بالرقم القومي.. 3 طرق للاستعلام عن لجنتك في انتخابات مجلس النواب 2025    سعر الدولار الآن أمام الجنيه في البنك المركزي والبنوك قبل بداية تعاملات الإثنين 10 نوفمبر 2025    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    فقدان 200 شخص في غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل الماليزية    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    حدث ليلا.. مواجهات وملفات ساخنة حول العالم (فيديو)    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    وفد أمريكي يعلن من بيروت استعداده للمساعدة في نزع سلاح حزب الله    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    نجل عبد الناصر يرد على ياسر جلال بعد تصريح إنزال قوات صاعقة جزائرية بميدان التحرير    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يسرا زهران تكتب : التحليل النفسى للثائر الإلكترونى
نشر في الفجر يوم 07 - 02 - 2012

يخطئ من يتعامل مع وائل غنيم على أنه زعيم سياسى يمتلك حلولا شاملة ورؤية واضحة.. ومحددة لليوم والغد.. يخطئ من ينتظر منه أن يقود ثورة احتارت كثيرا فى اختيار قائدها.. وتاهت أكثر من مرة فى تحديد المسار.. ويخطئ أيضا.. من يتعامل مع وائل غنيم على أنه مجرد ظاهرة فارغة.. بلا معنى.. ظهرت بالصدفة.. ولمعت ببريق أكثره وهم.. ثم ضاعت بلا أثر.. كما ضاع من سبقها.

كان وائل غنيم يمتلك من الإصرار والمثابرة ما يجعله ينجح فيما فشل فيه آخرون.. وكان يملك أيضا رؤيته الخاصة التى تكونت من خبراته المباشرة.. خبراته هو.. الفردية.. التى تكونت من احتكاكه المستمر بالعالم الخارجى منذ أن كان طفلا فى المملكة العربية السعودية التى كان يعمل بها والده.. حتى انفتاحه على العالم بكل صداقاته ومعلوماته واختلافاته على الانترنت وهو طالب ثانوى.. وانتهاء بعمله فى واحدة من كبرى الشركات العالمية فى دنيا تكنولوجيا المعلومات.. وهى مؤسسة «جوجل».

لقد كان غنيم نموذجا حقيقيا.. وصارخا.. لجيل كامل صار يلاقى الدنيا عند أطراف أصابعه.. وصارت القوة الحقيقية عنده فى المعلومة.. وليس فى السلطة أو صنع القرار.. جيل يدرك أن لكل فرد أهميته.. ولكل حركة تأثيرها.. بالضبط كما يحدث على الإنترنت.. أبسط ضغطة زر يمكن أن تحدث تغييراً شاملاً.. وكل وصلة تفتحها يمكن أن تقودك لمعرفة جديدة.. أو حل جديد.. أو تفتح لك بابا لطريق غريب لم يجربه غيرك من قبل.. لكنها تسلحك بالمعرفة الكافية التى تمنحك الفرصة لاكتشاف ما تريد دون خوف.

ربما لذلك.. تبدو نفسية ثوار التحرير، ومنهم وائل غنيم بالطبع، نفسية لا تخشى التغيير.. ولا تخاف من قلب الوضع القائم حتى لو انقلب على رأسه.. ففى عالم الإنترنت اللحظى.. الذى يتم تحديثه كل دقيقة.. يكون التغيير هو أساس الحياة نفسها.. وليس مجرد سنة فيها.. جيل ذاب تماما وسط عالم الإنترنت الافتراضى.. وصار الإنترنت عينه التى يبصر بها اختلاف غيره عنه .. ولسانه الذى يشرح به أسباب اختلافه مع غيره.. ويده التى يمدها ليتواصل مع من يشبهونه فى الآراء والأفكار.. وأعصابه التى ينقل بها مشاعره الغاضبة.. والساخطة.. والحالمة.. والضاحكة.. لغيره من الناس.

هى علاقة.. يصفها وائل غنيم فى كتابه الجديد الذى حمل اسم «الثورة 2».. وصدر أخيرا فى الأسواق الأمريكية قائلا:» كان الإنترنت أداة رئيسية فى تكوين خبراتى وتشكيل ملامح شخصيتى.. هى التى أدخلتنى عالم الاتصالات قبل أن أتجاوز الثامنة عشرة من عمرى.. وجعلتنى أتواصل مع مئات من الشباب من جيلى حول العالم.. ومثل الجميع، كنت أستمتع بتمضية ساعات أمام الشاشة فى برامج الدردشة.. بنيت شبكة من العلاقات الافتراضية مع أشخاص لم أقابل معظمهم فى الحياة الواقعية ولو حتى لمرة واحدة».

«جذبتنى الحياة فى فضاء الإنترنت.. كنت أفضلها على الظهور فى الحياة العامة.. سحر أن تدارى هويتك الحقيقية.. وتكتب كل ما يحلو لك بالشكل الذى يعجبك.. أن تختار من الذى تتحدث إليه ومن الذى تنهى الحوار معه لو أردت.. وكان شغفى بالإنترنت، هو ما جعل من انضمامى لجوجل، حلماً تمنيت كثيرا أن يتحول إلى حقيقة».

من يقرأ كتاب وائل غنيم، يشعر أن «جوجل» بالفعل هو الذى ساهم فى خلق شخصيته.. بل إننا لن نبالغ لو قلنا إن فلسفة جوجل، هى الفلسفة التى صاغت تفكير وائل غنيم السياسى الذى يتشابه مع آلاف من أبناء جيله، حتى وإن كان يبدو غريبا بالنسبة لغيره من السياسيين.. وإن كان من الصعب القول إنه أقل منهم تأثيراً.. أو أهمية.

«جوجل» هو أشهر محرك بحث على الإنترنت.. كل ما عليك هو أن تكتب ما تبحث عنه فى خانة بسيطة لتخرج لك آلاف المعلومات من آلاف المصادر ومن مئات الاتجاهات فى لمح البصر.. كلها تدور حول فكرتك.. وكلها تتمحور حول الهدف الذى تبحث عنه.. فى جوجل.. الفكرة وحدها هى البطل.. وليس صاحب الفكرة.. فالفكرة وحدها هى التى تجمع بين آلاف المواقع على اختلاف أصحابها.. وجنسياتهم.. واتجاهاتهم.

نفس الفكرة التى أطلقها وائل غنيم على الإنترنت، فى شكل صفحة اسمها «كلنا خالد سعيد».. جمعت حولها مئات الآلاف من الأشخاص.. اتفقوا عليها.. حتى مع اختلافهم فى كل ما حولها.. فى المستويات الثقافية.. والتعليمية.. والاجتماعية.. والعمرية.

إن تجربة وائل غنيم فى السياسة هى تجربة شاب، عرف كيف ينقل فلسفة الإنترنت إلى السياسة.. وعرف كيف ينقل مبادئ تسويق الفكرة التجارية إلى تسويق الفكرة السياسية.. كيف تجتذب أشخاصا إلى مبدأ سياسى بنفس المنهج الذى تجذبهم به لمنتج تجارى جديد؟.. وكيف تصل بفكرة منفردة.. بلا حزب.. ولا برامج.. ولا رؤية سياسية شاملة.. كى تصبح أكثر تأثيرا من كل التيارات السياسية.. كما لو كانت شركة متعددة الجنسيات تؤثر فى اقتصاد بلد؟.

الإجابة هى تجربة وائل غنيم فى «جوجل» العالمية.. التى نقلها إلى صفحة «كلنا خالد سعيد فى مصر».

يقول وائل غنيم فى كتابه عن فلسفة «جوجل.»: «صقلت «جوجل» مهاراتى وخبرتى.. وبهرتنى فلسفتها التى تدور كلها حول فكرة «الإنصات» للآخرين.. كانت المعلومة دائما أهم من الآراء الشخصية.. والسلطة غالبا ما تكون فى يد من يملكون المعلومات.. كان التواصل وتبادل المعارف بين موظفى جوجل جزءاً أساسيا من نجاح الشركة.. كانت الشركة تستمع لزبائنها.. تسألهم عن آرائهم.. وتقرأ سلوكهم.. وتستخدم هذه المعرفة فى تطوير منتجاتها فيما بعد».

ويواصل غنيم: «ثقافة التجربة والخطأ كانت أيضا أمرا أحببته فى جوجل.. فتجربة الجديد أمر مرحب به دوما، ما دامت نتائجه تظهر بسرعة.. جوجل لا تخاف من الفشل.. فالفشل أمر مقبول.. لو فشلت تجربة منتج جديد يتم إنهاؤها ببساطة».

أما الفكرة الأهم التى تعلمها وائل غنيم من فلسفة جوجل فكانت: « كان ارتباط العاملين فى جوجل بشركتهم هو أهم استراتيجية تعلمتها منها على الإطلاق: كلما نجحت فى أن يصبح الكل مشتركا فى حل مشاكلك كلما ازددت نجاحا.. لذلك وجدت من الطبيعى.. بعد عدة سنوات.. أن أطبق هذه الفلسفة فى العمل السياسى والاجتماعى الذى دخلت إليه».

وربما كانت صفحة خالد سعيد، التى يروى غنيم تجربته فى تأسيسها هى خير مثال على ذلك.. يقول غنيم عن ردة فعله عند رؤية الصور البشعة التى تداولتها مصر عن استشهاد خالد سعيد على يد اثنين من أمناء الشرطة فى الإسكندرية:

«لم أقدر على الوقوف ساكنا أمام هذا الظلم الفادح.. قررت أن أوظف كل مهاراتى وطاقاتى وخبراتى لأطالب بالعدالة لخالد سعيد.. وكانت الفكرة المنطقية الأولى هى نشر أخبار عن الجريمة التى وقعت فى حق خالد سعيد على صفحة الدكتور محمد البرادعى على الفيس بوك.. كان أعضاء صفحة الدكتور البرادعى قد وصلوا إلى 150 ألفا فى ذلك الوقت.. لكننى أدركت أن ذلك قد يمثل استغلالا لأزمة قومية لتحقيق مكاسب سياسية.. عرفت أيضا أن هناك صفحة أخرى تم إطلاقها هى صفحة «اسمى خالد محمد سعيد».. أطلقها بعض النشطاء السياسيين.. وكانت لغتهم تميل إلى المواجهة من العنوان الأول للصفحة: « قتل خالد سعيد لن يمر دون انتقام يا كلاب النظام.».. وأدركت من خبرتى أن مثل هذه اللهجة لا يمكن أن تساعد على أن تصبح القضية هماً عاماً.. واحدا.. ومشتركاً.

لذلك قررت أن أطلق صفحة أخرى.. وأن أوظف كل مهاراتى وخبراتى فى التسويق لكى أنشرها بين الناس.. ووسط كل الاختيارات المطروحة لاسم الصفحة، بدا لى اسم «كلنا خالد سعيد» هو الأفضل.. كان يعبر عن مشاعرى بدقة.. ما حدث لخالد سعيد كان من الممكن أن يحدث لى.. كل الشباب فى مصر كانوا يشعرون بالقمع.. دون أن يتمتعوا بأى حقوق فى وطنهم.. كان اسم الصفحة قصيراً ولافتاً.. وكان يعبر بالضبط عن التعاطف الذى شعر به الناس عندما شاهدوا صور خالد سعيد.

«كانت رسالتى الأولى على الصفحة واضحة ومباشرة: قتلوا اليوم خالد.. لو لم أتحرك من أجله فسيأتى الدور على أنا غدا».

فى دقيقتين فقط وصل عدد أعضاء الصفحة إلى 300 عضو.

«نريد أن نصل إلى 10000.. لابد أن نتوحد فى مواجهة من يقمعونا».

كنت أكتب فى الصفحة بصيغة المتكلم.. كما لو كنت خالد سعيد نفسه.. وكان دافعى وراء ذلك هو شعورى بأننى قادر على الحديث نيابة عنه.. وأنه لو قدر لضحية واحدة من ضحايا النظام أن تدافع عن نفسها فسيشكل ذلك نقطة فارقة.. كان الحديث بلسان خالد يمنحنى درجة من الحرية لم تكن متوافرة لى، فى صفحة البرادعى شبه الرسمية.. كما كان له تأثير أكبر على أعضاء الصفحة.. كان الأمر يبدو كأن خالد سعيد يتحدث إليهم من قبره.

على الرغم من أننى كنت متمكنا من الكتابة بالعربية الفصحى، إلا أننى اخترت أن أعبر عن أفكارى باللهجة العامية.. الأقرب إلى قلوب الشباب الذين يعتبرون الفصحى شديدة الرسمية.. لا تستخدم إلا فى الصحف أو فى التقارير الإخبارية فى التليفزيون.. كنت أريد أن أتجاوز بالعامية أى حواجز يمكن أن تكون موجودة بينى وبين أنصار قضية خالد سعيد.. كذلك تعمدت الابتعاد عن التعبيرات التى لم يكن المصرى العادى يستخدمها فى حديثه، حتى إن كان النشطاء السياسيون يستخدمونها بانتظام.. ككلمة «النظام» مثلا.. كنت حريصا على أن أنقل لأعضاء الصفحة إحساسا بأننى منهم.. وأننى لست مختلفا عنهم بأى حال من الأحوال.

كنت أستخدم ضمير «أنا».. لأشدد على أن الصفحة لا يديرها حزب سياسى ولا جمعية ولا منظمة.. ولا حتى حركة أو تيار سياسى.. على العكس.. كان صاحب الصفحة مصرياً عادياً.. روعته الوحشية التى لقى بها خالد سعيد مصرعه.. وليس لديه دافع إلا تحقيق العدالة له.. وكانت هذه البساطة سببا فى زيادة شعبية الصفحة.. وتقبل الناس للمكتوب فيها».

تزايدت أعداد المنضمين لصفحة خالد سعيد بمعدلات سريعة.. لم يكن للصفحة صاحب محدد.. وحرصت على ألا يستخدمها أحد لصالح أى قضية سياسية أخرى.. ظلت نبرة الصفحة دائما هادئة.. ولا تميل للمواجهة ولا للصدام.. كانت الصفحة تعتمد على المساهمات والمشاركات المستمرة لأعضائها.. ووضعت نفسها كصوت لكل هؤلاء الذين يرفضون التدهور الذى وصل إليه حال مصر.. خاصة فى مجال حقوق الإنسان.

لكن.. ظلت المشكلة الأكبر والأهم.. هى فكرة نقل المعركة من فضاء الإنترنت.. إلى أرض الواقع.

كانت أول حملة أطلقتها على الصفحة تقترح أن يقوم الأعضاء بتغيير صورتهم إلى صورة موحدة لخالد سعيد على خلفية علم مصر.. وكانت الاستجابة بالآلاف.. على الرغم من أن بعض الأعضاء رأوا أن الفكرة سخيفة ووصفوها بأنها تحرك عاجز فى مواجهة وحشية وزارة الداخلية.. لكن.. ظل المؤكد أن قضيتنا اجتذبت اهتماما كبيرا لها من خلال حملة التوعية بها.

صارت الخطوة التالية بالنسبة للصفحة أن تبدأ بحشد التأييد الشعبى للقضية.. وباستخدام سياسة معروفة أيضا فى عالم الاقتصاد والتسويق لتتبع مسار أى سلعة تطلقها فى السوق.. المرحلة الأولى هى مرحلة إقناع الناس بالانضمام للصفحة وقراءة المكتوب فيها.. المرحلة الثانية هى إقناعهم بالتفاعل والاستجابة مع مضمونها بالتعليق أو إبداء الإعجاب.. وتدور المرحلة الثالثة حول إقناعهم بالمشاركة فى حملات الصفحة والمشاركة فى تحرير مضمونها بأنفسهم.. أما المرحلة الرابعة والأخيرة فتبدأ عندما يقرر الناس نقل نشاطهم من الإنترنت إلى الشارع.. وكانت تلك هى أقصى طموحاتى.

لذلك، صارت الصفحة بحاجة إلى الحديث مباشرة مع أعضائها وإقناعهم بأن يكونوا شركاء فاعلين فيها.. كان من الضرورى أيضا أن نتحرر من كل حواجز الخوف التى كانت تتحكم فى كثيرين منا.. لذلك طلبت من أعضاء الصفحة أن يصوروا أنفسهم حاملين لافتة مكتوباً عليها: كلنا خالد سعيد.. واستجاب المئات للفكرة.. وبدأنا ننشر صورهم على الصفحة.. وخلقت تلك الصور تأثيرا أقوى بكثير من أى كلمات يمكن كتابتها.. أعضاء من الجنسين.. من مختلف المستويات والثقافات.. من الرابعة عشرة وحتى الأربعين.. كلهم يجسدون بأنفسهم فكرة الحركة.

واكتملت الفكرة بصورة سيدة حامل، أرسلت لنا صور أشعة السونار لجنينها مع عبارة تقول:» اسمى خالد.. سوف آتى للدنيا فى ثلاثة أشهر.. ولن أنسى خالد سعيد.. وسأطالب بالعدالة من أجله».

وكان لتلك الصور تأثير كالسحر.. وجه الأعضاء الشكر لبعضهم على شجاعتهم وتماسكهم.. وكانت تلك الاستجابة الفورية دافعا لمزيد من الأعضاء كى ينشروا صورهم.. كانت حواجز الخوف تسقط تدريجيا فى نفوس الناس.

ثم أرسل محمد عيسى تلك الفكرة على الصفحة: «ماذا لو تجمعنا كلنا على كورنيش الإسكندرية يوم الجمعة القادم.. وأن ندير ظهورنا للبحر مواجهين الشارع ونحن نمسك بأيدى بعضنا فى تعبير صامت عن رفضنا لما جرى للظلم الذى وقع على خالد سعيد.. ليست مظاهرة وإنما أقرب لاحتجاج صامت يمتد من مكتبة الإسكندرية حتى المنتزه».

لاقت الفكرة استحسانا وردود فعل إيجابية من الأعضاء.. وتدفقت الاقتراحات التى تضيف للفكرة.. وأضاف أحد الأعضاء فكرة أن يحمل كل واحد مصحفاً أو إنجيلا يقرأ منه فى الوقفة.. كنا نريد القول إنه على الرغم من غضبنا وحزننا لما حدث إلا أننا لا ندعو للعنف.. وأضيف اقتراح آخر بأن نرتدى كلنا السواد كى يصبح مظهرنا مميزا وسط الآخرين.

كانت مساهمات الأعضاء الفردية للصفحة فى منتهى الأهمية.. وروجوا للصفحة لدى أصدقائهم الذين لم يشتركوا فيها بعد.. أى أن الصفحة كانت أقرب لمنتج يروج له المستخدمون الأوفياء له والمتمسكون به.. لذلك، اعتمدنا على أعضاء الصفحة أنفسهم كى يقوموا بالدعاية للوقفة وغيرها من الأحداث التى كنا نعلن عنها.

كل ذلك جعل من الواضح أن التغيير هو القضية العامة التى لابد أن يحارب الناس من أجلها.. كان التغيير - وليس أى شخص مهما كان - هو القادر على توحيد المصريين.. لقد كان من الممكن أن يتم التشكيك فى جدارة ومؤهلات أى شخص لكن أحدا لم يكن من الممكن أن يشكك فى الحاجة إلى التغيير.»

وكان هذا هو ما صنع الفارق كله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.