منح الرئيس المصري محمد مرسي الجيش لفترة مؤقتة سلطة القبض على المدنيين ليساعد في تأمين الاستفتاء على مشروع دستور جديد للبلاد ترى جماعة الإخوان المسلمون التي ينتمي اليها مرسي أنه انتصار للديمقراطية بينما يرى خصومهم الليبراليون أنه قيد ديني على المجتمع. وألغى مرسي إعلانا دستوريا وسع سلطاته أعلن يوم 22 نوفمبر تشرين الثاني وتسبب في ضجة سياسية أضرت به حين حاصر محتجون قصره وكتبوا شعارات على أسواره تطالب بإسقاطه لكنه لم يحد عن إجراء الاستفتاء في موعده. ويعني القرار الذي أصدره مرسي في وقت متأخر يوم الأحد أن ضباط وضباط صف القوات المسلحة لهم الحق في إلقاء القبض على المدنيين وإحالتهم إلى النيابة العامة وأن يمارسوا هذا الحق لحين إعلان نتائج الاستفتاء. وعلى الرغم من أن السلطة الجديدة لرجال الجيش والتي تسمى سلطة الضبطية القضائية قصيرة الأجل لكنها تعيد إلى الأذهان قانون الطواريء الذي طبق في عهد الرئيس السابق حسني مبارك والذي قيل وقت العمل به إنه لفترة مؤقتة لكن المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة حاكمت بمقتضاه ألوف المعارضين السياسيين والمتشددين الإسلاميين. وقال مصدر في الحكومة إن الوزراء بحثوا القرار الأسبوع الماضي مضيفا أن قوات الجيش قامت بتأمين الانتخابات خلال الفترة الانتقالية التي أدار فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة شؤون البلاد بعد إسقاط مبارك لكن في وجود رئيس مدني في الحكم كان ضروريا إصدار القرار للسماح لقوات الجيش بالقيام بالدور الذي كلفت به. وضربت الاحتجاجات وأعمال العنف مصر منذ قيام مرسي الشهر الماضي بمنح نفسه سلطات استثنائية قال إنها مطلوبة للتعجيل بنهاية المرحلة الانتقالية التي سادها الاضطراب والتي تستمر منذ 22 شهرا. وأيا ما تكون نتيجة الاستفتاء الذي سيجرى يوم السبت فقد تسببت الأزمة في استقطاب سياسي في مصر وتهدد بالمزيد من زعزعة الاستقرار في وقت يحتاج فيه مرسي لتطبيق سياسات صارمة لضمان استمرار دوران عجلة الاقتصاد المنهك. وفي وقت تلهب فيه الأزمة السياسية الشوارع أوقف مرسي العمل بزيادات في الضرائب يوم الاثنين بعد ساعات من سريانها رسميا الأمر الذي أثار الشك في قدرة الحكومة على المضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية التي تمثل جانبا من اتفاق مقترح مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. ودعا الإسلاميون ومنافسوهم لمطاهرات حاشدة في أماكن مختلفة من القاهرة يوم الثلاثاء قبل موعد الاقتراع على مشروع الدستور. ودعت جماعات المعارضة للمظاهرات قائلة إن إجراء الاستفتاء في وقت غليان سياسي وانفلات أمني يمكن أن يؤدي إلى "مواجهات عنيفة." ودعا الإسلاميون أنصارهم للنزول للشوارع "بالملايين" في نفس الوقت المحدد لمظاهرات المعارضين إظهارا للتأييد للرئيس وللاستفتاء على مشروع الدستور الذي يعتقدون أن مؤيديهم -وربما غيرهم من المصريين الذين سئموا الاضطراب السياسي والتراجع الاقتصادي- سيوافقون عليه. ولم تقرر جبهة الإنقاذ الوطني التي يقودها الليبراليون مثل محمد البرادعي وعمر موسى واليساري المتحمس حمدين صباحي دعوة أنصارها لمقاطعة الاستفتاء أو التصويت بلا. وبدلا من ذلك فانها تطعن في شرعية الاستفتاء وعملية كتابة مشروع الدستور ككل من قبل جمعية تأسيسية غلب عليها الإسلاميون وانسحب منها ليبراليون ويساريون