التموين: استلام أكثر من 2 مليون طن قمح محلي عبر 5 جهات والشرقية الأكثر توريدا    بدء اجتماع ترامب وأحمد الشرع في الرياض    3 هزائم أفريقية، لعنة النهائيات تطارد سيدات الأهلي    تحرير 959 مخالفة للملصق الإلكتروني ورفع 43 سيارة ودراجة نارية متروكة    الأرصاد: سقوط أمطار خفيفة على هذه مناطق    جمعية الفيلم تنظم مهرجان العودة الفلسطيني بمشاركة سميحة أيوب    عبد الغفار يشهد توقيع بروتوكول بين المجلس الصحي والأعلى لأخلاقيات البحوث الإكلينيكية    هزة خفيفة.. ماذا قال سكان السويس عن زلزال نصف الليل؟    قبل التوجه إلى قطر.. ترامب يلتقي قادة دول الخليج وأحمد الشرع بالرياض    وزير الخارجية: الدفاع عن المصالح المصرية في مقدمة أولويات العمل الدبلوماسي بالخارج    حقيقة القبض على رمضان صبحي لاعب بيراميدز خلال تأدية امتحان نهاية العام الدراسي    مدرب سلة الزمالك: "اللاعبون قدموا أدءً رجوليا ضد الأهلي"    سر غضب وسام أبوعلي في مباراة سيراميكا.. وتصرف عماد النحاس (تفاصيل)    بيان رسمي من محافظة البحيرة بشأن الزلزال: توجيه عاجل لمركز السيطرة    "صناع الخير" تكرّم البنك الأهلي المصري لدوره الرائد في تنمية المجتمع    انطلاق امتحانات الابتدائية والشهادة الإعدادية الأزهرية بالمنيا (اعرف جدولك)    الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية يلقي محاضرة عن تكنولوجيا الفضاء في جامعة القاهرة ويوقع بروتوكول تعاون مع رئيس الجامعة    سعد زغلول وفارسة الصحافة المصرية!    وزير الثقافة للنواب: لن يتم غلق قصور ثقافة تقام بها أنشطة فعلية    وزير العمل يستعرض جهود توفير بيئة عمل لائقة لصالح «طرفي الإنتاج»    محافظ الدقهلية يتفقد التأمين الصحى بجديلة لليوم الثالث على التوالى    ياسر ريان: حزين على الزمالك ويجب إلتفاف أبناء النادي حول الرمادي    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 بعد آخر تراجع    الاحتلال يزعم تدمير معمل لتصنيع المتفجرات في طولكرم    السعودية.. رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 14 مايو 2025    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الإقليمى    طريقة عمل اللانشون، في البيت زي الجاهز    الزراعة: تنظيم حيازة الكلاب والحيوانات الخطرة لحماية المواطنين وفق قانون جديد    «أسوشيتدبرس»: ترامب تجاوز صلاحياته الرئاسية بشن حرب تجارية ويواجه 7 قضايا    كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة يتهم إسرائيل بتعمد منع وصول المساعدات إلى غزة    نظر محاكمة 64 متهمًا بقضية "خلية القاهرة الجديدة" اليوم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 14 مايو 2025    القبض على الفنان محمد غنيم لسجنه 3 سنوات    فتحي عبد الوهاب: عادل إمام أكثر فنان ملتزم تعاملت معه.. ونجاحي جاء في أوانه    فتحي عبد الوهاب: عبلة كامل وحشتنا جدًا.. ولا أندم على أي عمل قدمته    رسالة مؤثرة يستعرضها أسامة كمال تكشف مخاوف أصحاب المعاشات من الإيجار القديم    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    فتحي عبد الوهاب: لم أندم على أي دور ولم أتأثر بالضغوط المادية    المُنسخ.. شعلة النور والمعرفة في تاريخ الرهبنة القبطية    قبل التوقيع.. الخطيب يرفض طلب ريفيرو (تفاصيل)    وظائف للمصريين في الإمارات.. الراتب يصل ل4 آلاف درهم    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    مصطفى شوبير يتفاعل ب دعاء الزلزال بعد هزة أرضية على القاهرة الكبرى    «السرطان جهز وصيته» و«الأسد لعب دور القائد».. أبراج ماتت رعبًا من الزلزال وأخرى لا تبالي    دفاع رمضان صبحي يكشف حقيقة القبض على شاب أدي امتحان بدلا لموكله    يد الأهلي يتوج بالسوبر الأفريقي للمرة الرابعة على التوالي    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    معهد الفلك: زلزال كريت كان باتجاه شمال رشيد.. ولا يرد خسائر في الممتلكات أو الأرواح    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    أول رد رسمي من محامي رمضان صبحي بشأن أداء شاب واقعة «الامتحان»    اليوم.. انطلاق امتحانات الشهادة الابتدائية الأزهرية 2025 الترم الثاني (الجدول كاملًا)    لماذا تذكر الكنيسة البابا والأسقف بأسمائهما الأولى فقط؟    