رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد افتتاح مبنى خدمات ومكتبة كنيسة المقطم.. صور    آخر تحديث: سعر الدولار صباح تعاملات اليوم الخميس 25 أبريل 2024 في مصر    تطبيق التوقيت الصيفي في مصر 2024: خطوات تغيير الساعة وموعد البدء    تأثير حملة "خلّوها تعفن" على أسعار الأسماك واللحوم في مصر    محافظ الغربية يتابع الموقف التنفيذي لكورنيش المحلة الجديد    تراجع إنتاج السيارات في المملكة المتحدة خلال مارس الماضي    حماس تبدي استعدادها لإلقاء السلاح في حالة واحدة فقط    الدفاع المدني الفلسطيني: الاحتلال دفن 20 شخصا على الأقل بمجمع ناصر وهم أحياء    الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بأطفيح    مسلسل البيت بيتي 2.. تفاصيل العرض ومواعيد الحلقات على منصة شاهد VIP    الرئيس السيسي: سيناء تشهد جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة    شوشة عن إنجازات سيناء الجديدة: مَنْ سمع ليس كمَنْ رأى    البحرية البريطانية: بلاغ عن حادث بحري جنوبي غرب عدن اليمنية    الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء "الأونروا" في دعم جهود الإغاثة للفلسطينيين    مواعيد مباريات الخميس 25 إبريل - الأهلي والزمالك في بطولة إفريقيا لليد.. ومواجهة صعبة لمانشستر سيتي    صباحك أوروبي.. بقاء تشافي.. كذبة أنشيلوتي.. واعتراف رانجنيك    مفاجأة غير سارة لجماهير الأهلي قبل مواجهة مازيمبي    الأهلي يصطدم بالترجي التونسي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    "أبو زعبل للصناعات الهندسية" تكرم المحالين للمعاش    التريلا دخلت في الميكروباص.. 10 مصابين في حادث على صحراوي البحيرة    مصرع وإصابة 10 أشخاص إثر تصادم سيارتين في البحيرة    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    اليوم.. حفل افتتاح الدورة ال 10 لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    وزير التعليم العالي: تعزيز التعاون بين منظومة المستشفيات الجامعية والتابعة للصحة لتحسين جودة الخدمات    التحقيق في سقوط سيارة من أعلى كوبرى روض الفرج    الشواطئ العامة تجذب العائلات في الغردقة هربا من الحر.. والدخول ب20 جنيها    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بمحاور القاهرة والجيزة    بعثة الزمالك تغادر مطار القاهرة استعدادا للسفر إلي غانا لمواجهة دريمز    فرج عامر: لم نفكر في صفقات سموحة حتى الآن.. والأخطاء الدفاعية وراء خسارة العديد من المباريات    انقطاع مياه الشرب عن منشية البكري و5 مناطق رئيسية بالقاهرة غدًا    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ أعمال البنية الفوقية لمشروع محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هل يوجد فرق بين صلاتي الاستخارة والحاجة؟ أمين دار الإفتاء يوضح    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الصحة: 3.5 مليار جنيه لإنجاز 35 مشروعا خلال 10 سنوات في سيناء    حبس المتهم بإنهاء حياة شخص بسبب الخلاف على المخدرات بالقليوبية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    مشاجرات خلال اعتقال الشرطة الأمريكية لبعض طلاب الجامعة بتكساس الرافضين عدوان الاحتلال    المنيا.. السيطرة على حريق بمخزن أجهزة كهربائية بملوى دون خسائر في الأرواح    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    تقسيط 30 عاما.. محافظ شمال سيناء يكشف مفاجأة عن أسعار الوحدات السكنية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعبد الله بعقلك.. وتقرب إليه باجتهادك
نشر في الفجر يوم 16 - 01 - 2012

يواجه تجار الفتوى.. وينهى عصر احتكار الدين فى الفضائيات الوهابية
سعد الهلالى
اعبد الله بعقلك.. وتقرب إليه باجتهادك


