عبد الرحمن عباس فوز الكتاتنى وإنتصار الشاطر وهزيمة الإصلاحيين
هى الجماعة ولا أحد سواها, موضوع الساعة كلمة السر فى المستقبل, فأول رئيس منتخب فى مصر هو من الإخوان, هذا التيار الذى يحتار الكثيرون فيه من حيث قضايا التمويل إلى التصارع بينهم إلى الصراع الدائر الآن بين الشاطر والرئيس حتى ولو صرحوا إنهم الإخوان المسلمين .
التيارات داخل الجماعة كثيرة والإنشقاقات أكثر وليس بعد الثورة بل وقبلها أيضًا ولعلنا نقترب من تلك الأفكار فى هذا التحقيق وعلينا أولا أن نعرف أن التناقضات كثيرة وسنلقى نظرة على الأيدلوجية والجماعة على مر التاريخ .
عايشت الجماعة مدارس فكرية داخل الإخوان المسلمين عبر التاريخ, الأولى هى مدرسة المؤسسين, وهى مدرسة ذات أفكار تحديثية نسبيًا وتواجدت على الهامش من الأزهر فى أوائل القرن العشرين، وكان قائدها "محمد عبده", وهى ترفض سلطة "التراث وتنادى بالعودة إلى القرآن والسنة وممارسة "الإجتهاد" (التجديد فى الفقه الإسلامى) .
والمدرسة الثانية هى المدرسة التقليدية، وكان الدافع ورائها هو الأزهر بما له من تاريخ طويل فى البحث والدراسة, وتتميز هذه المدرسة بإعتمادها الشديد على التراث والتسليم بصحة المذاهب الفقهية السنية الأربعة .
كانت تلك المدارس السائدة قبل ظهور "سيد قطب", وفى خلال تلك المدرسة عاش مؤسس الإخوان المسلمين "حسن البنا" وعلى الرغم من أن الإغتيالات قد عرفت طريقها فى تلك الفترة أيضًا, إلا أن الأمر مع "سيد قطب" قد إختلف تماما وعلى الرغم من عدم ظهور مدارس فقهية كثيرة فى ذلك الوقت إلا أن أول بادرة إنشقاق كانت من "محمد عزت حسنى" و"أحمد رفعت" و"صديق أمين" و"حسن السيد عثمان", حيث رأوا أن تتعامل الدعوة بالشدة مع الحكومة والنساء اللائى يخرجن سافرات بدلاً من اللين والدعوة بالحسنى .
وأن يتوجه عدد من الإخوان للمشاركة فى الجهاد فى فلسطين, غير أن الأمور لم تكن تسير بهذه الطريقة، خاصةً أن الدعوة فى مرحلة التعريف بها, وأن الأمور لا تؤخذ بالشدة فى كل الأحيان, فما كان من هؤلاء النفر إلا أن أعلنوا عصيانهم وإبتعدوا عن الجماعة وكان من نتائج هذه الفتنة أن خرجوا من الجماعة ومعها "مجلة الإخوان المسلمين", ولم يلبث أن إستمر مبدأ السمع والطاعة قائمًا بحد ذاته .
وفى فترة الستينيات وبعد العلاقات الإخوانية الناصرية وما شابها من تصادمات, ظهرت المدرسة الثالثة وهى مدرسة "سيد قطب" وسُمِّيَت ب "القطبية" وتميَّزت بتفسيرها للقرآن بطريقة تتسم بالصبغة السياسية الشديدة والثورية على نحو يُقسِّم الشعب إلى قسمين، واللذين ينتمون إليها يؤيدون الإسلام أو التأسلم، والمعارضون لهما .
وتعتمد هذه المدرسة على الأحداث التاريخية المأخوذة من حياة الرسول، فى إنشاء إطار لتنظيم العلاقة بين الإسلاميين ونظرائهم فى المجتمع، وبين العالم الإسلامى والحضارات الأخرى .
وتؤكد هذه المدرسة على ضرورة بناء طلائع مستقلة تركز على تجنيد أعضاء للجماعة وتقويتها تنظيميًا، مع تأجيل كل التساؤلات الفكرية, بينما فتحت "القطبية المتشددة" الباب على مصراعيه للعنف السياسى، فى فترة السبعينيات تم عمل كتاب "دعاة لا قضاة" بمثابة ضربة قاصمة لكتاب "سيد قطب" وتفنيد واضح لآرائه وهى الفترة التى تمثلت فى السبعينيات, والتى تربى على أثرها كوادر كالدكتور "أبو الفتوح" و"كمال حبيب" و"عصام العريان" وغيرهم .
ومنذ ذلك الوقت إنشقت الجماعة إلى تيار المدرسة القطبية الذى يرى فى مدرسته وفى التنظيم الحديدى هو المناص, بينما يرى تيار آخر إننا لابد أن ننفتح على العالم, وعاش التياران بجانب بعضهما .
قامت الجماعة بتأسيس حزب "الحرية و العدالة" وقد قابله المثقفون والجناح الإصلاحى فى الإخوان المسلمين بنفس درجة التشكيك, فيما يذهب المتشككون إلى أن تقييد المدرسة الفكرية العريضة بحدود بيان سياسي واحد مصيره السقوط لا محالة، وأن ذلك يضر بالقضية الدينية التى أنشئت الجماعة لخدمتها, ويدعون بدلا من ذلك إلى إنسحاب الجماعة من المجال السياسى إلى المجال المدنى, وإفساح الطريق لظهور توجهات سياسية متعددة بدلاً من ذلك .
