طالعتنا إحدى الصحف اليومية بخبر يفيد بأن " صاحب الدعوى التى تم حل مجلس الشعب على أساسها يقول بأن الحكم منعدم لأنه لم يختصم مجلس الشعب فى دعواه ، ولم يطعن بعدم دستورية الإنتخاب بنظام القوائم ، وأن المحكمة قضت بما لم يطلب منها ، وكشف فى لقاء تليفزيونى عبر أحد البرامج التى تزاع على إحدى القنوات الفضائية أن حل المجلس جاء بعد أن تقدم بدعوى فى محكمة القضاء الإدارى ببنها عن الخروقات التى شابت الإنتخابات البرلمانية ومنافسة الأحزاب للمستقلين فى النظام الفردى ، ثم تحولت القضية إلى المحكمة الإدارية العليا ، وأشار إلى أنه أقام دعوى مخاصمة ضد المحكمة الدستورية العليا لأن المحكمة قضت بما لم يطلب منها وهو ما يدل على تدخل جهات عليا فى الأمر ، واكتساب الحكم طبيعة سياسية وليست قانونية " 0 ولما كانت هذه التصريحات تحمل الكثير من المغالطات التى تؤدى إلى إثارة الفتن والإضطرابات بين عامة الشعب وخاصة غير المتخصصين منهم فى القانون ، فى ظل الظروف الحرجة والإستثنائية الحالية التى تمر بها البلاد والتى تتسم بالحساسية المفرطة ، فضلاً عن أزمة عدم الثقة السائدة بين بعض الأطياف والفصائل السياسية وبين بعض مؤسسات الدولة التى تتولى إدارة شئون البلاد فى الوقت الراهن ، فقد رأينا أنه من الواجب علينا وعلى كل من يعلم- بحكم التخصص- حقيقة الأمور أن نطرح الحقيقة كاملة أمام الجميع وفقاً لأحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم (48) لسنة 1979 0 ولبيان ذلك نشير فى البداية إلى أن المحكمة الإدارية العليا أثناء نظرها الدعوى المرفوعة من المهندس/أنور صبح درويش قضت بإحالة بعض نصوص مواد قانون مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتها وذلك لقيام شهبه قوية لديها على مخالفتها أحكام الدستور 0 والبادى من ذلك أن تحريك الدعوى الدستورية فى هذا الصدد تم عن طريق الإحالة من المحكمة الإدارية العليا ، وتعد الإحالة إحدى الطرق المتعارف عليها لتحريك رقابة الدستورية ، ومؤداها أن يتم إحالة الخصومة الدستورية من إحدى الجهات التى خولها التشريع – الدستور أو القانون – هذا الحق إلى جهة الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، لبحث المسألة الدستورية المثارة 0 وبمقتضى نص المادة (29/أ)من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم (49/1979) خول المشرع المصرى المحاكم والهيئات ذات الاختصاص القضائى ، الحق فى تحريك رقابة الدستورية عن طريق إحالة النصوص التشريعية التى تحكم النزاع المطروح أمامها من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية العليا ، إذا بان لها أن هذه النصوص من حيث الظاهر يشوبها عوار دستورى 0 ويجرى نص المادة (29/أ) المنوه عنه على النحو التالى :- "تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالى :- (أ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع ، أو قفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسأله الدستورية " 0 ويستفاد من هذا النص أنه يجوز لأى محكمة أياً كانت درجتها فى السلم القضائى ، وأياً كانت الجهة التى تتبعها ، سواء جهة القضاء العادى أو القضاء الإدارى أو هيئة ذات اختصاص قضائى ، أن تحيل من جانبها النصوص التشريعية المراد تطبيقها على واقعات النزاع الموضوعى المطروح أمامها ، ويقوم لديها شبهة قوية على مخالفتها لأحكام الدستور ، إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتها 0 والجدير بالذكر فى هذا المقام أن المحكمة الأعلى فى السلم القضائى يحق لها أن تثير مسألة الدستورية من تلقاء نفسها ، دون أن تتقيد فى ذلك بحكم المحكمة الأدنى الذى يكون قد أغفل هذه المسأله ولم يتنبه لها 0 وبهذه المثابة لا يجوز لأية محكمة أو هيئة اختصها المشرع بالفصل فى نزاع معين فصلاً قضائياً إعمال نص تشريعى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها ، إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية ، قوامها ظاهر الأمر فى المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون خوض فى أعماقها ، ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا 0 والواقع أن الإحالة التلقائية تعد فى حقيقتها دفعاً من محكمة الموضوع بعدم دستورية النص التشريعى المراد تطبيقة على النزاع الموضوعى المطروح أمامها ، وهذا الدفع تثيرة محكمة الموضوع من تلقاء نفسها 0 وصفوة القول إذن أن تحريك الدعوى الدستورية التى قضت فيها المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب والتى ترتب على أثرها حل مجلس الشعب تم عن طريق إحالة الخصومة الدستورية من المحكمة الإدارية العليا إعمالاً لنص المادة (29/أ) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (49/1979) ، ولم يتم ذلك مطلقاً عن طريق الدفع بعدم الدستورية كما جاء فى تصريحات صاحب الدعوى الموضوعية التى عرضنا لها 0