فاز المؤلف المصري عبدالرشيد محمودي بجائزة الشيخ زايد للآداب عن رواية "بعد القهوة" . صدرت الرواية عن الدار العربية للكتاب عام 2013، وتستلهم الرواية التقاليد السردية الكلاسيكية والعالمية الاصيلة وتبرز مهارة السرد وسلاسة في الانتقال ودقة في تجسيد الشخصيات من الطفولة الى الكهولة، بالاضافة الى تجسيد دقيق للعالم الروائي ورسم فضاءات وتحليل الشخصيات في حالة تقلباتها بين الأمل والانكسار والجمع بين الواقع والاسطوري. وتتناول رواية ما بعد القهوة، النسيج الاجتماعي والطبيعة الطبوغرافية والملامح الانثروبولوجية للقرية المصرية في الاربعينات من القرن الماضي. أما على الصعيد الأسلوبي ففيها تزاوج بين فصحى السرد والحوار البسيط الذي يكشف عن طبيعة الشخصيات الروائية. تتألف هذه الرواية من ثلاثة أجزاء يستقل كل منها بعنوان خاص، ويكاد يكون رواية قائمة بذاتها. تدور أحداث الجزء الأول "قاتلة الذئب" فى قرية مصرية هى "القواسمة" (أولاد قاسم) بمحافظة الشرقية؛ وتدور أحداث الجزء الثانى "الخروف الضال" بين مدينتى الإسماعيلية فى منطقة القنال وأبو كبير فى محافظة الشرقية؛ وتدور أحداث الجزء الثالث "البرهان" فى فيينا عاصمة النمسا. وتحفل الرواية ببيئات مختلفة وشخصيات متعددة – بالإضافة إلى شخصية البطل – وقصص فرعية كثيرة، وهى ثرية بفضل الروافد الثقافية والأسطورية والفلكلورية التى غذتها، وباختلاف الأساليب اللغوية والقصصية، وتنوع المشاهد التى تتنقل بين ما هو هزلى وما هو جاد شديد الجد. ومع ذلك، فالرواية تأتى ككل متكامل ونسيج واحد خيوطه متعددة ومتقاطعة ومتشابكة، وتبدو الرواية التي تحتفل بالحياة وتتغنى بروعة الأماكن، وكأنها فى نفس الوقت مرثية لعوالم لم يعد لها وجود. يصدق هذا بصفة خاصة على قرية أولاد قاسم، سيجد لها قارئ الرواية صورة واقعية شديدة الواقعية، ولكنه سيشعر فى نفس الوقت أنها أصبحت – هى والريف المصرى الذي تمثله – فى ذمة التاريخ. ويناقش الكاتب في روايته قضايا مثل الحب وثنائية الجسد والروح وعشق الموسيقى والتنوع الثقافى بما فى ذلك ما يتعلق بأنواع الطعام واختلاف طرق طهيه من بلد لآخر. وتسجل الرواية كيف تتيح الغربة للمصريين أن يعيدوا على البعد اكتشاف بلدهم التى لا يعلمون عنها إلا القليل "بما فى ذلك مثقفوهم" أما أغلب المصريين فلا يبالون بآثار بلادهم "لكثرة ما فيها من كنوز. مصر متحف كبير... ولكننا من شدة غنانا ننسى أننا أثرياء." وقبل سفر بطل الرواية إلى فيينا سبق له أن تعرف على جانب من حياة الأوروبيين فى "حى الإفرنج" بمدينة الإسماعيلية حيث أريد لهذا الحى أن يكون قطعة من أوروبا. و(بعد القهوة) التى تقع فى 421 صفحة متوسطة القطع، هى العمل الروائى الثانى للكاتب الذى صدرت له مؤلفات فى الشعر والقصة القصيرة، أما فى مجال الترجمة فله كتب منها (برتراند راسل.. فلسفتى كيف تطورت) و(طه حسين من الأزهر إلى السوربون) ويضم كتابات عميد الأدب العربى الفرنسية. ودرس محمودى الفلسفة فى جامعتى القاهرة ولندن حصل على الدكتوراه فى مجال دراسات الشرق الأوسط من جامعة مانشستر وبدأ عمله مترجما فى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ثم أصبح رئيسا لتحرير الطبعة العربية من مجلة (رسالة اليونسكو). وتنقل الرواية قارئها بين عوالمها المتباينة.. من هدوء الريف إلى "ضلال" البطل في المدن الصاخبة حين يصبح في الجزء الثاني الذي يحمل عنوان "الخروف الضال" إنسانا مغتربا يرى نفسه في أحد أحلامه كائنا جاء من الفضاء وجسده أشبه بسفينة فضائية. والبطل الذي تستهويه الموسيقى منذ الطفولة -حين كان يميل إلى موسيقى شعراء الربابة في استعراضهم الملاحم الشعبية- يجد في فيينا مجالا أكثر رحابة لتذوق الموسيقى الكلاسيكية ولكنه في الوقت نفسه يطرب وهو يستعيد ذكريات الصبا وهو يستمع إلى أغنية أسمهان (ليالي الأنس في فيينا) التي كتبها أحمد رامي ولحنها فريد الأطرش. وفي فيينا تدور نقاشات في مستوى مختلف عن فن الأوبرا وفلسفة الحب حيث يقول البطل الذي ينتمي إلى حضارة البحر المتوسط إنه "يوناني العقل والقلب" ويرفض فلسفة الموسيقي والمسرحي الألماني ريتشارد فاجنر (1813-1883) الذي يرى أن الحب "لا يتوج إلا باتحاد المحب بمحبوبه في ظلام الموت."