لقد أصبح من البديهى اليوم أن يرتعش القلم فى أيدى كل أصحاب رأى.. وأصبح من الطبيعى أن تختنق الكلمات فى حلوق كل أصحاب المواقف.. وأصبح من المفترض أن تتأرجح الضمائر المهزومة بين كلمة الحق وصرخة الباطل.. فالإعلان الدستورى الذى خرج من رحم رئاسة الجمهورية الأسبوع الماضى كان بمثابة الجنين المشوه الذى ما أن تلقفته القوى السياسة حتى عجزت عن النطق، وفقدت قدرتها على تبنيه. لم يكن من الصعب على الرئيس إدراك إن هذا الإعلان الديكتاتورى فى هذا الوقت الحرج لن يسبب سوى مزيد من الفوضى، ولم يكن من الصعب على مستشارى الرئيس ومساعديه إدراك هذه الحقيقة التى تأخذنا إلى نتيجة من اثنتين، إما أن المستشارين قبلوا المنصب وهم مقتنعون تماما بآراء د. مرسى وشخصه فقرروا أن يغضوا البصر عن قراراته حتى لو كانت مُجحفة، وإما إنهم مجرد ديكور فى رئاسة الجمهورية!.
الغريب حقا هى قدرة النظام على خلق حالة من الانقسام بين أبناء الشعب الواحد، فالإعلان الدستورى تبعه حالة من الحشد الإخوانى المُسبق لتأييد الرئيس على قرارات لم يحاول تفسيرها أى من المشاركين بالحشد، لأنهم ببساطة أبناء دولة السمع والطاعة.. والثورة التى حملت السيد الرئيس مسئولية تحقيق أهدافها والسهر على تأكيد شرعيتها (كما جاء بالإعلان) حملته أيضا مسئولية تحقيق مطالبها ما بين عيش وحرية وعدالة اجتماعية..
فالآلاف الذين لازالوا يبحثون فى صناديق القمامة على بقايا طعام، فئة لم يتحقق لها مطلب «العيش»..
والمادة الثانية من إعلان يتيح للرئيس أن يكون السلطة التشريعية والتنفيذية فى آن واحد، بند لا يتحقق معه مبدأ «الحرية»..
و»العدالة الاجتماعية».. لا تحققها فكرة الإنتقام من النظام السابق ورموزه فقط، والتغاضى عن فساد المرحلة الحالية، والعدالة ليست التهليل لحرق مقار الحزب الوطنى والتنديد بحرق مقار حزب الحرية والعدالة..
مطالب الثورة يا سيدى الرئيس لم تكن تنحية القضاء والتطاول على رموزه حتى لو كانت هناك فئة ترتعش أياديها بالفساد وسط جموع القضاة الشرفاء..
لقد جاء هذا الإعلان فى وقت كانت أنظار الجميع تتجه فيه إلى الجمعية التأسيسية للدستور، التى تحاول بها التيارات الدينية المتشددة الاستئثار بوضع قيود تكبل مدنية الدولة وتعرقل مسيرة الحريات..
إن تصدى القُضاة لمحاولة أخونة الدولة والتطاول على دور القضاء باسم حماية الثورة، موقف يُحترم ويؤكد قوة القضاء المصرى وتماسكه، حتى لو انشقت عنه فئة القضاء الإخوانى..
ووقوف كل أبناء الشعب مجتمعين فى ميدان التحرير صورة بها الكثير من الأمل.. صورة تؤكد أن حزب الحرية والعدالة سوف يبقى دائما الحزب الوحيد القادر على الحشد، ولكن حُب مصر سيبقى هو الدافع الأكبر للحشد المدنى الذى لا يحركه قائد، ولا يسير خلف وازع دينى زائف.. بل يتكاتف بتوجه من قلوب تخفق بحب مصر.
التحرير الذى جمع كل الفئات، رجال ونساء، مسلمين وأقباط، متعلمين وأميين.. يعنى وبكل قوة أن الإعلان الدستورى غير مقبول والمساومة عليه مرفوضة.. ويرسخ على قيمة أن الثورة خلقت من هذا الشعب جيلا لن يقبل الظلم، ولن يقبل فرض أحكام قراقوشية من جديد، ولن يرضى إلا بوطن يحترم أفكاره وحاكم قادر على استيعاب طموحاته..
يبدو أن زيارة هيلارى كلينتون لمصر تؤكد أن أمريكا سوف تظل دائما صاحبة قرار توريط القادة العرب، فقرار الحرب الذى اتخذه صدام يوما كان بمباركة الولاياتالمتحدة التى أصبحت هى ذاتها جلادا على العراق فيما بعد.. ونفس السيناريو يتكرر اليوم حين تشجب أمريكا قرارات الرئيس ثم ترشحه جريدة «التايمز» لجائزة رجل العام!.. إن تخلى أمريكا عن مبارك يثبت حقيقة واحدة هى: أن المتغطى بأمريكا ينام فى العراء..
فخروج الشعب كله ضد جماعة الإخوان، مُحتقنا ساخطا وكارها، ليصل الأمر إلى حد حرق مقار الحزب والاشتباك بالأسلحة البيضاء ليس سوى إنذار لبداية نهاية الجماعة التى لم يكن لها من الثورة دورا إلا القفز على نتائجها..
ولسوف يكتب التاريخ غدا بأن زمن الإخوان كان زمنا للعاجزين عن الإبداع.. زمنا للفكر المتردى والعقيدة الخائبة.. زمن الأسلمة الكاذبة والأبواق البائسة..
يقول الأديب الفرنسى فيكتور هيوجو: (عندما تصبح الديكتاتورية حقيقة واقعة تُصبح الثورة حقا من الحقوق).. فمرحبا بالثورة من جديد.