قالت وكالة رويترز للأنباء إن القرارات، التى أصدرها الرئيس محمد مرسي بعزل قادة الجيش وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، الذى كان العسكريون وراء إصداره الشهر قبل الماضي، أثارت ردود فعل متباينة لدى المصريين. وأضافت الوكالة في سياق تقرير لها أن القرارات، التي أعلنت أمس الأحد، شملت إحالة القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان إلى التقاعد، ونقلت عن سياسيين قولهم إن هذه القرارات جاءت ضمن صفقة للخروج الآمن، الذى اعتبروه كلمة السر في تلك القرارات.
وذكر التقرير أن طنطاوي (76 عاما) كان رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أدار شئون مصر، بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية استمرت 18 يوما، وكان عنان (64 عاما) نائبا لرئيس المجلس العسكري.
وأشار التقرير إلى أن مصر مرت في ظل إدارة المجلس العسكري لشئونها باضطراب سياسي وقانوني وحوادث انفلات أمني واحتجاجات فئوية كما تواترت اشتباكات بين محتجين وقوات أمن وسقط فيها أكثر من 100 قتيل وآلاف المصابين، وقال المجلس العسكري إن طرفا ثالثا تدخل في الاشتباكات وألقوا عليه باللوم عن سقوط قتلى وجرحى، لكن سياسيين وناشطين قالوا إن العسكريين يتنصلون من المسئولية.
ونقلت رويترز عن الناشط أحمد دومة (24 عاما) قوله في اتصال هاتفي "ما يحدث الآن هو ما سبق وأن حذرنا منه وهو الخروج الآمن للعسكر"، على حد قوله، وأضاف: "الخروج الآمن مرفوض جملة وتفصيلا بالنسبة للثورة، ولن نرضى إلا بعد القصاص منهم والثأر لدماء شهدائنا".
وأفرج عن دومة في أبريل، بعد أكثر من ثلاثة أشهر قيد الاعتقال، لمشاركته في احتجاجات بشارع مجلس الشعب، الذي يطل عليه مقرا الحكومة والبرلمان القريبان من ميدان التحرير بؤرة الثورة التي أطاحت بمبارك.
كان أعضاء قياديون في جماعة الإخوان المسلمون، التي ينتمي إليها مرسي تحدثوا بعد إسقاط مبارك عن خروج آمن لرئيس وأعضاء المجلس العسكري، حين يسلم السلطة التي سلمها بالفعل لمرسي يوم 30 يونيو.
وأعلنت قرارات مرسي في وقت تنتاب فيه كثير من المصريين مشاعر قلق إزاء بروز جماعات جهادية في شبه جزيرة سيناء نسب إليها قتل 16 من أفراد قوات حرس الحدود في الخامس من أغسطس في هجوم مباغت، وقال حسين يوسف محمد (32 عاما) ويعمل موظفا: "قرارات مرسي خاطئة. كان المفترض أن ينتظر إلى أن تنتهي مشكلة سيناء".
وأضاف: "كنت أفضل بقاء المشير أكثر من ذلك لأنه يفهم كل شيء. مرسي كان محتاجا لأحد بجانبه لديه دراية بكل أمور البلد"، لكن محمد السيد محمد (32 عاما) وهو موظف أيضا قال "قرارات مرسي سليمة وعليه دائما أن يتخذ القرارات التي تخدم برنامجه"، وأضاف: "المشير رجل كبير في السن وكان ضروريا إحداث تجديد في القيادة العسكرية. على العموم مرسي مسئول عن قراراته والناس تعد عليه باليوم وسيتحمل النتائج".
كان المجلس العسكري أصدر الإعلان الدستوري المكمل مع إغلاق لجان الانتخاب في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة يوم 17 يونيو واختص نفسه في الإعلان بشئون الجيش دون الرئيس.
وبمقتضى الإعلان الدستوري المكمل استرد المجلس العسكري سلطة التشريع التي كان سلمها لمجلس الشعب الجديد في يناير،وكان المجلس العسكري حل المجلس النيابي قبل إصدار الإعلان الدستوري المكمل بأيام ترتيبا على حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مواد في قانون انتخابه.
وبإلغاء الإعلان الدستوري المكمل صارت سلطة التشريع أيضا في يد مرسي لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد، ووصف السياسي الليبرالي البارز محمد البرادعي السلطات، التي حازها مرسي بعد إلغاء الإعلان المكمل بأنها "سلطات امبراطورية".
وقال حمادة محمد السيد (28 عاما) وهو عاطل "قرارات مرسي كان يفترض أن يتخذها من أول ما وصل للحكم. كان لابد أن تكون له الصلاحيات الكاملة حتى لا تكون له حجة عندما يحاسبه الشعب إذا قصر في تنفيذ برنامجه الانتخابي".
