هل تنتظرون من رجل عاش زهوة شبابه وخريف عمره عضواً فى تنظيم يعمل خارج اطار الشرعية والقانون بغض النظر عن شرعية تلك الشرعية وقانونية ذلك القانون ان يتحول فجأة بين عشية وضحاها الى ناسك فى محراب العدالة ؟ هذا مجرد تسأول ! وكواحد من المتابعين للهم المصرى لم أتفاجأ بقرار السيد الرئيس بعودة مجلس الشعب الذى قضت المحكمة الدستورية ببطلان انتخابه , فالرئيس لا يعمل بمفرده فحوله عدد من الاخوان وبنظرة سريعة الى جيراننا فى الشرق اللذين تخرجوا من نفس المدرسة نجد حركة حماس قد نجحت بأقتدار فى تقسيم فلسطين الى دولتين متنافرتين بعد فشل اسرائيلى عبر سنوات طوال , وهوالتقسيم الذى يراه العالم كله الا حماس , فعندما كنت فى واشنطن ضمن وفد دولى كان الوفد يضم مشارك واحد فقط من كل دولة ما عدا فلسطين كانت هناك مشاركة من غزة وأخرى من رام الله ! فى اقرار عملى بتقسيم فلسطين تقسيم تحت طائفى والذى سبق وان حذرت من حدوثه فى مصر منذ شهور طويلة , ولكن للأسف كلماتى لم تصمد أمام سيناريو الفوضى الخلاقة الذى نسير فيه بطريقة يحسدنا عليها السيد مايكل ليدين الذى صاغ مفهوم (الفوضى الخلاقة ) أو (التدمير البناء) وهو المشروع الذى بدأ العمل به منذ عام 2003 تحت مسمى مشروع التغيير الكامل فى الشرق الاوسط وفقًا لإستراتيجية تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء , ولا أعرف لماذا الاصرار على الهدم اذا كان هناك مجال للاصلاح ! ورغم ان النظرية أمريكية المنشأ الا انها وجدت مناصرين لها فى مصر من بعض الاسلاميين والاشتراكيين على حد سواء , فبرغم الاختلاف الفكرى الظاهرى بينهم فأن الهدف مشترك وهو هدم الدولة وخلق حالة من الفوضى لأعادة البناء من جديد كل حسب رؤيته للبناء الجديد , المهم الهدم أولاً وقبل كل شئ ! وهو ما عبر عنه جورج بوش الابن عندما سألوه عن تدمير البنية التحية والفوقية والخراب والدمار فى العراق فقال انه عملية بناء عراق حر وديمقراطي , واثناء الهدم فأن التخريب والنهب ليس أمراً مستبعداً او حتى مستهجناً عند تطبيق النظرية , فوزير الدفاع الامريكى الاسبق رامسفيلد عندما سألوه عن صمت الامريكان على عمليات النهب والتخريب فى العراق قال إنها عمليات إيجابية وخلاَّقة وواعدة بعراق جديد ! وهو ما يبشرنا بما ينتظرنا ان سرنا فى نفس السيناريو الذى أتمنى الا يكون مرسوم لنا فى مصر , ولا اعلم مدى التقاء أهداف رجال دولة المرشد مع نظرية الفوضى الخلاقة التى تراها السيدة كوندى (كونداليزا) تمثل الأساس المنهجي لخلق الديمقراطية الأمريكية المنشودة فى الشرق الاوسط , واعتقد ان السيدة رايس لم تكن تحلم يوماً بأن تكون الحركات الاسلامية التى كانت تراها أمريكا كحركات ارهابية تشكل خطراً على الامن القومى الامريكى هى نفسها التى تنفذ نظرية الفوضى الخلاقة بأقتدار رهيب دون ان تدرى , للحفاظ على الأمن القومى الامريكى طبقاً لمعايير السيد توماس بارنيت المحاضر فى البنتاجون والذى طور نظرية الفوضى الخلاقة وقسم العالم الى ( القلب ) وهو الولاياتالمتحدة وحلفاءوها و( الثقب ) وهو يمثل الدول المصابة بالحكم الاستبدادي والنزاعات المزمنة والقتل الجماعى , وبغض النظر عن اختلافنا الجوهرى معه ومع نظريته فأن مصر تقع ضمن (القلب) و لا تقع ضمن ( الثقب) بمقاييس النظرية نفسها, نعم كنا فى مصرنعانى من حكم استبدادى وهذا لا خلاف عليه لكننا مع ذلك لم نعانى يوماً لا من عمليات قتل جماعى روتينى ولا من نزاعات مزمنة , وحتى هذا الحكم الاستبدادى فقد رحل بلا عودة وهو ما يقف ضد اى محاولة لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة بأيدى بعض الاسلاميين أوغيرهم فى مصر, فليس من المنطقى ان نخرج من ديكتاتورية تحميها قوانين وضعية يمكن الاعتراض عليها الى ديكتاتورية من نوع آخرتحميها تفسيرات دينية ملتوية وفتاوى على مقاس أصحابها , واذا كان هناك فى الادارة الامريكية من يعتقد ان الدولة الدينية تصب فى مصلحة الامن القومى الامريكى فهو يحتاج الى اعادة قراءة تاريخ التحالفات الامريكية مع الحركات المتطرفة ويراجع نتائجها جيداً, فالمتطرف لا يتوقف كثيراً امام جنسية ضحاياه . ومن ناحية أخرى علينا توضيح الصورة للجانب الامريكى جيداً, وهناك عدد من الشخصيات الوطنية تربطها صلات طيبة مع نظراءهم الامريكان , وهؤلاء تم تهميشهم فى عهد مبارك بدون مبرر مقبول , والنتيجة ما نشاهده اليوم صورة غير كاملة يرسم ملامحها وفد الاخوان فى اروقة الخارجية الامريكيةبواشنطن , سواء كان المسمى وفد نواب مجلس الشعب أو أى مسمى آخر, وليس لدي دليل يربط بين ما تم نشره عن مفاوضات هذا الوفد فى الخارجية الامريكيةبواشنطن وقرار السيد الرئيس بعودة مجلس الشعب قبل ايام قليلة من زيارة السيدة كلينتون للقاهرة , فأنا لست عالماً ببواطن الامور لكى اربط بين الاحداث الثلاثة , ولم يصرح لنا أحد على ماذا كانوا يتفاوضون ؟ وما هى الامور العالقة بين الطرفين او هل التفاوض يتم بأسم مصر الدولة أم بأسم الاخوان أو بأسم حزب الحرية والعدالة ؟ او بأسم من ؟ للأسف حالة من الغموض غير مفهومة بالنسبة لعامة الناس من أمثالى , ولم أحاول الاتصال بأى من اصدقائى سواء فى الداخل أو الخارج للمعرفة , فنحن اصبحنا فى زمن من يذهب للتفاوض أو للتنازل عن مصالح شعب لا يملكها او يقايض المصالح العامة بمصالحه الخاصة هو الرجل الوطنى بمفهوم الجماعة للوطن بعدما صار الوطن جزء من الجماعة وصارت الجماعة هى كل الوطن .