فجأة (مش فجأة قوى يعني) تحولت مصر إلى شيكاغو فى عز زمن العصابات. فيما مضى كانت الأجهزة الأمنية – أقصد الأجهزة التى تفلت الأمن وليس التى تحافظ عليه – تفلت خيطاً واحداً أو اثنين وتحتفظ ببعض الخيوط الأخرى.. يعنى البلطجية مرة، والفتنة الطائفية مرة، التخويف من انهيار العجلة إياها مرة، واختفاء السلع الحيوية مرة وهكذا دواليك.
ولأن الأجهزة الأمنية تعتقد أن الأمن من الإيمان، بدليل احتضانهم لخالد عبدالله، صاحب العبارة الخالدة «ياواد يا مؤمن»، وزملائه فى حزب مباحث المؤمنين.. ولأنها تعتقد أن المؤمن لا يلدغ من الثورة مرتين، لذلك حشدت كل إمكانياتها على مدار الأسابيع الماضية بهدف استباق الضربة الثانية لثورة يناير وإحباط مفعولها.
مع ذلك فقد انفجرت الثورة كالقنبلة بين أيديهم وأفخاذهم و«إخوانهم» فى ميدان التحرير، والمذعورون فوق الكراسى ازدادوا ذعرا والمسئولون وبخوا مرءوسيهم كالعادة على خيبتهم الراكبة جمل، هو نفسه بطل موقعة الجمل، ويبدو أن التوبيخ كان شديداً، مما دفعهم إلى رمى كل خيوط الأمن من أيديهم المرتعشة على طريقة «عليَ وعلى أعدائي» و«تتحرق باللى فيها».
وهكذا.. بعد أن تغزلنا لأيام فى وزير الداخلية الجديد الذى استعاد جزءاً من عقد الأمن المنفرط.. أطاحت الأجهزة إياها بالعقد كله فوق رءوس الناس على طريقة «أنا أو الفوضى» يا أولاد الثائرة!
بنوك تسرق ومطاردات بالسيارات وتبادل لإطلاق النار فى وضح النهار، وبلطجية يقومون بقتل وتقطيع أوصال بلطجية ويعلقونهم على الأشجار، وفتن طائفية تشتعل بالريموت كنترول.. أقصد باللحية كنترول وعملاء المباحث الذين استبدلوا شرائط ونجوم الرتب العسكرية بدرجة طول ولون اللحية.. علما بأن بعضهم غير نشاطه من حرامى غسيل أو إرهابى مأجور إلى عميل أمنى بدرجة «شاويش» أو عقيد.. حتى إن أحدهم يطلق عليه أصحابه لقب «اللواء». ومع اشتداد المنافسة بين الحزبين «الكبيرين» على قلب الأم، قصدى المجلس العسكرى، لذلك قرر أحدهما أن يبيع بالجملة بدل القطاعى، فقام بتحويل أعضائه إلى جيش يفوق فى غبائه الأمن المركزى وفى وحشيته الشرطة العسكرية، وللأسف لم يسمح وقتهم بتفصيل قمصان موحدة كالتى كان يحلم مؤسس الجماعة بتعميمها عليهم.
فجأة الجرائم التى سقطت فوق رءوس الناس كمطر هذا العام، فى محاولة لن تكون الأخيرة لبث الرعب فى قلوب البسطاء واستعادة قلوبهم الزائغة إلى نور الهداية والاستقرار والسير بجوار الحيط، علما بأنه حتى الحوائط هذه الأيام لم يعد لها أمان.. بعد أن ملأها رسامو الجرافيتى بشعارات «يسقط حكم العسكر»، وبعد فتوى أحد الشيوخ إياهم بأن نوم النساء بجوار الحائط حرام لأن الحائط مذكر، والرجال مثل الغربال ليس لهم أمان!
هذه الفجأة من الانفلات الأمنى لا تهدف فقط إلى الترويع، ولكن إلى لفت الأنظار عن الجريمة الحقيقية التى بدأت وسوف تستمر خلال الأيام القادمة، وهى سحق الثورة والثوار بكل وسيلة قذرة تعلمها هؤلاء فى معسكراتهم وتنظيماتهم الفاشية، وليس أدل على ذلك من إرسال الكاميرات لتصور كل مظاهر الجريمة فى شوارع مصر، فى الوقت الذى انسحبت فيه القنوات التليفزيونية ذليلة، بأوامر عليا، من مواجهات مجلس الشعب التى قام خلالها بلطجية الإخوان بالاعتداء على المتظاهرين، وراحت الأبواق الأمنية الإعلامية الكريهة تردد التهمة البالية البليدة بأن المتظاهرين كانوا يحاولون اقتحام مجلس الشعب.. ورحم الله الحزب الوطنى الذى كان أكبر من أن يتهم خصومه بذلك وأكثر تحضرا من أن يستخدم البلطجية لحماية مؤسسات الدولة.
كم من الجرائم ترتكب باسم الأمن، وكم من الجرائم ترتكب باسم الحرية والعدالة، ولكل هذه الأجهزة وعملائها أقول: الثورة ستستمر رغماً عن أنوفكم المنكسرة وظهوركم المنحنية، حتى لو قضيتم عليها مؤقتاً فسوف تنهض وتنقض عليكم، وحتى لو قضيتم علينا سيخرج عليكم جيل جديد يطيح بكم جميعا إلى مزبلة التاريخ.