الزواج من إسرائيليات

الخروج إلى المصايف الساحلية

أفرزت المتغيرات التاريخية السياسية والعسكرية فى الصراع العربى الإسرائيلى قضية اجتماعية خطيرة وهى الزواج من الإسرائيليين والإسرائيليات، ويتضح من اختلاف وتعدد الرؤى الفقهية المستوعبة للأوجه الأصولية والمنطقية والفطرية المختلفة، والدالة على سعة الشريعة ويسرها، ليتبصر بهذه السعة أولو الأمر من أهل الحل والعقد فى المجالس النيابية والمؤسسات المدنية والتنفيذية، فيختارون منها اتجاها واحدا يعبر عن الأغلبية، ويكون ملزما للجميع، لكون القضية عامة تمس المجتمع بتاريخه ومستقبله، وإن بدت فى ظاهر الأمر حالة شخصية، ولا يكون اختيار الأغلبية ملزما إلا على الجيل الذى اختار، فإن جاء جيل آخر فله حق التجديد أو التغيير، لأن سعة الشريعة ويسرها يمتدان فى كل زمان ومكان.

وإذا كانت وظيفة الفقيه هى إبانة الأوجه الشرعية المحتملة فى القضية من باب الأمانة العلمية، إلا أن من حقه الاختيار كسائر المكلفين، وأرى أن الاتجاه المانع من الزواج من الإسرائيليين والإسرائيليات هو الأولى بالاختيار على الأقل فى المستقبل المنظور انتصارا للكرامة والعزة المغتصبين حتى يبعث الله من يزيحهم أو يطوعهم للحق.

وعلى المسلمين الذين تزوجوا من الإسرائيليين والإسرائيليات أن يعلنوا الفراق بالطلاق، ويثوبوا إلى رشدهم بالعودة إلى بلادهم أو الهجرة لأى دولة أخرى غير ظالمة يرون فيها الأمان وسعة الرزق والحرية فى ممارسة الشعائر الدينية، وأما زواج عرب 48 بعضهم من بعض فتلك من مقتضيات الضرورة.

أدى تطور الأعراف إلى ظهور قضايا فقهية اجتماعية جديدة لم يكن لها من قبل وجود، ومن ذلك قضية الاصطياف فى المدن الساحلية، وقد رأينا اختلاف الفقهاء المعاصرين فى حكمها بحسب نظر بعضهم إلى الاحتياط فى الدين والبعد عن مخالطة المعصية.

ونظر بعضهم إلى عدم تحريم ما أحل الله فى الأصل، وأن من يطلب الحلال لا يؤاخذ عما يقع من محظور عمت به البلوى، وإلا فلن يهنأ بحلال غالبا.

وأرى اختيار الاتجاه الثانى الذى يرى مشروعية الاصطياف فى المدن الساحلية للاستحمام أو الاستجمام أو الترفه أو التجارة بالضوابط الشرعية العامة لقوة أدلتهم، ولأن مصالح الناس المتمثلة فى رعاية الأطفال والأسر من عناء نظام الدراسة المتعب وغيره، لن تقوم باعتزال تلك المدن الساحلية، فقد استقر الإجماع على مشروعية الهجرة والسفر إلى بلاد الغرب وأمريكا وفيها من الفسوق ما ليس فى تلك المدن الساحلية من بلاد المسلمين، ثم إن تغيير المنكر فيها يكون بالقدوة الحسنة من التزام المسلمين والمسلمات بالضوابط الشرعية، وقد أثمر ذلك عن انتشار ملابس نزول البحر الشرعية للنساء، والبقية من الإصلاح تأتى بالحكمة والموعظة الحسنة.


الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم



بقاء الزوجة المسلمة مع زوجها غير المسلم

اختلف الفقهاء المعاصرون فى حكم احتفال المسلمين بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم فى الجانب الاجتماعى وليس فى الجانب الدينى، بسبب شبهة اختلاط الاجتماعى والدينى، ولعدم ثبوت مشاركة النبى صلى الله عليه وسلم غير المسلمين فى أعيادهم، ونرى أن الاتجاه الذى يرى مشروعية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وعيد شم النسيم احتفالا اجتماعيا إذا لم يخالطه محظور هو الأولى بالاختيار، لقوة أدلتهم.

ولأنه فى مثل هذه الاحتفالات متنفس للناس يعينهم على الطاعة والإعمار، فقد أخرج مسلم عن حنظلة الأسيدى وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه دخل على رسول الله يقول: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال: وما ذلك؟، قال: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا نراهما رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله : «والذى نفسى بيده لو تدومون على ما تكونون عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة فى فرشكم وطرقكم.. ولكن يا حنظلة ساعة وساعة».

