«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعبد الله بعقلك.. وتقرب إليه باجتهادك
نشر في الفجر يوم 16 - 01 - 2012

يواجه تجار الفتوى.. وينهى عصر احتكار الدين فى الفضائيات الوهابية
سعد الهلالى
اعبد الله بعقلك.. وتقرب إليه باجتهادك


الزواج من إسرائيليات

الخروج إلى المصايف الساحلية

أفرزت المتغيرات التاريخية السياسية والعسكرية فى الصراع العربى الإسرائيلى قضية اجتماعية خطيرة وهى الزواج من الإسرائيليين والإسرائيليات، ويتضح من اختلاف وتعدد الرؤى الفقهية المستوعبة للأوجه الأصولية والمنطقية والفطرية المختلفة، والدالة على سعة الشريعة ويسرها، ليتبصر بهذه السعة أولو الأمر من أهل الحل والعقد فى المجالس النيابية والمؤسسات المدنية والتنفيذية، فيختارون منها اتجاها واحدا يعبر عن الأغلبية، ويكون ملزما للجميع، لكون القضية عامة تمس المجتمع بتاريخه ومستقبله، وإن بدت فى ظاهر الأمر حالة شخصية، ولا يكون اختيار الأغلبية ملزما إلا على الجيل الذى اختار، فإن جاء جيل آخر فله حق التجديد أو التغيير، لأن سعة الشريعة ويسرها يمتدان فى كل زمان ومكان.

وإذا كانت وظيفة الفقيه هى إبانة الأوجه الشرعية المحتملة فى القضية من باب الأمانة العلمية، إلا أن من حقه الاختيار كسائر المكلفين، وأرى أن الاتجاه المانع من الزواج من الإسرائيليين والإسرائيليات هو الأولى بالاختيار على الأقل فى المستقبل المنظور انتصارا للكرامة والعزة المغتصبين حتى يبعث الله من يزيحهم أو يطوعهم للحق.

وعلى المسلمين الذين تزوجوا من الإسرائيليين والإسرائيليات أن يعلنوا الفراق بالطلاق، ويثوبوا إلى رشدهم بالعودة إلى بلادهم أو الهجرة لأى دولة أخرى غير ظالمة يرون فيها الأمان وسعة الرزق والحرية فى ممارسة الشعائر الدينية، وأما زواج عرب 48 بعضهم من بعض فتلك من مقتضيات الضرورة.

أدى تطور الأعراف إلى ظهور قضايا فقهية اجتماعية جديدة لم يكن لها من قبل وجود، ومن ذلك قضية الاصطياف فى المدن الساحلية، وقد رأينا اختلاف الفقهاء المعاصرين فى حكمها بحسب نظر بعضهم إلى الاحتياط فى الدين والبعد عن مخالطة المعصية.

ونظر بعضهم إلى عدم تحريم ما أحل الله فى الأصل، وأن من يطلب الحلال لا يؤاخذ عما يقع من محظور عمت به البلوى، وإلا فلن يهنأ بحلال غالبا.

وأرى اختيار الاتجاه الثانى الذى يرى مشروعية الاصطياف فى المدن الساحلية للاستحمام أو الاستجمام أو الترفه أو التجارة بالضوابط الشرعية العامة لقوة أدلتهم، ولأن مصالح الناس المتمثلة فى رعاية الأطفال والأسر من عناء نظام الدراسة المتعب وغيره، لن تقوم باعتزال تلك المدن الساحلية، فقد استقر الإجماع على مشروعية الهجرة والسفر إلى بلاد الغرب وأمريكا وفيها من الفسوق ما ليس فى تلك المدن الساحلية من بلاد المسلمين، ثم إن تغيير المنكر فيها يكون بالقدوة الحسنة من التزام المسلمين والمسلمات بالضوابط الشرعية، وقد أثمر ذلك عن انتشار ملابس نزول البحر الشرعية للنساء، والبقية من الإصلاح تأتى بالحكمة والموعظة الحسنة.


الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم



بقاء الزوجة المسلمة مع زوجها غير المسلم

اختلف الفقهاء المعاصرون فى حكم احتفال المسلمين بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم فى الجانب الاجتماعى وليس فى الجانب الدينى، بسبب شبهة اختلاط الاجتماعى والدينى، ولعدم ثبوت مشاركة النبى صلى الله عليه وسلم غير المسلمين فى أعيادهم، ونرى أن الاتجاه الذى يرى مشروعية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم احتفالا اجتماعيا إذا لم يخالطه محظور هو الأولى بالاختيار، لقوة أدلتهم.

