ليقول إنه مرشح الثورة، ثم يقول إنه رئيس الثورة، رغم أنه ومنذ اليوم الأول لدخوله القصر تاجر بالثورة والثوار ولم يراع فيهم حقا ولا ضميرا.
سرقت الجماعة الدستور وظلت وراء من شاركوا فى كتابته حتى خرج بالصورة التى تريدها الجماعة دون أن يزيد أو ينقص، فهى تصنع دستورا يمكنها من الاستمرار والتمكن والتمكين، دون أن تضع أمامها شعبا يريد أن يحيا بعد أن ظل كثيرا تحت مظلات الاستبداد والطغيان.
هل أضيف لكم شيئًا آخر إن قيادات الجماعة الحالية.. ممن يطلقون عليهم الصقور وعلى رأسهم محمد بديع وخيرت الشاطر ورشاد البيومى ومحمود عزت ومحمود غزلان ومعهم محمد مرسى بالطبع، كانوا قد سرقوا الجماعة وسلبوها روح حسن البنا ومن أرادوا إصلاحا لها، فليس بعيدا على من سوقوا جماعتهم وانحرفوا بها عن طريقها إلى طريقهم الخاص، أن يسرقوا الوطن كله وينحرفوا به إلى الوجهة التى يريدونها.
يمكن أن ترى فيما جرى أمام الاتحادية انحطاطا إنسانيا نادرا، فلا يمكن أن يتاجر أحد فى الدم، لكن الجماعة فعلت ذلك، طوال الخميس الماضى وكاميرات قناة 25 التابعة للإخوان تستعرض جثامين بعض الشهداء الذين قالت إنهم شهداء إخوان – دع عنك أن النيابة والتحقيقات أثبتت أن الإخوان لم يكن لهم فى المشهد شهداء إلا واحد فقط – فاستعراض القناة لجثامين الشهداء كان تجارة رخيصة ومحاولة لاستعطاف الناس تجاه الإخوان، وليتهم فعلوا ذلك بالحق.. فقد كذبوا وهو ليس جديدا عليهم.
سرقة الإخوان المسلمين للشهداء، وخروجهم علينا بعيون جامدة وببجاحة منقطعة النظير تؤكد لى ما ذهبت إليه مبكرا، من أننى لست أمام جماعة تعمل من أجل الله، أو تبتغى وجه الآخرة، الجماعة فى النهاية لا تعمل إلا من وجه الدنيا، وهى فى طريقها إلى ذلك لا تمانع على الإطلاق من المتاجرة بالله ذاته لتحقق مكاسبها.
لقد اندهش البعض من كلمة صبحى صالح عندما تعرض لاعتداء – نرفضه بالطبع – على يد ثوار الإسكندرية أنه يتمنى أن يموت على دين الإخوان، وجدوا أن الرجل يستبدل دين الله الإسلام بالإخوان وكأنه دين جديد، يريدون أن يعيشوا ويموتوا عليه.. لكن هذا ليس غريبا فالإخوان يعبدون الجماعة من دون الله – قالها كمال نعيم أحد الجهاديين الذين زاملوا الإخوان فى السجن.
لذلك كله فليس غريبا أن تقتل الجماعة من أجل الاستمرار فى الحكم، وليس غريبا أن تسرق الشهداء من أجل البقاء على رقاب العباد.. لكن الغريب أن تفعل الجماعة ذلك وهى تعتقد أن الله يمكن أن يكون راضيا عنها، فالله لا يرضى عن القتلة ولا ترضيه أعمال اللصوص.