بينما يرفض البعض من قيادات الإخوان المسلمين هذه الدعوات حتى الآن, وأعلن المرشد العام للجماعة حظر الإنضمام لأى أحزاب سياسية بخلاف حزب العدالة والحرية, وعلى أثر هذا القرار بدأ العديد من المنشقين بالفعل تحدى قرار قيادة الجماعة وبدأوا ينضمون إلى أحزاب موجودة أو يُنْشِئون أحزابًا جديدةً خاصةً بهم .
تلك هى صورة الجماعة من داخل تيارات تتصارع منذ تيار "سيد قطب" وتيار "الهضيبى", وقد تسببت هذه السياسات فى إنشقاق العديد من الرموز الإخوانية كالدكتور "كمال حبيب" و"عبد المنعم أبو الفتوح" و"الزعفرانى" و"أبو العلا ماضى" و"عصام سلطان", وكثيرون من شباب الإخوان مما جعل الأمر أشبه بإستقالات جماعية, وأن سياسة السمع والطاعة لم تعد تسير فى الطريق الصحيح .
تواجدت تلك التيارات فى إنتخابات حزب الحرية والعدالة فما بين "الشاطر", صاحب رؤية التنظيم الحديدى, يوجد أيضًا "عصام العريان" والدكتور "محمد مرسى" الذى يتزعم التيار الإصلاحى داخل الجماعة, وكانت إنتخابات حزب الحرية والعدالة هى الإشارة الواضحة على من يتنافس على الرئاسة, فالدكتور "عصام العريان" ممثل جبهة الرئيس والدكتور "سعد الكتاتنى" ممثل جبهة الشاطر, النائب الأول فى الجماعة .
ولقد بدأ منذ تولى الرئيس الرئاسة وهو قلق من تحركات الشاطر الذى عقد أكثر من حوار مع صحف خارجية, ولا يمكن أن ننسى أنه كان المرشح الأول عن الجماعة لولا الملابسات الأخيرة وأن الرئيس كان البديل, كما أنه أول من صرح أنه لا يوجد مشروع نهضة كان "خيرت الشاطر" .
الأمر لم يقتصر عند ذلك فحسب فلدينا أيضًا الدكتور"الكتاتنى" الذى قال: :إن هناك من يحاول إحراج الرئيس", وكان يقصد به "عصام العريان" وتصريحاته, وبدأ الأمر واضحا فى المعركة الإنتخابية ما بين "الكتاتنى" الذى لم يعقد إلا مؤتمر واحد فاز على أثره بنسبة 67% وما بين الدكتور "عصام العريان" الذى طاف البلاد شرقًا وغربًا ولم يحصل سوى على 33%, مما يدل على أن كفَّة الجماعة تذهب دومًا فى إتجاه الشاطر .
وفى التنظيم الحديدى والدليل تولى الدكتور "الكتاتنى" الكثير من المناصب فى حين أن التيار الإصلاحى لم يأخذ وقته إلى الآن, وإن كانت الحسابات الشخصية بدأت تدخل فى الأمور .
ولا أعرف إلى أين يتجه التيار الوحيد الذى يحكم البلد ؟ , فهل إلى تيار "سيد قطب" , أم إلى تيار الهضيبى؟
الدكتور "عاصم الدسوقى", أستاذ السياسة بجامعة حلوان يرى: أن تيار الإخوان المسلمين يعانى أصعب فتراته بعد تحوله من تيار مُعارِض إلى تيار سلطة .
فى حين كان فى السابق يرى أن الأهم هو إسقاط نظام ظالم, أما الآن فقد فاق الكثير منهم على حقيقة الأمر وهو ما جعلنا نشاهد إستقالات بالجملة من شباب الإخوان, الذين رفضوا مبدأ السمع والطاعة فى ظل ثورة كل شبابها يطالبون بالحرية, وشاهدنا أيضًا إنشقاق الدكتور "أبو الفتوح", الذى إلتف حوله شباب كثيرون وهو الأمر الذى جعل الجماعة فى مأزق .
وأضاف "الدسوقى": أن تيارات الإخوان تتصارع داخليًا, ولا أظن إنها ستستمر طويلا ولا بد من تيار يُقْصِى الآخر, وبطبيعة تكوين الإخوان سيكون التيار المتشدد المتمسك بالتنظيم المؤمن بالمليشيات هو من سينتصر وهو ماجعل كوادرها تخرج عنهم وتُنْشِئ أحزاب وحدهم, ولو عرفوا أنهم سينتصرون لكانوا سيكملون المسيرة .
وأشار إلى: أن هذا الصراع بدأ تحديدا فى عصر المرشد "الهضيبى" ونزعته الإصلاحية ومن بعدها لم تعرف الجماعة إصلاحيًا, ويكفى أن مرشدهم السابق قالها علنا "طظ فى مصر" .
فيما يرى الكاتب الصحفى "ضياء رشوان": أن الإخوان داخلهم صراع كان واضحًا وجليًّا بين الشاطر والرئيس محمد مرسى, وهو ما إنتصر فيه الشاطر بتولِّى الدكتور "الكتاتنى" لمنصب "رئيس حزب الحرية والعدالة", وقد كان المرشحين دليلا واضحا على التنازع, ولكن هذا لن يظهر الآن فهم تنظيم شمولى حينما يسقط فإنه يسقط فجأة تمامًا مثل الذى حدث مع الإتحاد السوفيتى عندما سقط .
وأضاف "رشوان": أن أول هذه الخطوات كانت مع أفكار "سيد قطب", الذى إعتبره أنصاره "مشرع جديد وواضع فلسفة جديدة", بالإضافة إلى حادثة إعدامه والتى زادت من هذا الأمر وأصبح هناك تيار لا يقبل إلا بالنظرية القطبية فقط .
ولا أعرف إلى أين يتجه التيار الوحيد الذى يحكم البلد ؟ , فهل إلى تيار "سيد قطب" ؟ , أم إلى تيار الهضيبى ؟