الثورة تعنى إسقاط السلطة القائمة واستبدالها بسلطة ثورية تمتلك رؤية ومنهجاً وآليات ثورية تحقق بها تغييراً جذرياً فى كل المجلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لصالح الاغلبية الجماهيرية . وبالطبع فهذا التغيير الجذرى يحتاج الى قرارات ثورية لمواجهة الواقع بهدف تغييره يمكن ان تتخطى القانون القائم او تعمل على تأجيله لحين استقرار الاوضاع . ومن ناحية اخرى فهناك آلية اخرى لتغيير الاوضاع بشكل تراكمى وهي طريقة الاصلاح للنظام من الداخل او عن طريق رضوخ النظام القائم لضغوط الرأى العام واحداث اصلاحات جوهرية تؤتى نتائج حقيقة على أرض الواقع تلبى مطالب الجماهير . فبعد انتفاضتي يناير ويونيو اين نحن من هذا التغيير الثورى أو الاصلاحى ؟ لا احد يستطيع الادعاء بوجود تنظيم ثورى يمتلك المنهج والرؤية والاليات الثورية قبل 25 يناير 2011 ولذا كانت انتفاضة شعبية حقيقية استفزتها الاوضاع الفاسدة والنظام المفكك الذى لا يسعى لغير مصلحة اتباعة وموريدية . فبدأت الانتفاضة فى شكل مطالب اصلاحية حتى تحولت الى مطالب ثورية لأسقاط النظام . ولكن لغياب التنظيم والرؤية الثورية تحولت الثورة الى روح هائمة تبحث عن جسد تتقمصه . الشىء الذى ساعد وساهم فى اختطاف الانتفاضة واستغلال سقوط مبارك من قبل الاخوان لتحل مكانه كنوع من استبدال سلطة بسلطة لا علاقة لها بثورة او بأصلاح بل اصبحت ثورة مضادة كان هدفها الاستلاء على الوطن ومقدراتة لصالح هذه الجماعة كتحقيق لحلم الخلافة . ثم كانت هبة 30 يونيو لمواجهة اختطاف يناير واسترداد الوطن والحفاظ على الهوية المصرية التى حاولوا اسقاطها وسحقها واستبدالها بهوية بدوية صحراوية لا تزال تعيش فى غياهب التاريخ . فلم تسفر الانتفاضتان غير مبادئ عامة اختصرت فى عيش وحرية وعدالة اجتماعية. فمازالت السلطة تقليدية لا علاقة لها بالثورة ولا بالتغيير الثورى ولا حتى التغيير الاصلاحى . فالنظر الى مجمل المشهد السياسى من يناير 2011 وحتى الان يجعلنا نؤكد على غياب التغيير الحقيقي فى اى مجال من المجلات . فهناك مشاكل امن وغياب الامان النفسى للمواطن الشئ الذى يكرس حالة من الخوف والفزع وعدم الاستقرار بما يؤثر على عمليات الانتاج والاستثمار والسياحة بما يصيب الاقتصاد فى مقتل فيضاعف المشكلة الاقتصادية ويجذر حالة الفساد التى استشرت واصبحت فى اطار العادة اليومية التى لا تجد من يردعها او من يوقفها . وهذا بلا شك ناتج ليس لغياب الرؤية الثورية وتفعيلها فقط ولكن لغياب الكوادر الثورية عن المشاركة فى اتخاذ القرار . فمازلنا ندور فى فلك الفعل ورد الفعل فى كل الاتجاهات. وهنا وحتى لا تحتوينا دائرة اليأس وحتى لا نسقط فى بئر القنوط نقول ان يناير ويونيو قد انتجتا الحدث الهام والتغيير الأهم وهو وجود وظهور الارادة الشعبية للمصريين . تلك الارادة التى أعلنت ومازالت تعلن عن نفسها حتى أصبحت هي العاصم والحافز والدافع للتغيير القادم سواء كان ثورياً او اصلاحياً . فهذه الارادة هي جرس الانذار والضوء الاحمر لأى قدام يجعله يدرك تلك الارادة ويعى ما تريد ويعمل على تحقيقة حتى يتحقق التغيير الذى سيكون مفتاح الاستقرار الحقيقى الذى يحفز الجميع للمشاركة فى بناء مصر المدنية الديمقراطية الحديثة . وهذا يحتاج الى اعادة توافق وطنى من كل المصريين الذين يؤمنون بالوطن ويسعون لمصالحة ويؤجلون مصالحهم الذاتية والحزبية حتى يحدث التغيير ونبنى الوطن لكى تصبح بحق مصر لكل المصريين.