حمل تاريخ العالم عدد كبير من أحداث التغيير التى وصفت بالثورات لمطالبتها بالتغيير السياسى والديمقراطى ومزيد من الحرية ، وثورات الشعوب نوعان الاول منهما ضد الاحتلال الاجنبى ، والثانى ضد احتلال السلطة والمطالبة بتغيير وضع داخلى واستبدال سلطة بسلطة وكلا النوعين يزين تاج التاريخ ويمنحه دم الشهداء مدادا يدون به تلك الثورات . وثورات السابقين غيرت على نحو أساسى الوضع الاجتماعى والسياسى للبلدان التي ظفرت بها وأتاحت تقدما هائلا في تنامى الإنتاج المادى، وارتفاع مستوى الحياة، وتنامى الثقافة، والحريات السياسية وحقوق الإنسان . والتغيير الثورى عادة ما يكون للافضل ، والثورة بشكل عام هى عبارة عن تغيير للمؤسسات المحددة للنظام القديم ، ومعارضة السبل القديمة وتبنى سبلا جديدة فى المجالات الاساسية للحياة من حيث الاقتصاد، والنظام السياسي، والثقافة ، وتندلع عادة عندما تريد الجماهير إنهاء شروط أو اوضاع حياتية فوق طاقتها و تعبر دوما عن أزمة خطيرة بمجتمع ما ونفاد صبر القطاعات الشعبية العريضة من تلك الازمه لتأثيرها المباشر على حياتهم .
وهدف الثورة هو احداث اصلاحات ليست حاليه فقط وانما مستقبلية ايضا واستنهاض رغبات جديدة لدى الشعوب ، وصياغة وبناء تنظيمات جديدة، وخلق وعي جديد وبالاحرى إحداث تغيير جوهرى.
وعادة مايسبق الثورات بنوعيهما مقدمات وارهاصات تنبأ بقرب لحظة ميلاد التغيير وعنصرها الحاسم "إرادة الشعوب" ، وتلك المقدمات لا تعطى أدلة قاطعة بشأن التغيير الحقيقي ولا تكتسب مشروعيتها مسبقا قبل قيام الثورة ، ويصبغها التاريخ بالوان تدل على كنيتها فيكون لها طعما بمذاق الوانها فمنها البرتقالى والاورجوانى والوردى والابيض الذى لون ثورة 25 يناير المصرية لكونها ثورة شعبية سلمية .
وشهدت مصر على مدى تاريخها المعاصر وبدءا من القرن التاسع عشر وحتى القرن الحادى والعشرين عددا من الثورات ففى 9 سبتمبر 1881 اندلعت الثورة العرابية وفى 1919 الثورة الشعبية فى اعقاب نفى سعد زغلول ورفاقه لجزيرة مالطة وبعدها بثلاثة عقود قامت ثورة 23 يوليو التى اجبرت الملك عن التنازل عن العرش لولى عهده واستتبعها الغاء الملكية واعلان الجمهورية ، ويبدو أن اللون الابيض من السمات المميزة للثورات المصرية فقد كانت تلك الثورة ثورة بيضاء ايضا على الرغم من أنها كانت انقلابا عسكريا قام به ضباط الجيش المصرى ضد الملك والمستعمر الانجليزى وادت اليها ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية شهدتها مصر آواخر الاربعينيات وبداية الخمسينيات بالاضافة الى هزيمة مصر فى حرب 1948 وضياع فلسطين وكانت علامة بارزة فى تاريخ مصر .
أما الثورة البرتقالية فهى من نصيب اوكرانيا واندلعت اواخر نوفمبر 2004 فى اعقاب اعادة جولة التصويت على الانتخابات الرئاسية الاوكرانية التى شابها الفساد بشكل واسع فاندلعت تلك الثورة بسبب الصراع على السلطة .
فيما حدثت الثورة الاورجانية عام 2010 فى جمهورية قرغيزستان الواقعة فى وسط آسيا ضد الرئيس السابق قرمان بيك باكييف لتوجيهه بالحكم الى اتجاه نظام سلطوى بشكل متزايد ، وسبقها ثورة الزنبق فى عام 2005 أدت الى سقوط اول رئيس للدولة إسكار اكييف بعد العهد السوفيتى الذى انتهت فترة رئاسته بعد 15 عاما فى السلطة باتهامات الفساد ومحاباة الاقارب والشللية.
وانطلقت الثورة الوردية فى جورجيا إختيارا للديمقراطية والدفاع عن حرية الشعب من خلال الوسائل السلمية حيث اطاحت بالحكومة الفاسدة السابقة برئاسة إدوارد شيفرنادزة فى آواخر 2003 .
وللثورات تسميات آخرى طبقا لمنهجيتها فمنها المؤسساتية كما فى الثورة الإنجليزية التى حدثت من داخل السلطة، و بدلت مواصفاتها من ملكية استبدادية مطلقة إلى ملكية مقيدة ديمقراطية، و منها ما وصف بأنه "حرب استقلال" مثل الثورة الأمريكية ضد الاستعمار الاجنبى ، أما الثورة الفرنسية التى يؤرخ لاندلاعها بسقوط سجن الباستيل فقد كانت "طبقية" باسم طبقة اجتماعية أنهت هيمنة طبقة أخرى .
أما الثورة الشيوعية أو البلشفية فى روسيا فقد كانت "حزبية" واعتمدت على فرق مسلحة شكلها الحزب ضد السلطة ، وجمعت الثورة الإيرانية بين كونها "دينية" بمعيار قيام فئة رجال الدين عليها تدبيرا وقيادة، وبين كونها "شعبية" بمعيار المشاركة الشعبية في صناعة الحدث بمعدلات غير مسبوقة.
وبغض النظر عن مسار ما أدت إليه تلك "الثورات" في العقود والقرون التالية بصفتها "وسيلة" تغيير، فإن اللحظة التاريخية لوقوعها هى إحدث التغيير نفسه،وذلك لما تنطوى عليه الثورات من تغيير مفاجىء ودون ضوابط وهو انطباع يتناقض مع استقراء معظم ما أطلق عليه وصف ثورات، إذ جاءت جميعا بعد مقدمات .