مستقبل مصر من 2011 حتى2020 فى تقري للاتحاد الأوروبى قرب نهاية العام، صدر تقرير موجه للاتحاد الأوروبى حمل عنوان «2020: مستقبل الأمن والسياسة فى دول جنوب المتوسط».. كان التقرير يحاول أن يقرأ مستقبل دول الربيع العربى : مصر وتونس وليبيا، وما حولها من دول تؤثر على دول الاتحاد الأوروبى حتى لو لم تتأثر به.. وكانت النتائج التى توصل إليها ترسم مستقبلا غير واضح المعالم.. زائغ البصر.. قلقا.. لا يمكن لأى طرف من أطراف اللعبة السياسية المصرية، أن يطمئن إليه.. إلا لو كان راغبا فى خداع نفسه.. أو كان غائب الضمير.
عشرة أعوام من المجهول
تقترب الثورة المصرية من إتمام عامها الأول.. لكن، لا يبدو أن مصر تقترب من نهاية سعيدة قريبا.. الواقع أن أحدا لا يمكنه التنبؤ بما يمكن أن يحدث فى مصر فى السنوات العشر المقبلة على الأقل.
ظهرت قوى سياسية جديدة على السطح مثل الإسلاميين.. بعد أن كانوا طيلة عهد مبارك يعملون تحت الأرض.. وعادت قوى قديمة لتحتل قمة السلطة فى البلاد، كما حدث مع المؤسسة العسكرية.. بينما مازال التحرير يشكل قوته التى تخفت حينا، وتندلع مثل نيران حارقة فى حالات أخري.. وكل هذه القوى فى صراعها مع بعضها تصل بالبلاد إلى المجهول.
كانت الأسئلة التى يبحث لها تقرير الاتحاد الأوروبى عن إجابة، تدور فى معظمها حول مستقبل مصر السياسى بعد نجاح الإخوان والسلفيين الكاسح فى الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة، على الرغم من أنهم لم يكونوا من القوى الأولى المحركة لها.. أسئلة قد تحسم مستقبل مصر مثل: هل يمكن أن تستمر قوى الثورة المنادية بالحرية والعدالة الاجتماعية فى مسيرتها؟ أم تعطلها قوى لا ترضى عن الثورة منذ البداية، ولا تحب أن تقترب منها رائحة التغيير؟.. هل يمكن ان تذوب القوى الإسلامية، مثل السلفيين والإخوان فى العملية الديمقراطية الجديدة؟.. هل يمكن أن يكيفوا أنفسهم على قبول الآخر حتى وإن كان مختلفا معهم؟.. أو يصبحوا خطرا على الديمقراطية وأكثر شراسة من قوى النظام القديم؟.
الواقع، أن قراءة خريطة المشهد السياسى الحالى فى مصر توحى أن أمامها سيناريوهين، لا ثالث لهما غالبا: إما أن تصبح دولة أكثر استقراراً وأمنا فى نهاية التحول الديمقراطى الذى تمر به حاليا، أو أن يتحول التغيير السياسى الذى حدث فيها إلى ما يشبه فتيل القنبلة، انتزع دون إنذار وتفجر دون مقدمات، لتتفجر معه ثقافة التطرف السياسى وتصدير الإرهاب إلى دول أخرى بسبب انتشار الأفكار المتطرفة.. وزيادة تهريب الأسلحة منها وإليها.. واستخدامها فى الصراعات الداخلية.. وزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية من البلاد بسبب تدهور أحوالها.
زيادة قوة المواطن العادي
فى مصر، صار للرأى العام ثقل وتأثير فى سير الأمور.. وصار المواطن العادى لاعبا قويا على الساحة السياسية، لذلك، فأغلب الظن أن الشارع المصرى لن يعود ليقف فى موقف المتفرج.. ولا للسلبية التى اشتهر بها فى عهد مبارك.. لقد عرف الشارع حجم قوته وتأثيره، ولن يتخلى عن ذلك بسهولة فى السنوات القادمة.
العكس هو ما سيحدث، فأيا ما كان نوع الحكومة التى ستأتى لحكم مصر.. وأيا ما كانت توجهاتها الدينية أو السياسية، فالمؤكد أن الشارع سيمارس عليها نوعا من الرقابة الشعبية اللصيقة والدقيقة التى لا يمكن أن تترك أيا من تصرفات وسياسات الحكومة دون تعليق.
سيكون من الضرورى على الحكومة القادمة لمصر.. وعلى مؤسساتها ومجلس شعبها ورئيسها، أن يضعوا احتياجات الشعب.. ومطالب كل طوائفه على قمة أولوياتها، أو سيتحرك المواطن العادى ضدها بالضغط من خلال المظاهرات والإضرابات وغيرها من أشكال الاحتجاج التى صار المواطن العادى معتادا عليها للتعبير عن رأيه.. من أجل الحفاظ على مكتسبات الثورة التى حصل عليها.. ومهما كان الشكل الذى يمكن أن تصل إليه هذه الاحتجاجات، فسيعتبرها المواطن العادى تحركا عادلا ومشروعا للدفاع عن حقه.
