شهادة الكاتب الكبير على الوريث الذى انتهت أحلامه فى طرة لا يمكن لأحد أن يزايد على موقف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل من مبارك ونظامه وزمانه وخطته لتوريث ابنه عرش مصر من بعده، كان الكاتب الكبير من أوائل من كشفوا سيناريو التوريث، وحذر منه فى محاضرة شهيرة ألقاها فى الجامعة الأمريكية.
لكن وكعادة هيكل الذى يترك وراءه قبوراً مفتوحة كثيرة...ويترك وراءه تعبيرات وتركيبات لغوية يمكن أن تكون ملغزة ومحيرة...فإن فى أوراقه ما يمكن أن نعتبره شهادة مباشرة على جمال مبارك.
هيكل لم يخصص مقالا لبحث ظاهرة جمال مبارك...ولكنه رد على سؤال خلال حوار أجرته معه جريدة الأسبوع التى يٍرأس تحريرها الزميل مصطفى بكرى، ونشر – السؤال والجواب – فى عدد 31 يناير 2006.
قال هيكل عن جمال مبارك نصا: «أنا على استعداد لتصديق كلام جمال مبارك، الذى يفيد أن الصحافة وبأمانة ضغطت عليه أكثر من اللازم فى هذا الموضوع بالتحديد، فإستهداف شخص بهذه الطريقة ليس له مبرر، وإذا كان جمال يقول إنه لا نية له، فأنا على إستعداد أن أقبل هذا الكلام، وإذا كانت لديه همة فى العمل العام فليس لدى مانع، لكننى أعتقد أن ظهوره على المسرح العام أسئ إخراجه».
هل كان هيكل مع جمال مبارك أم ضده؟
يمكن أن تقول هذا، وأن تقول ذاك بالطبع... فقد أخذ الكاتب الكبير على الصحافة أنها كانت تطارد جمال مبارك، وضغطت عليه بأكثر مما يحتمله تحديدا فى موضوع التوريث، ورغم أن هيكل كان يعرف أن قضية التوريث «القول فيها متوقف والفعل مستمر» إلا أنه أبدى استعداده لأن يصدق جمال مبارك إذا أعلن عدم نيته لترشح نفسه للرئاسة.
لكن الأهم من ذلك أن هيكل كان لديه استعداد آخر لأن يقبل الدور الذى يقوم به جمال مبارك فى مصر، أو يريد أن يقوم به إذا كانت لديه همة فى العمل العام.
هيكل اختار تعبيرا دقيقا بالنسبة له «ليس لدى مانع» .. دون أن يفصح عما يقصده على وجه التحديد، وإن كان ما رمى له الكاتب الكبير تكشفه عبارته الأخيرة، والتى قرر فيها أن ظهور جمال على المسرح العام أسئ إخراجه...وكأنه كان يبعث برسالة إلى من يقومون على إخراج المشهد بأن هناك ما هو أفضل حتى تصبح صورة جمال أفضل.
بعد حوالى ثلاثة شهور فقط اصطادت مجلة روزاليوسف - التى كانت متحدثة وقتها تقريبا باسم ولسان جمال – ما قاله هيكل، ووضعته عنوانا على غلافها فى عدد 8 إبريل 2006، ونسبت إلى هيكل أنه قال إن جمال مبارك عاقل وهجوم الصحافة عليه ليس له مبرر.
روزاليوسف حاولت وقتها أن توحى بأن هيكل كان يحاول عرض خدماته على جمال مبارك، وأنه يمكن أن يستعين به ليحسن إخراج ظهوره على الرأى العام، إلا أن جمال لم يلتفت إليه...وهو ما لم يكن منطقيا بالمرة، فهيكل الذى رفض أن يكون مستشارا لمبارك – الرئيس عرض على الكاتب ذلك أكثر من مرة – لم يكن ليفكر فى أن يكون مستشارا لنجله...وهو ما يجعلنا ننظر إلى ما قاله هيكل فى حق جمال مبارك مجرد شهادة حق – فى وقتها على الأقل – دون أن يكون من ورائها أى غرض.