« من فرط تواضعه ستكتشف أن من يقدمون لنا أنفسهم على أنهم دعاة إلى الله ليسوا إلا مدعين.. من فرط علمه ستتأكد أن من يلقون فى وجوهنا بغثائهم ليسوا إلا تلاميذ على أول الطريق.. من فرط تسامحه ستضع يدك على مدى قسوة وغلظة من يتحدثون عن سماحة الإسلام وهم لا يعرفون عنه شيئًا.. ومن فرط حديثه عن العقل تعرف أنه لن يسلم ممن أرادوا أن يستعمروا عقول المسلمين حتى يستحلوا أموالهم ويستبيحوا حياتهم باسم الدين».

إنه الدكتور سعد الدين مسعد هلالي.. والذى يعرفه الإعلام باسم «سعد الهلالي» أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.. لا يهتم كثيرا بأن يدبج سيرة ذاتية ضخمة على أغلفة كتبه، يقدم نفسه ببساطة لقرائه ولمن يريدون أن يسمعوا إليه.

شغل الرجل منصب عميد كليتى الدراسات الإسلامية والعربية بدمياط وأسوان.. وعمل فى الكويت رئيسا لقسم فقه الأصول بكلية الشريعة هناك، ومن الجوائز التى حصل عليها، جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى فى العام 2003، وجائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت فى العام 2005، وفى العام 2006 حصل على جائزة الدولة التشجيعية هنا فى مصر.

للدكتور سعد الهلالى عدة كتب مطبوعة.. ليست مشهورة لكنها مهمة ويعرفها جيدا من يهتمون بالعلم ولا ينشغلون بقشوره، منها البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية، وحقوق الإنسان فى الإسلام، والجانب الفقهى والتشريعى للاستنساخ، وقضية المسنين المعاصرة وأحكامهم الخاصة، والثلاثون فى القضايا الفقهية المعاصرة.

هذه معلومات يمكن أن تعطى إشارات محددة عن الرجل.. لكنها بأى حال من الأحوال لا يمكن أن تقول لنا من هو، ولأن المواقف هى التى تعرض لنا حقائق الرجال.. فقد اقتربنا من الرجل أكثر بعد أزمته الأخيرة على هامش رأيه فى البيرة، وهو الرأى الذى تاجر به الكثيرون دون أن يتوقفوا أمام المنهج الذى يعمل به الهلالي.

القضية تفجرت فى برنامج عمرو أديب القاهرة اليوم، قال الهلالي: «إن البيرة المصنوعة من الشعير والخمر المصنوع من التمر والنبيذ من غير العنب، فإنه يحرم الكثير منه، أما القليل الذى لا يسكر فإن تناوله حلال، طالما أنه لا يسبب حالة من السكر وذهاب أو غياب العقل».

الهلالى لم يقل رأيه على إطلاقه، بل أكد أن ما يقوله هذا هو رأى الإمام أبو حنيفة النعمان، ومدون فى كتبه منذ قرون، لكن المشكلة تكمن فى عدم القراءة، فالخمر الذى أخذ من عصير العنب فهو حرام على إطلاقه، إذا شربه أدى إلى السكر، أما الخمر الذى يستخرج من التمر ويشرب ما دام أنه لم يسكر فليس حراما.

لم يخش الدكتور الهلالى من إعلان رأيه.. عرف أن عاصفة من الهجوم ستنفجر فى وجهه، لكنه تمسك بمنهجه، قال إن كل ما قاله إنما هو كلام موجود فى كتب الإمام أبى حنيفة، وهى كتب ومناهج يدرسها طلاب الأزهر الشريف، فكما يقول القرآن الكريم «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».. وأبو حنيفة رغما عن الجميع من أهل الذكر.

وقبل أن يقول الدكتور الهلالى كلمته ويمضى مخلفا وراءه عاصفة من الاعتراضات قال: «إن مذهب الإمام أبى حنيفة سيذهب إليه من يحب شرب الخمر، فإذا شرب ولم يسكر فليس عليه أى مشكلة، طالما أن الكمية التى يشربها المسكر لم تغيب عقله ولم تجعله سكران».

ما الذى فعله الدكتور سعد الهلالى بكلامه هذا ؟

لقد أشعل الرجل النار فى عقول الجميع.. خرج عليه من يكرهون منهجه ليهاجموه ويلعنوه ويتهموه بأنه يحلل ما حرم الله.. وليس بعيدا أن يتهمه بعضهم بأنه يزدرى الدين الإسلامي.

