كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا.. والله لا يحب المفسدين.. هذا هو الحال الآن في مصر المحروسة التي يريدونها ميدانا لحرب أهلية ضروس يسقط فيها الضحايا وتشتعل الفتن بكل أنواعها وتستخدم جميع الأسلحة التي تم تهريبها الي داخل البلاد خلال الفوضي العارمة التي سادت في الفترة الأخيرة, وصولا الي تنفيذ مخطط التقسيم الشيطاني الذي تعمل عليه أجهزة المخابرات الغربية منذ سنوات طويلة في انتظار اللحظة المناسبة للتنفيذ. كلما وصلت البلاد الي حالة من الاستبشار بقرب الانتهاء من الفترة الانتقالية وتسليم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة الي رئيس مدني منتخب, نفاجأ بالمزيد من الأعمال الفوضوية التي تساعد علي اشعال روح الضغينة والتعبئة النفسية التي يمكن ان تسفر عند لحظة بعينها عن نيران حارقة تلتهم الأخضر واليابس. والمثير للدهشة أن لا أحد من الشباب الثائر يريد أن ينتبه أو يتنبه الي وجود مثل هذا المخطط الذي أراد واضعوه أن تكون ثورة 25 يناير المجيدة مجرد وسيلة للقفز السريع الي أرض الواقع بعد سنوات طويلة من التخطيط والتربص, وأنهم يساعدون وأغلب الظن أنهم يساعدون بدون قصد- علي الوصول الي هذه النقطة الحرجة التي تكون فيها الأرضية ممهدة وصالحة لاشتعال الفتنة الكبري والوصول بالبلاد الي نقطة اللاعودة. هل هي مجرد مصادفة أن يبدأ التصعيد ضد تنفيذ أهداف الثورة عند التأكد من نجاح أولي مراحل الانتخابات البرلمانية في نوفمبر الماضي؟!.. وكأن لسان حال واضعي المخطط الشيطاني يقول إن مصر لا يمكن ان يسمح لها بالاستمرار في هذه الثورة الي منتهاها حيث تنتفض مصر وتستعيد مكانتها الطبيعية سواء بين محيطها الاقليمي أو علي المستوي العالمي.. ويكفي في هذا الصدد ان نشير الي ما ذكرته السيدة كاترين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي من أن الثروة المصرية كانت تكفي لمساعدة 25% من دول أوروبا.. وأن النظام الفاسد السابق في مصر قد سرق من المصريين5 تريليونات دولار علي مدي سنوات حكمه كان من الممكن لو احسن استخدامها داخل مصر أن تنتج اكثر من 90 مليون مليونيرا مصريا.. أي أن كل المصريين كان من الممكن أن يكونوا مليونيرات.!! هذه هي حقيقة الوضع الاقتصادي المصري الذي لا يريدون له أن سيتعافي من جديد ولا أن تكون له أرضية وطنية حرة يستند اليها.. ومن هنا تأتي أهمية الاستمرار في حال الفوضي وعدم الوصول الي اي تفاهم وطني حول خطوات واضحة علي الطريق الي أهداف الثورة في الحرية والعيش والكرامة. أحد أهم مظاهر التصعيد نحو الفوضي الشاملة التي لا بد أن تصيب مصر في مقتل هي تلك البذاءات وقلة الأدب التي يحاول بعض ممن انتسبوا الي الثورة المصرية زورا وبهتانا أن يفرضوها علي المجتمع المصري في لغة خطابهم في استعراض للقوة والبلطجة لم يعرفه المصريون من قبل, وهدفهم الرئيسي هو الارهاب وبث الرعب في نفوس المخالفين لهم في الرأي حتي يتفردوا وحدهم علي ساحة المشهد السياسي. أصبح من المألوف أن نقرأ عبارات الشتائم الجارحة وغير الأخلاقية علي الجدران في جميع الشوارع دون أن يحاول أحد محوها أو أن يخرج واحد من مسئولي البلديات ليعبر عن سخطه من هذه النوعية الجديدة من التلوث البصري والفوضوي خوفا من اتهامه بأنه ضد الثورة.. وأصبح من البطولة أن تنتشر الألفاظ البذيئة ضد رموز العمل الوطني في الفضائيات دون أي التزام بالأخلاق المتعارف عليها ولا حتي اعتراض من نجوم الفضائيات الجدد والقدامي الذين قفزوا علي الثورة المصرية.. وأخيرا جاءت هذه الكارثة التي وقعت في مؤتمر عام بالمدينة الباسلة بورسعيد عندما أراد ذلك النائب الشاب أن يعبر عن سخطه من مجزرة الاستاد في محاولة لاكتساب بطولة وهمية بين شباب المدينة متصورا أن حصانته البرلمانية سوف تعفيه من المسئولية عن هذا السباب والتجريح, ناسيا أو ربما يكون الشيطان قد أنساه أن الحصانة هي فقط مع ما يعلنه من مواقف سياسية تحت قبة البرلمان وليست مع هذا النوع من الشتائم التي تطلق في مؤتمر عام. فوجئ المصريون بهذه الفجاجة وذلك اللدد في الخصومة التي لم نعهدها من قبل الي درجة التساؤل عما اذا كانت هذه الأخلاق الجديدة التي يبدو عليها بعض من الشباب, هي نفسها أخلاق الثورة المصرية؟.. الاجابة أكيد هي بالنفي المطلق.. فليس من أجل انتشار الأخلاق الفاسدة انطلقت الثورة المصرية, وقد أشرت في مقالات سابقة الي أن المصريين في ميدان التحرير خلال الأيام الثمانية عشر الأولي من الثورة, كانوا وكأنهم ملائكة هبطت من السماء ينفذون ارادة إلهية بزوال هذا النظام الفاسد.. ومن ثم فقد اختفي هؤلاء الملائكة بمجرد نجاح الثورة في هدفها الأول.. وكأن الله سبحانه وتعالي يريد أن يختبر هذه الأمة في صلابتها وتكاتفها واصرارها علي الهدف. الذين يمارسون هذه الأخلاق الفاسدة انما يعبرون عن أزمة القافزين علي الثورة الذين يرتعدون رعبا كلما اكتشفوا أن الأهداف العظمي للثورة قد بدأت في التحقق, وأن مصر في طريقها الي أن تكون دولة عظمي تفرض نفوذها وهيبتها وتعيد الي الأوضاع المقلوبة اتزانها وتجعل من الكرامة والعزة المصرية نموذجا تحتذي به كل الشعوب التواقة الي الخير والرخاء.. وهذا هو قدر مصر علي مر العصور. رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال انما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. وتحت أي ظرف لا أتصور أن شاعرنا العظيم كان يتنبأ بهذا المستوي من الانحطاط الأخلاقي الذي يمارسه بعض من الشباب المصري هذه الأيام.! نقلاً عن الأهرام