خالد منتصر يكتب : الطريق إلى الله

فى أجواء محتقنة متوترة تعيشها مصر أصر الصديق المبدع مجدى أحمد على بجسارة يحسد عليها على إقامة مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية، رسالة مجدى كانت واضحة، الفن هو السلاح الذى سنستطيع به عبور محنتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن يكره الفن هو كاره للحياة نفسها، وعلى خفافيش الظلام أن تهاجر من أدمغتنا وتتوقف عن ترويعنا ومص دماء أرواحنا وطرد البهجة من حياتنا.

استمتعت بفيلم الافتتاح «الطريق إلى الله» للعبقرى شادى عبدالسلام، ثلاثية تعرض لأول مرة لتثبت أن منجم شادى لن ينضب، وكنوز عبقريته ستظل تهدينا الياقوت والمرجان من مغارة فنه البديع، ياإلهى ما هذه العين الحساسة التى ترصد التفاصيل وكأننا نراها لأول مرة وتجعل المألوف مدهشاً، الثلاثية تبدأ بالحصن الذى يحكى عن معبد إدفو وحورس ابن الشهيد أوزوريس وقاهر إله الشر ست، جولة فى هذا المعبد الحصن، مع نقوشه وأعمدته وخراطيشه، حتى العصافير التى بنت أعشاشها فى فجوات الحجر رصدتها كاميرا شادى، عبق الماضى يختلط بنفس الحاضر على دقات كفوف أهل إدفو فى رقصتهم التى تمثل طقساً ثابتاً يجعل الخيط ممدوداً لا ينقطع ما بين الماضى والحاضر، فالصعيدى الذى يضرب الكفوف على طريق إدفو يحمل نفس الملامح المنقوشة على جدار المعبد.

القسم الثانى بعنوان « الدندراوية» حيث معبد دندرة ورحلة «حتحور» فى مركبها حيث سيتم الزواج المقدس من حورس، يطل الحاضر أيضاً من رحلة مشابهة لمركب الطريقة الصوفية التى ترحل إلى هناك لتقيم حلقات الذكر وتتمايل طلباً للسكينة والدفء ورضا الرب.

القسم الثالث «مأساة البيت الكبير» مع الفنان الجميل أنسى أبوسيف وهو يشرح لنا حلم شادى عن إخناتون الذى أجهض مثل حلم إخناتون نفسه بالتوحيد الذى هزمه كهنة آمون، تل العمارنة التى حاول اخناتون إقامة كيان دينى توحيدى جديد فيها، تكالبت عليه الضباع فتحول الحلم إلى كابوس، فى هذا القسم لا تملك إلا أن تنبهر باسكتشات شادى العبقرية التى تشع حياة لا ينقصها إلا بث الروح والحركة فى شخوصها، شادى وحواراته مع تلميذه المخلص صلاح مرعى أثناء تحضير الحلم الذى لم يكتمل، كلمات إخناتون التى لا بد أن نقرأها الآن لنتعظ ونتعلم وهو يقول لكبير المعلمين:

لقنهم كلمات أهل العلم

الذين تلقوا الحكمة ممن سبقوهم

ولا تلقنهم كلمات الكهنة

أولئك الذين وضعوا الكلمات فى أفواه آلهتهم

ليبثوا الرعب فى قلوب الناس فيستعبدونهم

الرعب من الإله الخالق ليس الطريق إلى معرفته

ولكن الحمد له هو السبيل إليه.