حتى نضع الأمر فى سياقه.. وحتى نفهم ما يقوم به الهلالي، فعلينا أن نلتفت إلى تخصصه الدقيق فى جامعة الأزهر وهو الفقه المقارن، فالرجل تخصص فقه حنفى يدرسه لطلابه.. ويدرس لهم كذلك مذاهب الفقه الأخرى ( مالك والشافعى وابن حنبل ) ويعرف بدقة الفروق بينها.. ما الذى يجيزه هذا وما الذى يرفضه ذاك.

وهنا يمكن لنا أن نحدد ملامح منهج الدكتور الهلالى فى نقاط محددة:

أولا: يفرق الدكتور الهلالى بين العلم والفتوي.. فالعلم عنده أن يقوم باستعراض جميع الآراء الفقهية فى القضية الواحدة.. فمن بين سمات الفقه الإسلامى أن هناك اختلافات واضحة بين الفقهاء.. وهى اختلافات من باب الرحمة.. ولأنه عالم فى مجاله، فهو يعرف هذه الاختلافات الدقيقة، ويعرف سبب هذه الاختلافات أيضا.. فكل فقيه نسج مذهبه فى ظروف معينة ومختلفة.

أما الفتوى فهى تأخذ برأى واحد على الترجيح.. بشرط أن يكون المفتى ملتزما بتطبيق هذا الرأى على نفسه أولا.. وليس للمفتى أن يأخد بالأصعب فى المسألة الفقهية.. بل عليه أن يلجأ إلى ما يسهل حياة الناس عليهم وييسرها لهم.. لا ما يعقدها ويضيقها.

الهلالى بهذا المعنى ليس مفتيا ولكنه عالم، يضع أمامه من يستمعون إليه فى جميع الآراء الفقهية فى القضية الواحدة، ثم يميل بهم إلى ما يرى أنه فى مصلحة الناس ويتناسب مع المجتمع الذى نعيش فيه.

وهو ما فعله فى قضية البيرة، ففعليا لم يحلل الهلالى ولم يحرم، ولكنه وضع آراء الفقهاء أمام الناس، فالفقهاء الثلاثة مالك والشافعى وابن حنبل يحرمون الخمر ما قل منها وما كثر، حتى لو كان ما قل هذا غير مسكر، لكن أبو حنيفة مال إلى أن ما لم يسكر قليله فهو حلال، مع تحريمه لكل الخمور التى تأتى من العنب.

لم يقل الهلالى شيئًا إذن من عنده، ولكنه أبزر رأى أبى حنيفة الذى كان مخبوءا فى بطون الكتب، وذلك بصفته عالمًا، أما بصفته مفتيًا ورغم أنه حنفى إلا أنه لا يميل إلى أن تكون البيرة حلال، لأنه لا يشربها، ويرى أن شربها غير مناسب على الإطلاق مع السياق الإسلامى الذى نعيش فيه، أما إذا أراد أحد أن يشربها وكان سياقه الذى يعيش فيه يسمح له بذلك.. فهى حلال بالنسبة له مادامت لا تسكره.

ثانيا: يدخلنا هذا فى الملمح الثانى مباشرة من ملامح منهج الهلالي، فهو لا يريد أن يستعبد المسلمين بعلمه، بل يريد أن تكون لهم القدرة على الاختيار بين الآراء الفقهية بعد أن يتعرفوا عليها، لا يريدهم أن يتبعوا شيخا بعينه ويقدسوا كلامه، ويعتبروه معصوما من الخطأ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يفعلون ما يقوله لهم كأنه قرآن يتلى عليهم من السماء.

يريد الدكتور الهلالى أن يحرر العقل المسلم من تبعيته المطلقة لمن يستحلون ماله باسم الدين، وقد يكون هذا تحديدا السبب المباشر فى هجوم دعاة قناة الناس وغيرها من القنوات الفضائية السلفية الوهابية عليه، فهم ينهى سيطرتهم على الناس، إنهم يجلسون أمام الكاميرات كأن الوحى يلقى عليهم من فورهم.

ينهى الهلالى بذلك حالة التجارة بالدين المستمرة منذ سنوات، وقد ألمح هو إلى ذلك عندما تحدث مع عمرو الليثى فى برنامجه 90 دقيقة.. قال له: إن هناك من يريد أن يسكت سعد الهلالى إلى الأبد.. لكنى لن أسكت.