ولأنه فى مثل هذه الاحتفالات متنفس للناس يعينهم على الطاعة والإعمار، فقد أخرج مسلم عن حنظلة الأسيدى وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه دخل على رسول الله يقول: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال: وما ذلك؟، قال: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا نراهما رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله : «والذى نفسى بيده لو تدومون على ما تكونون عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة فى فرشكم وطرقكم.. ولكن يا حنظلة ساعة وساعة».

« من فرط تواضعه ستكتشف أن من يقدمون لنا أنفسهم على أنهم دعاة إلى الله ليسوا إلا مدعين.. من فرط علمه ستتأكد أن من يلقون فى وجوهنا بغثائهم ليسوا إلا تلاميذ على أول الطريق.. من فرط تسامحه ستضع يدك على مدى قسوة وغلظة من يتحدثون عن سماحة الإسلام وهم لا يعرفون عنه شيئًا.. ومن فرط حديثه عن العقل تعرف أنه لن يسلم ممن أرادوا أن يستعمروا عقول المسلمين حتى يستحلوا أموالهم ويستبيحوا حياتهم باسم الدين».

إنه الدكتور سعد الدين مسعد هلالي.. والذى يعرفه الإعلام باسم «سعد الهلالي» أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.. لا يهتم كثيرا بأن يدبج سيرة ذاتية ضخمة على أغلفة كتبه، يقدم نفسه ببساطة لقرائه ولمن يريدون أن يسمعوا إليه.

شغل الرجل منصب عميد كليتى الدراسات الإسلامية والعربية بدمياط وأسوان.. وعمل فى الكويت رئيسا لقسم فقه الأصول بكلية الشريعة هناك، ومن الجوائز التى حصل عليها، جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى فى العام 2003، وجائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت فى العام 2005، وفى العام 2006 حصل على جائزة الدولة التشجيعية هنا فى مصر.

للدكتور سعد الهلالى عدة كتب مطبوعة.. ليست مشهورة لكنها مهمة ويعرفها جيدا من يهتمون بالعلم ولا ينشغلون بقشوره، منها البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية، وحقوق الإنسان فى الإسلام، والجانب الفقهى والتشريعى للاستنساخ، وقضية المسنين المعاصرة وأحكامهم الخاصة، والثلاثون فى القضايا الفقهية المعاصرة.

هذه معلومات يمكن أن تعطى إشارات محددة عن الرجل.. لكنها بأى حال من الأحوال لا يمكن أن تقول لنا من هو، ولأن المواقف هى التى تعرض لنا حقائق الرجال.. فقد اقتربنا من الرجل أكثر بعد أزمته الأخيرة على هامش رأيه فى البيرة، وهو الرأى الذى تاجر به الكثيرون دون أن يتوقفوا أمام المنهج الذى يعمل به الهلالي.

القضية تفجرت فى برنامج عمرو أديب القاهرة اليوم، قال الهلالي: «إن البيرة المصنوعة من الشعير والخمر المصنوع من التمر والنبيذ من غير العنب، فإنه يحرم الكثير منه، أما القليل الذى لا يسكر فإن تناوله حلال، طالما أنه لا يسبب حالة من السكر وذهاب أو غياب العقل».

الهلالى لم يقل رأيه على إطلاقه، بل أكد أن ما يقوله هذا هو رأى الإمام أبو حنيفة النعمان، ومدون فى كتبه منذ قرون، لكن المشكلة تكمن فى عدم القراءة، فالخمر الذى أخذ من عصير العنب فهو حرام على إطلاقه، إذا شربه أدى إلى السكر، أما الخمر الذى يستخرج من التمر ويشرب ما دام أنه لم يسكر فليس حراما.

لم يخش الدكتور الهلالى من إعلان رأيه.. عرف أن عاصفة من الهجوم ستنفجر فى وجهه، لكنه تمسك بمنهجه، قال إن كل ما قاله إنما هو كلام موجود فى كتب الإمام أبى حنيفة، وهى كتب ومناهج يدرسها طلاب الأزهر الشريف، فكما يقول القرآن الكريم «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».. وأبو حنيفة رغما عن الجميع من أهل الذكر.

وقبل أن يقول الدكتور الهلالى كلمته ويمضى مخلفا وراءه عاصفة من الاعتراضات قال: «إن مذهب الإمام أبى حنيفة سيذهب إليه من يحب شرب الخمر، فإذا شرب ولم يسكر فليس عليه أى مشكلة، طالما أن الكمية التى يشربها المسكر لم تغيب عقله ولم تجعله سكران».

