في قلب الصحراء وبعيدا عن مدن العمران بمئات الكيلومترات تقع واحدة من البقاع التي ما إن تطأها قدماك حتى يتوقف بك الزمن وتعود بك عجلاته آلاف السنين إلى الوراء، لتفاجأ بعالم غريب وعجيب يمتزج فيه الواقع بالخرافة وتختلط الحكايات بالأساطير، وتتجاور الطقوس مع الأعياد والاحتفالات، لتصنع لنا أسطورة اسمها واحة "الجارة" وهي أصغر قرية مصرية، وتقع شرق مدينة مرسى مطروح على بعد 300 كيلو متر على حافة منخفض القطارة. الجارة..اكتشاف وزيارة يقول الشيخ مهدي شيخ الواحة إن قارة أم الصغير ”الجارة “ كانت معزولة عن العالم إلى أن قام المهندس محمد أحمد علام رئيس جهاز تعمير الساحل الشمالي الغربي عام 1985 بإنشاء طريق من عند بئر النص في طريق مطروح سيوه ليربط القرية بما حولها. وأرجع الشيخ مهدى، الفضل في اكتشاف القرية إلى المشير عبد الحكيم عامر، لافتا إلى أنه اتخذ قرارا عندما تولى مسئولية وزارة الحربية بتولي إرسال القوات المسلحة كميات من الدقيق والسكر والأرز والبطاطين والملابس إليها، لتصبح عادة سنوية، وتولت المحافظة بعد ذلك مسئولية إرسالها باسم الرئيس السابق، حسني مبارك، بعد الزيارة التي قام بها للواحة عام 1996 والتقى خلالها بالشيخ حسن، أكبر شيوخ الواحة والذي توفى منذ أربع سنوات. اعتقاد..ومصادفة وأكد أن عدد سكان "الجارة" لم يزد أو ينقص منذ زمن بعيد، حيث يبلغ عددهم نحو470 فردا، لافتا إلى أن البعض أرجع السبب في ذلك إلى شيوع اعتقاد بأن الشيخ الطرابلسي عندما كان قادما من ليبيا في طريقه إلى الحجاز سيرا على الأقدام لأداء فريضة الحج، مر بواحة سيوية صغيرة تعرف باسم "الجارة" أو "أم الصغير" ، فرشقه بعض الصبية بالحجارة، فدعا عليهم الشيخ بقلة النسل، وهو ما استقر في ذاكرة أهالي الواحة التي تعد أصغر واحة في مصر، كما لفت الشيخ مهدي كذلك إلى شيوع اعتقاد قديم لدى الأهالي بأنهم لو أنجبوا طفلا في الصباح فإن شيخا من كبار السن سيموت في المساء، وتصادف حدوث ذلك كثيرا. تمسك بالبقاء وقال شيخ واحة الجارة: إن أهل الواحة رفضوا أن ينتقلوا من واحة الجارة إلى أي مكان آخر حتى لا يتركوا أحد أولياء الله الصالحين ”سيدي ياجا“ غير المعروف أصله ولا مكان قدومه الواحة، ولم يذكر لي والدى أو جدي شيئا أكثر من ذلك، لافتا إلى أن ضريحه مقام في بناء بسيط في الجهة الغربية من البلدة القديمة التي هجرها أهلها بعد أن أصابها شتاء وابل في أحد الأعوام وكان آخر ساكن يتركها عام 1985، وكانت واقعة فوق جبل، ولها بوابة كبيرة تغلق قبل صلاة المغرب ويقف خلفها حارس ليلي . واستطرد الشيخ مهدي في حديثه عن البلدة القديمة قائلا: كان بها مسجد واحد لا تزيد مساحته علي50ال مترا، أما بيوت الواحة فتتناثر اليوم على مساحة تتعدي خمسة أفدنة، وهي خمسة أضعاف المدينة القديمة، ولا توجد بها أي محلات للحرف والمهن المتعارف عليها في المدن الأخرى، حيث تغلب البساطة على البلدة، وإن قضت الضرورة فإن سيارة المحافظة أو سيارة الواحة تستقدم ما يبتغى أهلها من حاجات من مدينة مطروح. ولفت إلى أن عدد الأطفال في القرية يبلغ أكثر من خمسين طفلا، وتزيد أعداد الإناث على الذكور بنحو 35 طفلة. وقال إن أهل "الجارة" ظلوا حتى قيام ثورة يوليو 1952 لا يعرفون شكلا من أشكال العملة النقدية مكتفين بالمقايضة، وهم لا يزالون يعيشون إلى اليوم على الزيتون والبلح ويستخدمونه في المقايضة بما يحتاجونه من سكان القرى الأخرى. اقتصاد محدود وفيما يتعلق باقتصاد الواحة لفت الشيخ مهدي إلى أن اقتصاد الواحة يعتمد على البلح والزيتون فقط نظرا لأنهم لا يعرفون غيرها من الزراعات رغم احتواء الواحة على نحو 15 عين مياه منها 11عينا رومانية، وبئرين عميقتين، إحداهما تبعد عن الواحة بنحو40 كيلومترا وتصريفه يقدر بحوالي500 متر مكعب في الساعة كانت الشركة العامة للبترول قد حفرته عام 1976 أثناء تنقيبها عن البترول. وأشار شيخ واحة الجارة إلى سيطرت جهاز تعمير الساحل الشمالي الغربي وسيوه في عام 1994 على إحدى الآبار، والتحكم في تصريفها والاكتفاء بعمل مخرج 2 بوصة، وتمت دراسة مساحة2000 فدان حول البئر، تمهيدا لاستغلال البئر وطرحها للاستثمار، أما عين فارس والتي تقع علي بعد 4 كيلومترات فقط غرب الواحة فإن تصريفه لا يقل عن 300 متر في الساعة بعد أن تحكم فيه جهاز التعمير، وحول آلاف الأفدنة الصالحة للزراعة على هذه المياه العذبة ، فضلا عن إمكانية استغلاله سياحيا حيث تتدفق المياه في درجات حرارة لا تقل عن50 درجة، ويكمن رؤية البخار من المياه المتدفقة بالعين المجردة. واختتم الشيخ مهدي حديثه،قائلا:إنه بالرغم من كل ذلك فإن المساحة الزراعية التي يعيش على إنتاجها أهالي الواحة لا تزيد على100 فدان.