لم يبالغ الهلالى بالطبع.. فهناك من يريد له أن يصمت، لأنه يكشفهم.. فالرجل الذى يحرر المسلمين من عبودية الأئمة والدعاة وتجار الدين لابد أن يختفي، وإلا فإن بضاعتهم جميعا ستبور.

ثالثا: تحرير المسلمين من عبودية المشايخ ليس وحده ما يريده الهلالي، إنه يريد من المسلم أن يتعبد إلى الله بما يراه صحيحا.. فإنه لا يعبد المشايخ.. ولكن يعبد الله وحده، ولذلك فإن الهلالى يعلى من شأن ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أن « الإثم ما حاك فى صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس».. هذا معيار حقيقى يمكن أن يحتكم إليه الإنسان فى أعماله.. بعدها لا يكون فى حاجة لأن يستفتى أحدا.. أو على الأقل سيسعى إلى معرفة الآراء المختلفة فى مسألة واحدة ثم يختار منها ما يصلح له ويرى أنه يقربه إلى الله.

ما أقوله استنتاجا عن منهج الدكتور الهلالى فى التفكير.. يؤكده ما قاله فى مقدمة كتابه المهم «الثلاثون فى القضايا الفقهية الاجتماعية المعاصرة» وهو كتاب صدر فى طبعة شعبية عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

يقول الهلالي: «سلكت منهجا موحدا فى تناول القضايا الاجتماعية المعاصرة، حيث قدمت لكل قضية بما يجمع تعريفها ونشأتها وأهميتها وتحرير محل النزاع فيها، ثم أوجزت الاتجاهات الفقهية الواردة والمحتملة فيها، مع بيان أدلتها، والأعذار الفقهية لهذا الخلاف، وقد انتهيت إلى بيان الاتجاه المختار عندى عندما تتضح الرؤية الفقهية بما يستوجب النصح بها، حتى أساعد فى إرساء مقاصد الشريعة من دفع المفاسد، وجلب المصالح بمنهج اليسر ورفع الحرج عن الناس».

ويضيف الهلالى فى تبيان منهجه: «وكثيرا ما كنت أترك الاختيار من بين تلك الاتجاهات الفقهية المحتملة إلى القارئ الكريم، اتباعا لسياسة النهاية المفتوحة، وذلك فى المسائل التى لا تزال فى حاجة إلى مناقشة وحشد للرأى العام نظرا لتداخل المصالح والمفاسد فيها بما يستلزم الاستعانة بعقول الآخرين، والتعرف على اختياراتهم، خاصة أنهم فى مأمن شرعى حيثما كان اختيارهم، لأن كل اتجاه فى الفقه يجوز العمل به فى ذاته شرعا طالما استوفى شرائط الاستنباط، وصدر ممن تقرهم الأمة على ممارسة الاجتهاد».

يستند الهلالى فى هذا المنهج إلى هدى الرسول صلى الله عليه وسلم.. فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد الأسدى أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال -صلى الله عليه وسلم-: «استفت قلبك واستفت نفسك.. البر ما اطمأنت إليه النفس.. والإثم ما حاك فى صدرك وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك».

كما أخرج الإمام أحمد بإسناد جيد عن أبى ثعلبة الخشنى أنه قال:قلت يا رسول الله.. أخبرنى ما يحل لى وما يحرم علي؟ فصعد النبى -صلى الله عليه وسلم- وصوب فى النظر.. فقال صلى الله عليه وسلم:» البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون».

يطل علينا سعد الهلالى كمجتهد كبير فى هذا العصر الذى سيطر عليه الصغار وتصدروا الساحة تماما.. يضع نصب عينيه مصلحة الناس، وهو منهج يعمل به الكبار فقط، كان الإمام المراغى شيخ الأزهر يقول:» آتونى بما ينفع الناس.. آتيكم عليه بدليل من القرآن».

والمعنى واضح وراق جدا.. فمصالح الناس هى الأولى والمقدمة على كل شيء.. فما يفيد الناس مؤكد أن الله دل عليه وشرعه، فلا يمكن أن يكون هناك فى كتاب الله ما يتعارض مع مصلحة الناس.. ولذلك فكل ما يكتبه الهلالى يراعى فيه التيسير على المسلمين.. وهو ما يحبب الناس فى دينهم.