ما الذى فعله الدكتور سعد الهلالى بكلامه هذا ؟

لقد أشعل الرجل النار فى عقول الجميع.. خرج عليه من يكرهون منهجه ليهاجموه ويلعنوه ويتهموه بأنه يحلل ما حرم الله.. وليس بعيدا أن يتهمه بعضهم بأنه يزدرى الدين الإسلامي.

حتى نضع الأمر فى سياقه.. وحتى نفهم ما يقوم به الهلالي، فعلينا أن نلتفت إلى تخصصه الدقيق فى جامعة الأزهر وهو الفقه المقارن، فالرجل تخصص فقه حنفى يدرسه لطلابه.. ويدرس لهم كذلك مذاهب الفقه الأخرى ( مالك والشافعى وابن حنبل ) ويعرف بدقة الفروق بينها.. ما الذى يجيزه هذا وما الذى يرفضه ذاك.

وهنا يمكن لنا أن نحدد ملامح منهج الدكتور الهلالى فى نقاط محددة:

أولا: يفرق الدكتور الهلالى بين العلم والفتوي.. فالعلم عنده أن يقوم باستعراض جميع الآراء الفقهية فى القضية الواحدة.. فمن بين سمات الفقه الإسلامى أن هناك اختلافات واضحة بين الفقهاء.. وهى اختلافات من باب الرحمة.. ولأنه عالم فى مجاله، فهو يعرف هذه الاختلافات الدقيقة، ويعرف سبب هذه الاختلافات أيضا.. فكل فقيه نسج مذهبه فى ظروف معينة ومختلفة.

أما الفتوى فهى تأخذ برأى واحد على الترجيح.. بشرط أن يكون المفتى ملتزما بتطبيق هذا الرأى على نفسه أولا.. وليس للمفتى أن يأخد بالأصعب فى المسألة الفقهية.. بل عليه أن يلجأ إلى ما يسهل حياة الناس عليهم وييسرها لهم.. لا ما يعقدها ويضيقها.

الهلالى بهذا المعنى ليس مفتيا ولكنه عالم، يضع أمامه من يستمعون إليه فى جميع الآراء الفقهية فى القضية الواحدة، ثم يميل بهم إلى ما يرى أنه فى مصلحة الناس ويتناسب مع المجتمع الذى نعيش فيه.

وهو ما فعله فى قضية البيرة، ففعليا لم يحلل الهلالى ولم يحرم، ولكنه وضع آراء الفقهاء أمام الناس، فالفقهاء الثلاثة مالك والشافعى وابن حنبل يحرمون الخمر ما قل منها وما كثر، حتى لو كان ما قل هذا غير مسكر، لكن أبو حنيفة مال إلى أن ما لم يسكر قليله فهو حلال، مع تحريمه لكل الخمور التى تأتى من العنب.

لم يقل الهلالى شيئًا إذن من عنده، ولكنه أبزر رأى أبى حنيفة الذى كان مخبوءا فى بطون الكتب، وذلك بصفته عالمًا، أما بصفته مفتيًا ورغم أنه حنفى إلا أنه لا يميل إلى أن تكون البيرة حلال، لأنه لا يشربها، ويرى أن شربها غير مناسب على الإطلاق مع السياق الإسلامى الذى نعيش فيه، أما إذا أراد أحد أن يشربها وكان سياقه الذى يعيش فيه يسمح له بذلك.. فهى حلال بالنسبة له مادامت لا تسكره.

ثانيا: يدخلنا هذا فى الملمح الثانى مباشرة من ملامح منهج الهلالي، فهو لا يريد أن يستعبد المسلمين بعلمه، بل يريد أن تكون لهم القدرة على الاختيار بين الآراء الفقهية بعد أن يتعرفوا عليها، لا يريدهم أن يتبعوا شيخا بعينه ويقدسوا كلامه، ويعتبروه معصوما من الخطأ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يفعلون ما يقوله لهم كأنه قرآن يتلى عليهم من السماء.

يريد الدكتور الهلالى أن يحرر العقل المسلم من تبعيته المطلقة لمن يستحلون ماله باسم الدين، وقد يكون هذا تحديدا السبب المباشر فى هجوم دعاة قناة الناس وغيرها من القنوات الفضائية السلفية الوهابية عليه، فهم ينهى سيطرتهم على الناس، إنهم يجلسون أمام الكاميرات كأن الوحى يلقى عليهم من فورهم.