لكن هذا لا يعنى أن القوة الضاربة ستكون فى يد الشارع، أو ميدان التحرير، حيث قوى الثورة.. فالواقع أن نجاح القوى الثورية فى تحقيق مطالبها يتوقف على أمرين.. أولهما هو قدرتها على استمرار حشد أنصارها بنفس الإصرار الذى نجحت به فى إسقاط نظام مبارك من قبل، والثانى هو قدرة هذه القوى على الوصول لتفاهم سياسي، وعلى حلول وسط مع القوى السياسية الأخرى التى لا يمكن إنكار وجودها على الساحة.. ولا يمكن تجاهل تأثيرها فى نفس الوقت.
زلزال الثورة وتوابعه
يمكن القول إن ثورات الربيع العربى كانت سببا فى أن يصبح الشرق الأوسط كله أقرب إلى حزام زلازل.. أو منطقة صار من المتوقع فيها دائما حدوث هزات سياسية.. تضرب دون إنذار وتهد ما تريد على رؤوس الكل.. لقد كانت الثورة المصرية أشبه بزلزال سياسى شديد العنف، ومن السذاجة ألا ينتظر أحد توابع أخري، قد لا تقل عنفا عن هذا الزلزال فى الفترات القادمة.
هذه التوابع، أو الهزات السياسية ستستمر للسنوات القليلة القادمة، وستواجه أى نظام حكم قادم تحديات قوية إذا ما أراد البقاء والاستمرار.. وكل هذا سيجعل المنطقة أكثر هشاشة واهتزازا عن ذى قبل.. وأكثر الدول تأثرا وتعرضا للتهديد فى الشرق الأوسط من الثورات العربية وتوابعها ستكون هى الأنظمة الأكثر رسوخا.. السعودية وإيران.
والواقع أن هناك اتفاقاً شبه عام بين المراقبين على أن الطريقة التى ستخرج بها مصر من أزمتها، ومن المأزق السياسى الذى تقف فيه الآن، سوف يغير شكل الشرق الأوسط كله.. ولو حدث تغيير فى السياسة الخارجية المصرية تجاه أمريكا وإسرائيل.. أو لو تحولت مصر إلى دولة ذات توجه إسلامى أصولي، فستنقلب حسابات المنطقة كلها رأسا على عقب.
المشكلة الحقيقية هنا هو أنه من الممكن لو لم تخرج مصر من أزمتها السياسية الحالية، فمن الممكن أن تخرج من المعادلة السياسية للمنطقة كلها.. وهو ما يشكل كابوسا بالنسبة لدول المنطقة ذات التوجه السنى المعتدل، خاصة دول الخليج.. إذ إن خروج مصر من اللعبة سيعنى أن تظل السعودية هى القوة السنية الوحيدة المتبقية فى مواجهة المد الإيرانى الشيعي.
وبالطبع، فإن أحدا لا يمكنه التنبؤ فى هذه المرحلة بالمسار الذى يمكن أن تتخذه الأحداث فى مصر بعد فوز الإسلاميين بالأغلبية البرلمانية فيها.. وما شاهده العالم من تفجر العنف بين المتظاهرين وقوات الجيش.. لكن أغلب الظن أن طريق مصر إلى الديمقراطية سيكون طريقا من الآلام السياسية.. صعبا ووعرا.. يمر بالعديد من التضحيات ويتعرض لمئات الضربات.. لكن المؤكد، أنه لو ظلت مصر فى مرحلة الإصلاح السياسى الناقص.. والحرية غير المكتملة التى تمر بها الآن.. فسيصل بها طريق الآلام السياسية الذى تسير فيه إلى ثورات جديدة.. أكثر عنفا، وربما أكثر دموية فى المستقبل القريب.
قوس الأزمات الجديد.. وحكم أجهزة الأمن
سيناريو كابوسى آخر هو أن تشكل الدول العربية التى شهدت ثورات غيرت من تاريخها ومستقبلها، ما يشبه مجموعة من الدول التى تجتمع على شكل قوس من الأزمات التى تصدرها فيما بعد إلى الدول المجاورة لها.. فالواقع أن الانفتاح الديمقراطى الذى شهدته المنطقة منذ بدايات عام 2011 يمكن أن ينهار، أو أن يصل إلى نتائج عكس المقدمات التى بدأت بها الثورة، ومن أجلها..
تحول دول الربيع العربى إلى دول تعانى أزمات سياسية لا يمكن حلها، هو سيناريو لا يمكن أن يفيد غير قوى النظام القديم التى تضررت من الثورة أو القوى الأصولية الإسلامية وتحديدا السلفيين.. فهذا السيناريو يعنى أن تتوقف عملية الإصلاح، وأن تتزايد حدة الصراع السياسى والاجتماعى بين قوى المجتمع المختلفة.. وأن تتعطل عملية التحول الديمقراطى وتتوقف أمام أزمات مثل ضعف النمو الاقتصادي، واستمرار عدم الاستقرار السياسي، وزيادة حدة التوتر بين التيارات الدينية، والتيارات الليبرالية فى البلاد