صدر للكاتب محسن يونس رواية تحت عنوان " ما تبقى من بدايات بعيدة " ضمن سلسلة "إبداعات الثورة" التى قامت بإصدارها الهيئة العامة لقصور الثقافة. وتدخل وقائع الرواية مباشرة فى قلب ميدان التحرير ، وبطلها يندفع للمشاركة مع الذين كانوا يعلنون عدم الرضا على هؤلاء الذين يتحكمون فى مقدرات البلاد ، وعندما يتلقى البطل "هبدة" من عصا جندى أمن مركزى يسقط فى الميدان ، ويدخل فى تجربة الخروج من الجسد حيث يقابل خمسة من العائلة التى تبدأ نشأتها أيام كانت المحروسة خاضعة لحكم يزيد بن معاوية والخمسة يهيمون منذ هذا التاريخ فى الفضاء لأنهم لم يحصلوا على موتتهم كاملة لهروب آثامهم ومخازيهم وعدم اصطحابها لهم عند موتهم فى الحياة الدنيا ، وتظهر وقائع حياة كل منهم لتنير الرواية فترات من حياة البلاد التى قبض على مقدراتها من يشابه هؤلاء الذين لم يموتوا بعد ، وكأن الكاتب يريد استنهاض وعى القارئ ليتعرف على أسباب تدهور حالة البلاد طالما أن هذه النماذج ما زالت حية تفعل فعلها من سرقة وانتهازية ونهب وجرائم قتل لتحافظ على وجودها. فى الصفحة الأخيرة تذكر الرواية القارئ أن ما شاهده من وقائع حياة هو مجاز فالميدان يحاصر هذا المجاز بلعنته ..لذلك جاء إهداء يونس روايته هكذا : "إليهم بالطبع .. من كانوا فى الميدان .. ". من أجواء الرواية : " كان النصب قد دشن فى احتفال صورت وقائعه إحدى القنوات التليفزيونية الفضائية الخاصة، أكبر الظن أنها تابعة للملياردير أدهم زمش ، تبادل الضيوف أنخاب الشمبانيا بعيدا بالطبع عن كاميرا القناة الفضائية ، مع هذا البوفيه المفتوح العامر بكل المأكولات الفرنسية والإنجليزية والأمريكية ، كان هناك هذا الشيف الذى يقدم الكباب على الطريقة التركية، وكانت هناك أيضا بعض تلك الألسنة التى لاكت حقدها وحسدها همسا دون أن يبدو على أصحابها تغير فى سحناتهم، مجبرين وجوههم على ارتداء قناع من ضحكة تظل على التمدد والتمطى دائما ولا تنمحى. كانت الأكاذيب التى كتبها أدهم زمش مغيراً الألقاب والمهن أسفل صور العائلة هى الأخرى تدوم فى شبه صراخ ينتهى عند أقدام الضيوف ، معلنة أنها أكاذيب ، كان ضيوف أدهم زمش الملياردير ، يدوسون الأكاذيب بأحذيتهم ، غير مبالين بدمدمتها أو صراخها ، كانت الأكاذيب تهبط من النصب فى تتابع مصممة على أن تعلن عن نفسها ، زمش مؤسس العائلة اسمه زمش وش القملة قتال قتلة ، الكاشف زمش عديم الإنسانية بائع لحوم البشر، حماطة زمش خائن اصطادته بقية من المماليك ودفنوه حيا فى صحراء المقطم ، خليل برجس زمش محتكر قوت الناس يخفى البضاعة ويضاعف السعر ، غرام زمش حسناء مالت ميلة عائبة مع جنود الحملة الفرنسية ، المجداف ، الترماس ، الخرم، شرمط ، بُعبلى ، عشرة أجداد ، عشرة ذنوب عضال. كانت الأكاذيب تصرخ وهى تخلع عن ضيوف الملياردير أدهم زمش ملابسهم قطعة قطعة ليصيروا عرايا كما ولدتهم أمهاتهم دون أن يشعروا بهذا الخلع ، شبه لهم جميعا أن النصب لا وجود له ، كان الوجود لإنسان يقف فى نفس مكان النصب له سمت شمس محمدين ، حاول أدهم زمش أن يصل إليه شاهرا مسدسه ، وحينما أطلق منه رصاصة فى اتجاهه ، تهادت أقمشة أحاطت بالنصب هابطة لأسفل معلنة عن وجوده ، وسط لمعان برق عدسات التصوير ، والتصفيق ، والمناداة بحياة أدهم زمش : أدهم باشا يعيش يعيش .. أدهم باشا زمش .. يا .. يعيش . . يعيش .. يعيش.. كان هذا المشهد الأخير كله مجازا حدثكم عنه رجل غادر جسده ولم يمت ، عقب تلقيه لضربة من عسكرى أمن مركزى على مؤخرة رأسه بميدان التحرير ، إلا أنه يطير فى الفضاء ، قال قوله مجازا ، فهل تصدقونه ؟ لا تصدقونه لأن الواقع بالميدان يحاصر هذا المجاز بلعنته .. فانتبهوا .. ".