ينهى الهلالى بذلك حالة التجارة بالدين المستمرة منذ سنوات، وقد ألمح هو إلى ذلك عندما تحدث مع عمرو الليثى فى برنامجه 90 دقيقة.. قال له: إن هناك من يريد أن يسكت سعد الهلالى إلى الأبد.. لكنى لن أسكت.

لم يبالغ الهلالى بالطبع.. فهناك من يريد له أن يصمت، لأنه يكشفهم.. فالرجل الذى يحرر المسلمين من عبودية الأئمة والدعاة وتجار الدين لابد أن يختفي، وإلا فإن بضاعتهم جميعا ستبور.

ثالثا: تحرير المسلمين من عبودية المشايخ ليس وحده ما يريده الهلالي، إنه يريد من المسلم أن يتعبد إلى الله بما يراه صحيحا.. فإنه لا يعبد المشايخ.. ولكن يعبد الله وحده، ولذلك فإن الهلالى يعلى من شأن ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أن « الإثم ما حاك فى صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس».. هذا معيار حقيقى يمكن أن يحتكم إليه الإنسان فى أعماله.. بعدها لا يكون فى حاجة لأن يستفتى أحدا.. أو على الأقل سيسعى إلى معرفة الآراء المختلفة فى مسألة واحدة ثم يختار منها ما يصلح له ويرى أنه يقربه إلى الله.

ما أقوله استنتاجا عن منهج الدكتور الهلالى فى التفكير.. يؤكده ما قاله فى مقدمة كتابه المهم «الثلاثون فى القضايا الفقهية الاجتماعية المعاصرة» وهو كتاب صدر فى طبعة شعبية عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

يقول الهلالي: «سلكت منهجا موحدا فى تناول القضايا الاجتماعية المعاصرة، حيث قدمت لكل قضية بما يجمع تعريفها ونشأتها وأهميتها وتحرير محل النزاع فيها، ثم أوجزت الاتجاهات الفقهية الواردة والمحتملة فيها، مع بيان أدلتها، والأعذار الفقهية لهذا الخلاف، وقد انتهيت إلى بيان الاتجاه المختار عندى عندما تتضح الرؤية الفقهية بما يستوجب النصح بها، حتى أساعد فى إرساء مقاصد الشريعة من دفع المفاسد، وجلب المصالح بمنهج اليسر ورفع الحرج عن الناس».

ويضيف الهلالى فى تبيان منهجه: «وكثيرا ما كنت أترك الاختيار من بين تلك الاتجاهات الفقهية المحتملة إلى القارئ الكريم، اتباعا لسياسة النهاية المفتوحة، وذلك فى المسائل التى لا تزال فى حاجة إلى مناقشة وحشد للرأى العام نظرا لتداخل المصالح والمفاسد فيها بما يستلزم الاستعانة بعقول الآخرين، والتعرف على اختياراتهم، خاصة أنهم فى مأمن شرعى حيثما كان اختيارهم، لأن كل اتجاه فى الفقه يجوز العمل به فى ذاته شرعا طالما استوفى شرائط الاستنباط، وصدر ممن تقرهم الأمة على ممارسة الاجتهاد».

يستند الهلالى فى هذا المنهج إلى هدى الرسول صلى الله عليه وسلم.. فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد الأسدى أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال -صلى الله عليه وسلم-: «استفت قلبك واستفت نفسك.. البر ما اطمأنت إليه النفس.. والإثم ما حاك فى صدرك وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك».

كما أخرج الإمام أحمد بإسناد جيد عن أبى ثعلبة الخشنى أنه قال:قلت يا رسول الله.. أخبرنى ما يحل لى وما يحرم علي؟ فصعد النبى -صلى الله عليه وسلم- وصوب فى النظر.. فقال صلى الله عليه وسلم:» البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون».

يطل علينا سعد الهلالى كمجتهد كبير فى هذا العصر الذى سيطر عليه الصغار وتصدروا الساحة تماما.. يضع نصب عينيه مصلحة الناس، وهو منهج يعمل به الكبار فقط، كان الإمام المراغى شيخ الأزهر يقول:» آتونى بما ينفع الناس.. آتيكم عليه بدليل من القرآن».

والمعنى واضح وراق جدا.. فمصالح الناس هى الأولى والمقدمة على كل شيء.. فما يفيد الناس مؤكد أن الله دل عليه وشرعه، فلا يمكن أن يكون هناك فى كتاب الله ما يتعارض مع مصلحة الناس.. ولذلك فكل ما يكتبه الهلالى يراعى فيه التيسير على المسلمين.. وهو ما يحبب الناس فى دينهم.

