وردت آيات كثيرة عن بلاغة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فقال عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم3-4)، وقال سبحانه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء193-195). وقال (صلى الله عليه وسلم) عن نفسه: "أوتيت جوامع الكلم"، كما قال: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد". وقد تبارى العلماء والبلغاء في إيضاح تلك البلاغة النبوية بأقوالهم وتفاسيرهم، وفيما يلي نماذج لتلك البلاغة الفريدة في نظمها، الدقيقة في كلماتها: وأما كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألّف الناسُ فيها الدواوين، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتبُ، ومنها ما لا يوازى فصاحة ولا يبارى بلاغة كقوله (صلى الله عليه وسلم): "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم"، وقوله: "الناس كأسنان المشط، والمرء مع من أحب، ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له، والناس معادن، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم، ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم"، وقوله: "أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون"، وقوله: "لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويبخل بما لا يغنيه"، وقوله: "ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا" . ومن الكلمات التي لم يسبق إليها النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله: "حمى الوطيس، مات حتف أنفه، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، السعيد من وعظ بغيره، أفضل الصدقة جهد المقل، حبك للشيء يعمي ويصم، اليد العليا خير من اليد السفلى، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، إلى غير ذلك مما يدرك الناظر العجب في مضمونها، ويذهب به الفكر في أداني حكمها. وقد قال له أصحابه: "ما رأينا الذي هو أفصح منك"، فقال: "وما يمنعني وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين"، وقال مرة أخرى: "أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش ونشأت في بني سعد". لقد جمع الله له (صلى الله عليه وسلم) بذلك بين قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهي الذي مده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشري، وقالت أم معبد في وصفها له "حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظمن".