تعتبر صناعة الفخار من الحرف التقليدية التى إهتم بها الكثيرون من المصريين منذ القدم, والذين عُرِفوا ب "الفخرانية" ولكن الآن أصبحت تلك المهنة مصدر رزق وحيد لمئات الأسر التى تجاهلها المسئولون .
فالأغنياء يشكون من صناع هذه الحرفة مما يسبب لهم الإزعاج وكذلك الهواء الملوث، وأصحاب المهنة يصرخون قائلين "ليس لنا بديل سوى هذه المهنة التى هى مصدر الرزق الوحيد لنا ولأبنائنا, فأين نذهب ومن أين نأكل ؟
إلتقينا ب "محمد فخرى" الذى حدثنا عن هذه المهنة قائلاً ": ورثت هذه المهنة عن آبائى وأجدادى الذين تركونى وسط إهمال المسئولين, بعد أن تخرجت من كلية الآداب دون الحصول على عمل يدير لى ولأسرتى دخلاً ثابتاً, حيث نعانى كثيراً وأن المهنة أصبحت بدائية وغير مرغوب فيها بعد تقدم التكنولوجيا .
وعن البرنامج اليومى لفخرى يقول: أول ما يتم لعمل الأوانى الفخارية هو إحضار كمية من التراب من مكان وجوده ثم يُسْتخدم "الغربال" ل "هز البرام" وذلك لتنعيم التراب مما يساعد على إستخدامه دون وجود عوائق، وبعد ذلك يكون جاهزاً لعملية الإعداد .
وأكمل فخرى قائلً: تتم العملية فى حفرة دائرية الشكل نصف قطرها متر ونصف، ويوضع بداخلها التراب ويصب عليها الماء ثم نقوم بالتمليك والعجن حتى تختلط "الطينة" ببعضها، وبعدها يأتى العمال وينزلون إلى داخل الحفرة الدائرية التي بها الماء والطين لعملية الخلط وإستخراج الشوائب من الطين، ويترك الطين حتى ليتماسك، ثم يأخذ الصانع منه ما يريد .
ويضيف فخرى: ثم بعد إعداد الأوانى الفخارية ، نقوم بحملها على "الدابة المخصصة لذلك" لكى ندور بها فى الشوارع والمنازل لتسويقها، ثم نعود مرة أخرى لصناعة غيرها لكى نوفر متطلابات المنزل التى تتطلب أموال كثيرة فى ظل الغلاء الملحوظ داخل الأسواق .
فيما يقول "سمير عبدالله"، من أصحاب مهنة "الفخرانية": إننا بحكم البيئة الريفية وظروفها الإجتماعية, إهتمامنا الأكثر ينصب على صناعة الأوانى الريفية التى تشهد طلب دائم عليها، مضيفاً أن الظروف الإجتماعية التى أمر بها أنا وأسرتى بعد أن دفعتنى هذه الظروف للعمل فى هذه الحرفة بعد أن توجهت إلى كثير من المصالح الحكومية للحصول على عمل، ولكننى لم أكن أعلم أننا من فئة المهمشين, بعد أن رد علىّ أحد المسئولين قائلًا "يابنى خليك فى حرفتك أحسن" .
فيما طالبَ "جابر عبد الواحد"، والذى يعمل فى "حفرة الطين" المسئولين بتوفير مكان خاص لهم كقرية للحرفيين بمنطقة الجبل، حيث أن كل العاملين بصناعة الفخار يعملون داخل منازلهم ثم تجدهم يقومون بتخزين البضاعة فى المنزل إلى جانب المعروض في الشارع، مما يجدون شكاوى من جيرانهم الأغنياء الذين يسخرون منهم .
وعن تعليم أبناء هؤلاء الأشخاص يقول "مهران عبد الجابر": أبنائنا يقتصر تعليمهم على "الإبتدائية" فقط, وبعد ذلك يمارس المهنة التى يتوارثها فيما بعد وذلك بسبب الإهمال الملحوظ لنا من قِبَلِ المسئولين الذين رفضوا توفير فرص عمل لنا ولأبنائنا, فالشخص يتعلم من أجل الحصول على وظيفة بعد ذلك "يبقى ليه يتعلم طالما مفيش وظايف" .
وتوجهنا إلى أصحاب المؤسسات الخيرية لكى نعلم مدى نشاط تلك المؤساسات مع أصحاب تلك الحرفة، ويقول "عبد المعز سليمان"، مدير الأعمال الحرفية بمؤسسة الشيخ عبدالله الخيرية: الآن تعانى أغلب الحرف اليدوية من مشكلات عديدة نتيجة إنحسار إستخدام المنتج المصنوع يدويًا، كما يعانى العاملون من تدنى فى مستوى المعيشة, لأن الوظيفة التى يؤديها المنتج الحرفى سر إستمرار الحرف وإزدهارها، فإن إنعدام الحاجة للمنتج الحرفى أدى إلى تحول الكثير من الحرفيين إلى حرف أخرى تعد منتجاتها أكثر رواجاً .
وأضاف سليمان: قد ظهرت بدائل للمنتجات الفخارية كالمنتجات الزجاجية والبلاستيكية والخزفية ساهمت بدورها فى إنحسار المنتج الفخارى فى نوعيات محددة لا تستخدمها سوى طبقات معينة، مما جعل أصحاب تلك الحرفة يعانون من ضيق المعيشة, فوجدوا أنفسهم بين إختفاء منتجاتهم وبين إهمال المسئولين .
ويقول "مينا فوزى"، الذى يجمع الأوانى الفخارية من أصحاب تلك الحرفة: إن قلة فرص العمل وتجاهل المسئولين لفئات كثيرة من الشعب وتدنى مستوى المعيشة وظروف الأجور المنخفضة, يقف الفقر حائلا دون التوسع فى المهن والحرف الإنتاجية، وبالطبع يقف الفخرانية فى زيل قائمة الفقر لتندثر حرف عديدة تركها أصحابها أملًا فى مصدر رزق وافر .
ونرصد لكم آراء أصحاب المؤساسات والمسئولين, فيقول "عمار الونش"، صاحب فرن للأونى الفخارية: من هم المسئولين الذى تحدثنى عنهم، المسئولين الذين لا يعلمون من نحن وكيف نعيش، المسئولين الذين أغلقوا الأبواب فى وجوهنا عندما طلبنا منهم "عيشة كريمة" وفرص عمل تدير لنا دخلاً ثابتاً لنا ولأبنائنا .
وأضاف الونش: نقص الطلب على المنتج الفخارى بإستثناء "القلل", حيث يصعب التوسع فى الإنتاج بسبب الزحف العمرانى على منطقة "الفخرانية" والذى يسبب تقلص الأفران وهدمها وبيع أراضيها للبناء .
وقال الونش: إن المهنة بها مخاطر كبيرة ومُجْهِدَة وعائدها المادى لا يوازى مجهودها, والفقر فضيل العمال للإلتحاق بوظائف حكومية, حيث الدخل مستقر وثابت، وعلى مدار تاريخ الحرف كان الحرفى المبتكر هو المحدد والمطور للإنتاج فهو أكثر مرونة فى تفكيره، كما أنه يساير المطلوب ويحاول جذب المستهلك للمنتج بتميز منتجاته .
وأشار الونش إلى: أنه من المهم عدم الربط بين متسربى التعليم والعاطلين وبين الحرفة التى تحتاج لمن لديه رغبة وقدرة للإلمام بتفاصيل الصنعة، إن الإهتمام بأُسَر وعائلات الحرفيين وإقامة جسر من التواصل معهم, يُعدُ أمراً ذا أهمية بالغة حتى يكون لديهم إحساس بالرعاية النفسية والإجتماعية, وتوفير تأمينات صحية ورعاية لأبنائهم ورفع المصاريف المدرسية عنهم كنوع من التشجيع .
ها هى تلك الفئة التى تُعانِى من إهمال المسئولين كغيرها من مئات الفئات المهمشة التى تأكل من التراب والطين لتدير دخلاً لابنائها بعد تهميش المسئولين لهم وإغلاق باب الرحمة والمسئولية فى وجههم .