هى أم الدنيا، هى معشوقة التاريخ، هى أنشودة الأزمان، وقد خاضت على مدار تاريخها العريق الكثير من المعارك وكان النصر دائما هو رفيق الدرب المخلص والملازم لأنها أبدا لم تعتد ولم تتجبر، فقد ناضل موحد القطريين من أجل السلام وحارب قاهر الهكسوس من أجل التحرير ولم يتردد صاحب الكرنك في أن يتوغل بجيوشه إلى أعماق آسيا كي يرسي قواعد الأمن ويثبت دعائم التراب المصري، ودائما يُولد البطل ليقدم روحه قربانا تحت أقدامها. لن نتوغل كثيرا في التاريخ لأن الذي حدث في الثلاث سنوات الأخيرة جدير بأن نفرد له المقال كاملا، ولهذا فدعونا نتحرك لنكشف المستور الذي واجهته مصر بشكل مفاجئ وغريب، إذ إنه ظهر فجأة في سماء الأحداث العالمية ومع مطلع العام 2011 تدبير عجيب شيطاني ملتحف بثياب البراءة والملائكية وقيل عنه "الربيع العربي" وقد أخذ ينادي بالحرية والعدالة والديمقراطية وكالأسد الزائر أخذ يبتلع الأنظمة الحاكمة في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا وقد نجح بالفعل، إذ إنه أعد العدة جيدا ولم يترك شيئا للقدر، فسقطت تونس وليبيا واليمن ومازال الصراع قائما في سوريا. أما في مصر، فقد كان الأمر مختلفا، إذ إن المؤامرة في مصر كانت على شرف وكرامة الأمة، وكانت المفاجأة كبيرة في بادئ الأمر، فقد سقطت كل مؤسسات الدولة المصرية وتصدرت الفوضى المشهد العام عن قصد، فاختلط الحابل بالنابل وهيمنت الضبابية على الجميع وبعد أن فاق المجتمع من سكرة النشوة التي سببها تدفق الحشود البشرية غير المسبوق في الشوارع وبعد أن هدأت المشاعر وانطفأت العواطف بدا العقل يستيقظ والمنطق يعود إلى رشده وهنا كانت الفاجعة التي واجهتنا جميعا حين فرض السؤال نفسه كيف تكون الثورة بلا قائد، بلا رأس يحركها؟ هذا هو السؤال الذي فتح للمصريين أذهانهم. وبدأت الحقيقة تتسرب في هدوء وبصحبتها الكلمة الصادمة "المؤامرة" فارتبك المشهد العام وأخذت الرؤوس الشيطانية تظهر في الميدان منها من ادعى القيادة ومنها من ادعى الإلهام وهناك من حاول أن يمجد من نفسه دون سبب واضح وآخرون هبطت عليهم ثروات مجهولة المصدر وفلسفات مطعون في مصداقيتها، وانتشرت السوفسطائية كالنار في الهشيم وقرعت أبواب العقول المصرية، وهنا شعر الشيطان بأنه تمكن، فرفع الغطاء عن وجهه ليفاجئ مصر كلها إلا أن جيشنا العظيم أدرك الحقيقة مبكرا ووقف بثبات ليتلقى الصدمة وبعد أن استوعبها وألم بكل خيوط المؤامرة أخذ يتحرك بثقة وحنكة في اتجاه الحل فختار الطريق الصعب، وفتح قاعة العرش للخونة كي يكشفهم أمام الشعب وبالفعل دخل الإخوان إلى حضرة الفيلسوف وعاثوا في ربوع مصر فسادا منذ اليوم الأول فصُدم الشعب المصري وشعر بالمهانة والإذلال وأخذ الضمير العام يحتقن، وتبلور الغضب آخذا من الثورة سبيلا للخلاص حتى جاءت لحظة الحسم في الثلاثين من يونيو وانتقض العملاق وأطاح براس الأفعى وبمعونة وقيادة الجيش العظيم تم اقتلاع هذه الجذور الشيطانية من أرض الكنانة إلى الأبد فوقف العالم مبهورا من عظمة مصر وتحسرت الشعوب العربية التي ضربها هذا السرطان البربري وأجمع الكل على أن مصر أنقذت نفسها وفتحت أعينهم لحقيقة الغدر المدعو "الربيع العربي" وستبقى مصر دائما.. قاهرة.