ومسيحيون. وتقول المعارضة إن مشروع الدستور لا يعبر عن التنوع الذي يمثله 83 مليون مصري منهم عشرة في المئة مسيحيون وإنه يجعل لرجال الدين الإسلامي سلطة الإشراف على إصدار القوانين. لكن النقاش بشأن التفاصيل فتح الطريق الى حد كبير أمام احتجاجات الشوارع الصاخبة وسياسات الصوت العالي الأمر الذي أبقى مصر مختلة التوازن وغير مهيأة للتعامل مع أزمة اقتصادية تلوح في الأفق. والعنوان الرئيسي في الصفحة الأولى بصحيفة الجمهورية التي تملكها الدولة يوم الاثنين هو "حتمية الاستفتاء.. زادت من عمق الانقسامات". والعنوان المناظر في صحيفة الأهرام التي تملكها الدولة أيضا "انقسام القوى السياسية حول الاستفتاء والإعلان الجديد". وأصدر مرسي إعلانا دستوريا جديدا يوم السبت ألغى الإعلان الدستوري الذي وسع سلطاته لكن الإعلان الجديد ضمن بقاء ما ترتب على الإعلان الملغى من آثار منها تعيين نائب عام جديد على الرعم من أن إلغاء تحصين قراراته من الطعن عليها قضائيا مثل تنازلا للمعارضين. وقالت لمياء كامل وهي متحدثة باسم موسى الذي شغل في السابق منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية إن جماعات المعارضة لا تزال تناقش ما إذا كانت ستدعو لمقاطعة الاستفتاء أم للاقتراع بلا. وقالت "كل من الطريقين غير مريح لأنهم (من يعارضون) لا يريدون الاستفتاء بكامله." ومع ذلك توقعت أن تحدد المعارضة موقفا أوضح إذا تأكد أن الاستفتاء سيجرى في موعده. وقالت متحدثة باسم البرادعي الذي شغل في السابق منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "لا نقر الاستفتاء. الهدف هو تغيير القرار وأن يرجأ (الاستفتاء)." وقال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان إن بإمكان المعارضة تنظيم احتجاجات لكن يجب أن تكون سلمية. وقال "لهم الحرية أن يقاطعوا أو يشاركوا أو يقولوا لا. لهم أن يفعلوا ما يشاءون. الشيء المهم أن يظلوا في الإطار السلمي الذي يصون سلامة البلاد وأمنها." وأدلى الجيش بدلوه في الصراع يوم السبت قائلا للجميع إن عليهم أن يحلوا خلافاتهم بالحوار محذرا من أنه لن يسمح بأن تدخل مصر في "نفق مظلم". وقال مصدر عسكري إن بيان الجيش الذي أذيع في وسائل الإعلام التي تملكها الدولة لا يعني تحركا لاستعادة السيطرة على البلاد بعد أن تخلوا عنها في يونيو بانتهاء المرحلة الانتقالية من عهد مبارك الذي استمر حكمه 30 عاما بمساندة من الجيش. وينص مشروع الدستور الجديد على تشكيل مجلس للدفاع الوطني يمثل فيه العسكريون الأغلبية ويعطي المشروع المدنيين بعض الرقابة على الجيش لكنها ليست كافية في نظر المنتقدين. وفي أغسطس آب جرد مرسي العسكريين من سلطات كاسحة منحوها لأنفسهم حين انتخب قبل ذلك بشهرين لكنه منذ ذلك الوقت يبدي توقيرا للجيش في تصريحاته. وإلى يوم الاثنين نأى الجيش والشرطة بنفسيهما بدرجة كبيرة عن الاحتجاجات التي تهز أكبر الدول العربية سكانا. ولم تستخدم قوات الحرس الجمهوري القوة لمنع المحتجين من الوصول إلى أبواب وأسوار القصر الرئاسي الذي وقعت بالقرب منه اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين يوم الأربعاء أسفرت عن مقتل ثمانية اشخاص وإصابة 350 آخرين. وعبرت جماعة الإخوان المسلمين عن غضبها لعدم منع وزارة الداخلية محتجين من إشعال النار في المركز الرئيسي للجماعة في القاهرة وفي 28 مقرا آخر لها في العاصمة ومدن أخرى.