لم يفعل الرجل إلا الخير إذن.. لكن هناك من لا يبحثون إلا عن مصالحهم الخاصة.. وأرصدتهم فى البنوك.. وما يملكونه من أراض وعقارات.. ولتذهب مصالح الناس إلى الجحيم.. ولذلك فهؤلاء ينهشون لحمه ويريدون أن يطحنوا عظامه.

كان العرب قديما يشعلون النار أربعين يوما عندما يظهر بينهم شاعر.. ونحن بيننا الدكتور الهلالى مجتهد عظيم وعالم مجدد.. لا أقول نشعل له نارا أربعين يوما.. ولكن على الأقل نحفظه فى قلوبنا ونحميه بأقلامنا ولا نتركه لكهنة الدين يقصونه بعيدا.. فالإسلام فى حاجة لمن هم فى رجاحة عقل سعد الهلالي.. وليس فى حاجة لمن يبيعونه كل يوم من أجل حفنة من الجنيهات.. فبئس البائع وبئس المشترى وبئس الثمن.


قضية إسلام الزوجين أو أحدهما مع بقاء الآخر على دينه وإن كانت من القضايا الفقهية القديمة، إلا أن المعطيات المعاصرة قد جددت بحثها، وأفرز ذلك عن ميلاد وجه فقهى مخالف للأوجه الفقهية المختلفة، يرى صاحبه بقاء الزوجة التامة حتى مع إسلام الزوجة دون الزوج، ونرى أن الأولى بالاختيار هو ما ذهب إليه ابن تيمية وابن القيم من بقاء عقد الزوجية موقوفا على إسلام الزوج استنقاذا للزوجة من الفتنة، ويجوز للزوجة المسلمة فى حال الضرورة أن تبقى فى عصمة زوجها الذى بقى على دينه حتى يقضى الله لها أمرا مفعولا، وصدق الله حيث يقول: «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم».







مصالح الناس هى الأولى والمقدمة على كل شىء.. فما يفيد الناس مؤكد أن الله دل عليه وشرعه



خروج المرأة للعمل

الاحتفال بأعياد الميلاد الخاصة

هناك اختلاف بين الفقهاء المعاصرين فى حكم خروج المرأة إلى العمل بسبب اختلافهم فى وظيفة المرأة الأساسية، هل هى رعاية البيت خاصة أم هى المشاركة مع الرجل فى إعمار الحياة، وأما بناء البيت فهو وظيفة مشتركة بين الزوجين، واختلافهم فيما عساه يحدث من خروج المرأة للعمل بصفة جماعية.

فمن كان يرى المفاسد بخروجها قال بتحريمه، ومن كان يرى المصالح هى الغالبة من خروجها قال بجواز خروجها للعمل.

وأرى رجحان ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الثانى القائلين بجواز خروج المرأة للعمل بضوابط شرعية عامة لقوة أدلتهم، ولأنه تصحيح لوضع المرأة فى المجتمع الإسلامى بعد أن حكمت عليها الأعراف الجاهلة قرونا بالانسحاب من الحياة العامة وواجب الإعمار الشرعى، وأما رعاية البيت وبناؤه فهى مسئولية مشتركة بين الزوجين، وقد أثبتت التجربة العملية فساد ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول المانعون من خروج المرأة للعمل.

استحدث الناس أسماء لأيام اجتماعية تذكرهم بالحقوق والواجبات مثل أعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية كعيد الأم وعيد العمال، وتخرجهم من رتابة الحياة إلى التجديد الذى يعينهم على رسالتهم الإعمارية، وهو ما أدخل الفقهاء فى خلاف فقهى بسبب تسمية هذه الأيام أعيادا، وبسبب ما يخالطها من ممارسات ترفيهية محظورة، ونرى أن الاتجاه الذى يرى مشروعية الاحتفال بأعياد الميلاد هو الأولى بالاختيار لقوة أدلته، ولأن فيه متنفسا للناس يعينهم على الطاعة والإعمار، وعملا باليسر الذى تتسم به الشريعة، فصدق الله حيث قال: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج».. ويقول سبحانه « يريد الله يكم اليسر ولا يريد بكم العسر».

آراء الدكتور سعد الهلالى من كتابه «الثلاثون فى القضايا الفقهية الاجتماعية المعاصرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.