النخاسة مهنة كان يعمل بها الرجال في عصور مختلفة من تاريخ دول العالم، والنخاس هو الذي يشتري ويبيع العبيد والرقيق لأي شخص، وهى من المهن المعروفة باللاأخلاقيات تهدف فقط إلى تحقيق مكاسب شخصية لمن يمتهنها. وقد يعتقد البعض أن هذه المهنة اختفت من تاريخ مصر المعاصر لعدم وجود عبيد أو رقيق بالمعنى التقليدي للكلمة. والحقيقة أن ثقافة مهنة النخاسة أُعيد إنتاجها من خلال أفراد كثيرة في المجتمع المصري، إنهم هؤلاء الذين يفرضون أنفسهم على المشاهد السياسية بمعلومات وتصريحات مجافية لواقعهم العملي، لتضليل الرأي العام، ولفت النظر إليهم، بهدف انتزاع قطعة من الكعكة الجديدة، وتحقيق مكاسب شخصية. قفزت فكرة المقال إلى ذهني بعد ملاحظتي لأداء بعض الشخصيات العامة التي تحاول الظهور في وسائل الإعلام في هذا الوقت تحديدا، وهو توقيت ما قبل تولي رئيس جديد رئاسة مصر، وما قبل التشكيل الحكومي الجديد المنتظر. وأذكر من هؤلاء، ذلك الأستاذ الدكتور أمين عام إحدى المؤسسات الثقافية التابعة للدولة الذي ظهر على إحدى القنوات الفضائية بإطلالته البائسة يعرض لإنجازات سيادته الوهمية بتلعثم شديد ويشيد بنفسه وبمبادراته لمساندة شباب المبدعين علما بأن المؤسسة التي يترأسها هذا الأستاذ الدكتور منذ أكثر من عامين لا يمكن أن يُطبع فيها كتاب واحد دون أن يكون للمتقدم واسطة كبيرة، أو أن يكون أحد أعضاء اللجان التابعة لهذا الكيان الثقافي؟! وهناك شخصية أخرى تترأس إحدى مؤسسات وزارة الثقافة والمعروف عنها اضطهادها للأكفاء من جيل الشباب، ورعايتها للاحتكارات والمحسوبيات والموالين لها في المؤسسات التي عملت بها عبر تاريخها العملي، تُسرب خبرا للإعلام بأنها خصصت مسرحا ما في المؤسسة التي تترأسها لتقديم فنون شباب المبدعين؟! وهناك هذا المخرج الذي يترأس مؤسستين ثقافيتين بقرارات من وزير الثقافة الملتصق بالكرسي، وجدناه يعقد مؤتمرا صحفيا في أحد مراكز الإبداع ليعلن من خلاله عن مشروع يدعم شباب المسرح الجامعي، وهذه المبادرة قد تبدو للقارئ والمتلقي البسيط براقة وظاهرها إيجابي، ولكن الذي يستوقف الناقد الموضوعي ليس كم الفنانين أو المسرحيات التي ستقدم من خلال هذه المبادرة، ولكن العِبرة بجودة أداء الفنانين والعروض المسرحية التي ستنتجها هذه المبادرة، خاصة أن هذا المخرج المذكور لم يقدم للوسط الفني ممثلين وممثلات من ذوي الكفاءات المهنية، وكذلك كانت عروضه المسرحية التي أخرجها والتي كانت جميعها منقولة بالمشهد من عروض عالمية، وهذا يدل على انعدام موهبته تقريبا، فكيف يعطي فاقد الشيء؟ المشاهدة الرابعة التي كانت لافتة للنظر هى: لقاء مجموعة من الكتاب والشعراء والروائيين مع أحد المرشحين الرئاسيين، هذه المجموعة التي أثار ظهورها في وسائل الإعلام حفيظة الكثير من أبناء الأجيال المختلفة – وهذا ما لمسته بصفتي الوظيفية كأستاذ جامعي أتعامل مع طلاب مراحل البكالوريوس والدراسات العليا في عدد من الجامعات – فأغلب هؤلاء الكتاب والشعراء والروائيين كانوا مواليين لمبارك ونظامه، وكذلك تعاملوا مع نظام محمد مرسي دون رفض له، وهما النظامين اللذين ثارا عليهما الشعب. وعندما باغتتني مجموعة من طلابي بتساؤلات حول تخوفاتهم من إعادة إنتاج لنظام مبارك أو مرسي كانت إجابتي عليهم: بأن أي مرشح رئاسي في أي دولة ما لا يمكن أن يرفض مقابلة مجموعة من الأفراد يعرضون أنفسهم عليه لدعمه كمرشح ويحاولون احتلال موقع في المشهد الراهن، وعلينا أن ننتظر، فالعِبرة بما سيفعله المرشح الرئاسي الفائز بعد فوزه وليس بمن يقابلهم وهو مجرد مرشح رئاسي. حقيقة الأمر اننا أمام سوق كبيرة للنخاسة تتعدد فيها وسائل عرض البضاعة، أناس يفرضون أنفسهم على المشهد، يوهمون المشاهد والمتلقي بأنهم رجال المرحلة المقبلة، بادعاءاتهم لدعم الشباب أو أحد المرشحين الرئاسيين، آملين أن يضمن لهم هذا الدعم استحقاقات في النظام الحاكم القادم. إنها ثقافة سوق النخاسة التي لا يستطيع أصحاب المبادئ والموهبة والكفاءة الحقيقية اتباع قواعدها اللاأخلاقية، ولذلك لا تندهشوا ياسادة عندما ترون مجموعة من أهم العلماء والمفكرين والمبدعين ورؤساء المؤسسات التعليمية مبتعدين عن المشهد الآني نأيا بأنفسهم في مشهد قد يختلط فيه الحابل بالنابل. إن هذا الوقت يكثر فيه العارضون لأنفسهم في الفتارين، الذين ينتظرهم عدد من العبيد والرقيق الطامعين، يريدون استكمال مشوار المفسدين، الذين أنهكوا مصرَ على مدار السنين، وندعو الله أن يأتي لمصر برئيس قوي أمين، يُنقذها من براثن الفساد والنخاسين.