استيقظ الحسينى الثامنة صباحا، ارتدى ملابسه الثقيلة، ثم أجرى مكالمة هاتفية بعبير سعدى -وكيل نقابة الصحفيين- يطلب منها أن تمنحه يوماً إجازة من دورة "التصوير" التى تُنظمها نقابة الصحفيين؛ بسبب قيامه بتغطية مظاهرات الأربعاء عند قصر الاتحادية، لتوافق "سعدى" على الفور. قبض "الحسينى" بيديه على هاتفه ثم أخذ يُقلب بين صفحات التواصل الاجتماعى، كتب على "تويتر": "هذه آخر تويتة قبل نزولى للدفاع عن الثورة.. وإذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة"، حتى استقل مترو الأنفاق الذى قابل فيه صديق عمره الفنان التشكيلى "محمود عبدالقادر".
الاشتباكات استمرت، حتى تدخل الأمن لم يمنعها، كان "عبدالقادر" يحاول الوصول إلى رفيق عمره: "أعرفه من 20 سنة.. قضيت تلتين عمرى معاه"، فشلت الاتصالات الهاتفية فى التقاء الصديقين، وما هى إلا لحظات حتى وجده عائداً بابتسامته المعهودة و"كوفية" فلسطين التى تُزين عُنقه، حاملا الكاميرا فى يديه، انزوى الاثنان فى أحد الأماكن البعيدة عن الاشتباكات ليتفحصا الصور، كان "الحسينى" قد التقط صوراً لمجموعة من المُلتحين الذين يحملون الأسلحة النارية، وبنادق كان يستخدمها "الصحفى" قبل ذلك فى الجيش أثناء خدمته فى فرقة الصاعقة كأحد المجندين. الساعة تخطت الواحدة صباحاً، الاشتباكات ما زالت مستمرة بينما يقف "الحسينى" و"عبدالقادر" فى ميدان الخليفة المأمون، بعيداً عن أعين الإخوان، وبينما يُقلبان الصور، سمع "عبدالقادر" صوت طقطقة عظام زميله الذى لم يعد بجواره كما عهد، بندقية خرطوش أطلقت طلقاتها صوب رفيق دربه الذى سقط غارقا فى دمائه، بينما تجمع حوله الشباب، يحملونه، انشغل آخر فى سرقة الكاميرا الخاصة به ومُتعلقاته الشخصية وسط انشغال الجميع بإسعاف "الحسينى". من مستشفى "عين شمس التخصصى" مرورا بمستشفى "الدمرداش"، تم رفض استقبال "الحسينى" بحجة عدم وجود أماكن فى العناية المركزة.. الحالة تزداد سوءاً والدم يخرج بغزارة من جُمجمة الشاب العشرينى الذى تحول قميصه الأبيض إلى أحمر من كثرة النزيف.. ساعتان يجولون ويصولون بين المستشفيات حتى استقبله مستشفى الزهراء الجامعى، أعين عبدالقادر تنضح بالدموع، بينما أعلنت مكبرات المساجد أذان الفجر: "الله أكبر"، علم الدكتور محمد الباز بالخبر، فجاء مُسرعاً والكل فى حيرة، الأطباء يؤكدون أن الحالة حرجة، وأصدقاؤه قلقون من إبلاغ أسرته الصعيدية. خراطيم الأكسجين موصولة بفمه، وجهاز رسم القلب هو الشىء الوحيد الذى يُخبرنا بأنه حى، لحظات والخطوط المتعرجة تحولت إلى خط مستقيم أنذر بكارثة ألمت ب"الحسينى"، فقد توقف قلبه، أعين المراقبين للموقف كادت أن تجحظ من مكانها، بينما هرع الأطباء يُنعشونه كهربائياً، بينما يناقش أصدقاء العمل مع الطبيب التقرير الطبى الصادر بعد فحص الحالة: "مانصحكمش بأى عمليات لأن حالته متسمحش.. الخرطوش مُنتشر جوه دماغه ده غير إن عنده كسر فى الجمجمة" يذكر أن الحسينى قد وقف عام 2006 على سلالم نقابة الصحفيين يهتف ضد محاكمة خيرت الشاطر و40 من قيادات اﻹخوان أمام محاكم عسكريّة، فمنذ أن كان طالباً فى كلية حقوق أسيوط عرفه زملاؤه كناشط طلّابى داخل الجامعة، كان كتفه مع أكتاف طلبة الإخوان فى عهد النظام المخلوع ضد الاستبداد وتقييد الحريّات فى الجامعة، يتذكر رفيق دربه "محمود عبدالقادر" قضيّته الكبيرة عندما كان طالباً بجامعة أسيوط وقررت الإدارة وقتها زيادة المصروفات فأقام دعوى قضائية ضد إدارة الجامعة لتقليل مصاريف الجامعية لتناسب الطلاب، ويقول: "القضية فضلت متداولة لفترة كبيرة، ووقت ظهور نتيجة آخر سنة بالجامعة حجبت نتيجته ﻷنّه مدفعشى المصاريف، بعدها بأشهر المحكمة حكمت لصالحه بتخفيض المصاريف ونتيجته ظهرت".