لم يفعل الرجل إلا الخير إذن.. لكن هناك من لا يبحثون إلا عن مصالحهم الخاصة.. وأرصدتهم فى البنوك.. وما يملكونه من أراض وعقارات.. ولتذهب مصالح الناس إلى الجحيم.. ولذلك فهؤلاء ينهشون لحمه ويريدون أن يطحنوا عظامه.

كان العرب قديما يشعلون النار أربعين يوما عندما يظهر بينهم شاعر.. ونحن بيننا الدكتور الهلالى مجتهد عظيم وعالم مجدد.. لا أقول نشعل له نارا أربعين يوما.. ولكن على الأقل نحفظه فى قلوبنا ونحميه بأقلامنا ولا نتركه لكهنة الدين يقصونه بعيدا.. فالإسلام فى حاجة لمن هم فى رجاحة عقل سعد الهلالي.. وليس فى حاجة لمن يبيعونه كل يوم من أجل حفنة من الجنيهات.. فبئس البائع وبئس المشترى وبئس الثمن.


قضية إسلام الزوجين أو أحدهما مع بقاء الآخر على دينه وإن كانت من القضايا الفقهية القديمة، إلا أن المعطيات المعاصرة قد جددت بحثها، وأفرز ذلك عن ميلاد وجه فقهى مخالف للأوجه الفقهية المختلفة، يرى صاحبه بقاء الزوجة التامة حتى مع إسلام الزوجة دون الزوج، ونرى أن الأولى بالاختيار هو ما ذهب إليه ابن تيمية وابن القيم من بقاء عقد الزوجية موقوفا على إسلام الزوج استنقاذا للزوجة من الفتنة، ويجوز للزوجة المسلمة فى حال الضرورة أن تبقى فى عصمة زوجها الذى بقى على دينه حتى يقضى الله لها أمرا مفعولا، وصدق الله حيث يقول: «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم».







مصالح الناس هى الأولى والمقدمة على كل شىء.. فما يفيد الناس مؤكد أن الله دل عليه وشرعه



خروج المرأة للعمل

الاحتفال بأعياد الميلاد الخاصة

هناك اختلاف بين الفقهاء المعاصرين فى حكم خروج المرأة إلى العمل بسبب اختلافهم فى وظيفة المرأة الأساسية، هل هى رعاية البيت خاصة أم هى المشاركة مع الرجل فى إعمار الحياة، وأما بناء البيت فهو وظيفة مشتركة بين الزوجين، واختلافهم فيما عساه يحدث من خروج المرأة للعمل بصفة جماعية.

فمن كان يرى المفاسد بخروجها قال بتحريمه، ومن كان يرى المصالح هى الغالبة من خروجها قال بجواز خروجها للعمل.

وأرى رجحان ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الثانى القائلين بجواز خروج المرأة للعمل بضوابط شرعية عامة لقوة أدلتهم، ولأنه تصحيح لوضع المرأة فى المجتمع الإسلامى بعد أن حكمت عليها الأعراف الجاهلة قرونا بالانسحاب من الحياة العامة وواجب الإعمار الشرعى، وأما رعاية البيت وبناؤه فهى مسئولية مشتركة بين الزوجين، وقد أثبتت التجربة العملية فساد ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول المانعون من خروج المرأة للعمل.

استحدث الناس أسماء لأيام اجتماعية تذكرهم بالحقوق والواجبات مثل أعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية كعيد الأم وعيد العمال، وتخرجهم من رتابة الحياة إلى التجديد الذى يعينهم على رسالتهم الإعمارية، وهو ما أدخل الفقهاء فى خلاف فقهى بسبب تسمية هذه الأيام أعيادا، وبسبب ما يخالطها من ممارسات ترفيهية محظورة، ونرى أن الاتجاه الذى يرى مشروعية الاحتفال بأعياد الميلاد هو الأولى بالاختيار لقوة أدلته، ولأن فيه متنفسا للناس يعينهم على الطاعة والإعمار، وعملا باليسر الذى تتسم به الشريعة، فصدق الله حيث قال: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج».. ويقول سبحانه « يريد الله يكم اليسر ولا يريد بكم العسر».

آراء الدكتور سعد الهلالى من كتابه «الثلاثون فى القضايا الفقهية الاجتماعية المعاصرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.