انقسمت مصر إلى دولتين، الأولى هى دولة الشارع العادى والرجل البسيط الذى لا يهمه سوى قوت يومه والأمن فى البيت والشارع وكل مكان ولا مانع من الاستمتاع بنسمات الحرية وبعض من الأغانى الوطنية، ولا بأس من زيارة لميدان التحرير والمشاركة فى بعض الهتافات أو جمعات التحرير على مختلف مسمياتها، لكن فى النهاية هو يرغب فى الشعور بالأمان والاطمئنان وأن يعود فى آخر النهار لينام هادئاً مستقراً فى بيته آمناً من كل شر، وهؤلاء هم الغالبية العظمى وأغلبيتهم أيد الثورة
وناصرها وتوقع منها انخفاض الأسعار وتوافر فرص العمل وفتح أبوب الرزق وإتاحة السفر للعمل بالخارج والخير الكثير عليه وعلى أقرانه وذويه، ورغم أن انتظاره طال إلا أنه مازال لديه اليقين من أن الأمور
ستستقيم يوماً ما قد يكون قريباً لذلك فهو يعيش على الأمل حتى الآن، أحياناً يغضب ويثور وأحياناً أخرى يتذرع بالصبر والهدوء إلا أنه دائماً وأبداً يمنى النفس بأن الحال سينصلح وأن الأمن سيعود وأن أبواب الرزق ستفتح من جديد، لذلك فهو رغماً عن كل شيء تراه مبتسماً فى الشارع يقابلك بالترحاب يناقشك فى أدب واحترام يعبر لك عن إعجابه الشديد ويطلب منك المزيد لا يخرج عن النص معك فى الحوار إلا نادراً رغم أن ثقافته محدودة إلا أن أصله يغلب عليه فى الحوار فلا تسمع منه لفظاً جارحاً أو خارجاً على الاطلاق.. يختلف معك بكل الاحترام ولديه الاستعداد أن يستمع إليك ويقتنع بوجهة نظرك أو يقنعك هو بما لديه من أسانيد لكن دائماً وأبداً بحب وأصالة ابن البلد لدرجة أنه غالباً فى نهاية حديثه معك لا يتركك إلا بعد أن تلبى دعوته ولو حتى على كوب ماء، وهؤلاء يمثلون الغالبية العظمى من الشعب المصرى الطيب.. أما الدولة الثانية فهى دولة المواقع وأخبارها وما يترتب عليها من تعليقات من مجموعة غالباً لا تتغير أو تتبدل تلف وتدور حول معظم المواقع وبطريقتهم الخاصة قسموا مصر إلى أحزاب وشيع وتيارات وائتلافات، فابتدعوا لنا أسماء ومسميات وصنفوا الناس إلى فلول وأحزاب وثورة مضادة وحصلوا على توكيل مصر لأنفسهم فقط لا غير وابتدعوا تعليقات لا وجود لها فى أى مكان آخر وزادوا على ذلك بأن جعلوا السب بالأم والأب عادى جداً، بل إن بعضهم يصل إلى أحط أنواع السباب وبدلاً من أن نستفيد من هذه الظاهرة الجديدة الجميلة عبر المواقع والفيس بوك كما يقولون تحولت أحياناً إلى وصلات للردح والقدح بأسوأ الألفاظ، والغريب والعجيب أن كثيراً من المواقع لا يهمها من قريب أو من بعيد أن تحافظ على سمعتها واسمها لدرجة أنها تسمح بالخوض فى الأعراض ونزول أقذع أنواع السباب من أصحاب الدولة الجدد والذين صدقوا بالفعل أنهم يحملون توكيل البلاد فأشاعوا الفوضى فى معظم المواقع بتعليقاتهم غير المقبولة على الاطلاق وكأنهم مصممون على أن يكون الرأى رأيهم والكلمة كلمتهم، فهم يطالبون بالحرية والديمقراطية والاستماع إلى الرأى الآخر، لكن وبكل أسف لا يقبلون بل ولا يسمعون إلا صوتهم ورأيهم فقط، وهم أيضاً يعتقدون أنهم بهذا الأسلوب سيفرضون كلمتهم وسطوتهم على الجميع وهو أمر بعيد المنال لأنهم ليسوا فقط المصريين وأرجو ألا يصدقوا أنهم بالفعل حصلوا على توكيل لإدارة البلاد وتم توثيقه فى ميادين المواقع والفيس بوك.. وفى النهاية لن يصح إلا الصحيح مع اعتزازى الشديد لعدد لا بأس به من المعلقين المحترمين.