كان الرئيس الجديد وعد بحل مشاكل تتصل بالحياة اليومية خلال 100 يوم من التنصيب مثل تراكم القمامة في كثير من شوارع المدن وازمة المرور. كما وعد بالنهضة بالبلاد خلال رئاسته.
وقال سيد عبده (45 عاما) ويعمل بقالا: "مرسي كان لازم يشيلهم لأنهم رجال مبارك." وأضاف "قراراته الناس كانت بتطالب بها حتى قبل أن يتولى المنصب".
وقال شادي حامد من مركز بروكنجز الدوحة في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "ما رأيناه.. في مصر يبدو على نحو متزايد مثل خليط من انقلاب مضاد مدني وانقلاب منسق من داخل الجيش نفسه".
وقال اللواء محمد العصار، الذي كان عضوا في المجلس العسكري لرويترز أمس، إن مرسي تشاور مع طنطاوي وعنان وباقي أعضاء المجلس العسكري قبل أن يصدر قراراته، وبحسب قرارات مرسي شغل العصار منصب مساعد وزير الدفاع الجديد.
وقال "ما اتخذته اليوم من قرارات لم أوجهه أبدا لأشخاص ولا لإحراج مؤسسات"، وأضاف "لا بد من الوفاء لمن كانوا أوفياء.. قصدت مصلحة هذه الأمة وهذا الشعب"، لكن ليبراليين ويساريين ثارت مخاوفهم من أن تكون قرارات مرسي تمكينا للإخوان من مختلف مؤسسات الدولة. ويخشى البعض من أن يدير الإسلاميون ظهورهم للتحالفات مع الغرب ويطبقوا الشريعة الإسلامية بصورة صارمة في مجتمع اعتاد التسامح ويعيش فيه ملايين المسيحيين.
وقال رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وهو حزب يساري "من البداية قلت للجميع إن الإخوان يلعبون لعبة المصالح المشتركة. فإذا تحققت مصالحهم ينقضون على الصديق"، وأضاف متحدثا إلى رويترز أمس "المجلس العسكري هو الذي أتى بالإخوان ومكن الإخوان وعليه أن يتحمل".
وقال نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان "طنطاوى وعنان باعا مصر للإخوان فيما عرف بصفقة الخروج الآمن".
وأضاف: "قرارات مرسى الأخيرة افتئات على الدستور وتحويل الحكم فى مصر إلى حكم ديكتاتوري. الإخوان يقبضون على جميع مفاصل الدولة المصرية وبإلغاء الإعلان الدستورى المكمل أصبح تشكيل الدستور وفق ما يراه التيار الدينى الإخواني والسلفي فقط ولن يكون معبرا عن جميع طوائف الشعب".
لكن السياسي اليساري وعضو مجلس الشعب المحلول البدري فرغلي قال لرويترز: "قرارات الدكتور مرسي هي تصحيح لأوضاع خاطئة.. الإعلان الدستوري المكمل كان اعتداء على سلطة الشعب"، وأضاف: "لا يوجد جيش واحد في العالم كله مهمته التشريع".
وفي الخارج لم يتوافر الكثير من رد الفعل بما في ذلك من الولاياتالمتحدة، التي تقدم معونة عسكرية واقتصادية كبيرة لمصر منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وقال مسئول أمريكي كبير طلب ألا ينشر اسمه إن من غير الواضح ما الذي سيحدث نتيجة القرارات، وأضاف "هذه مسألة سياسية داخلية تخص مصر ومن المبكر جدا القول ما هي تبعات ذلك".
كان فوز مرسي على أحمد شفيق قائد القوات الجوية السابق وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك قد أثار قلقا في الغرب من احتمال أن تتخلى مصر عن اتفاقات أبرمتها مع دول أجنبية، لكن الرئيس الجديد أكد احترامه لالتزامات مصر التعاقدية.
وعين مرسي اثنين من أعضاء المجلس العسكري في منصبين مدنيين رفيعين جريا على ما كان يحدث أيام مبارك، وشغل أحدهما منصب رئيس هيئة قناة السويس وشغل الآخر منصب رئيس الهيئة العربية للتصنيع التي كان الغرض منها وقت إقامتها الإنتاج الحربي بمشاركة دول عربية أخرى، لكنها تنتج منذ سنوات أجهزة للاستعمال المدني أيضا.
وقرر مرسي أيضا تعيين طنطاوي وعنان مستشارين له ومنح كلا منهما وساما رفيعا الأمر، الذي يمكن أن يعني أنهما لن يواجها مصير مبارك، الذي حوكم بتهم تتصل بقتل متظاهرين خلال الانتفاضة وعوقب بالسجن مدى الحياة.