سامبدوريا الإيطالي إلى الدرجة الثالثة لأول مرة في التاريخ    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    رئيس جامعة المنيا يستقبل أعضاء لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة    مهمة للرجال .. 4 فيتامينات أساسية بعد الأربعين    لتفادي الإجهاد الحراري واضطرابات المعدة.. ابتعد عن هذه الأطعمة في الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رقصة اللبلاب الحلقة السادسة
نشر في صدى البلد يوم 22 - 02 - 2012


-16-
وشعرت عفاف أنها في اللحظة التي تخلصت فيها من أي رباط رسمي يجمعها بزوجها الأول ..فقد تخلصت في نفس الوقت من كل ما يربطها بالبلد ، وصممت على العيش بالقاهرة .. وسحب والدها ووالدتها فى أقرب وقت ليعيشا معها ، خصوصاً بعد أن أحيل "شوكت " إلى سن المعاش ولم يعد لديه ما يفعله هناك ..أما "فريد " فتستطيع بعلاقاتها أن تنقله إلى شركة أكبر ووظيفة أهم فى العاصمة ..وظلت تداعبها الأحلام وتلعب برأسها ، وتغذيها بما تقرأه من روايات عن عالم صاحبة الجلالة ، وما تشاهده فى التليفزيون من مسلسلات تقدم الصحفيين فى صورة "شرلوك هولمز "أو صانع المعجزات ومحرك الأحداث .. فى حين أن المشهورين منهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ، والباقون مجرد أنفار أو موظفين يمسحون بلاط صاحبة الجلالة ، ويعانون ضيق ذات اليد إذا كانوا من الشرفاء ، أما إذا كانت ذمتهم واسعة ، فإنهم يتحولون إلى مندوبين للوزارات التى يمثلون جرائدهم بها وليس العكس ويحصلون على الهدايا والعطايا أو يتحولون إلى مندوبى إعلانات .. ولأن الصورة لم تكن واضحة أو واقعية عن الصحافة فى عينيها.. فقد كان هذا هو السبب في صدمتها الأولى ، حين توسط أبوها لدى رئيس الحزب ليتيح لها فرصة التدريب فى الجريدة التى تنطق باسم الحزب ، وتعبر عن سياساته.
وبمجرد أن علم الزملاء المناضلون أنها مطلقة ، حتى حاولوا جميعاً إقامة علاقات معها ..ودعاها رئيسها المباشر فى أول يوم عمل لتتناول معه فنجان من القهوة فى إحدى " كافتيريات" وسط البلد المشهورة .. وهناك طلب له ولها زجاجتى بيرة .. وراح يحدثها عن غراب البين زوجته التى حولت حياته إلى جحيم وتحولت رويداً رويداً إلى شوال قطن ، وصارحها بأنه لم ينم معها منذ سنتين .. ولم تمانع عفاف بطبيعتها المراوغة فى إغراء الزبون .. وجعلته يدفع يومها نصف مرتبه فى ثمانية زجاجات بيرة شرباها معاً ،بالإضافة إلى الغذاء والبقشيش .. وحين عرض عليها الذهاب معه إلى شقة صديق له أعطاه مفتاحها ليستغلها كما يشاء فى الأيام التى يسافر فيها لإنهاء بعض أعماله فى الغردقة وشرم الشيخ .. حاولت أن تتصنع العفة والاحترام .. ورفضت بشدة .. لكنها وافقت بعد شهر واحد ، حين بدأ رئيس القسم يمارس ضغوطاً عليها ، ويوجه ملاحظات قاسية إليها وإلى ما تجلبه من أخبار أمام الزملاء ، بعد أن كانت "فرخة بكشك " عنده ، وكان يكتب اسمها بنفس البنط الذى تُكتب به أسماء المحررين المعينين ، رغم أنها لا تزال تحت التدريب ، وليس من حقها حتى أن تطالب بكتابه اسمها على الأخبار التى تجلبها للجريدة ..ولم تمر فترة طويلة حتى فاحت رائحة علاقتها برئيسها المباشر ، بعد أن شاهدهما بعض الزملاء فى المعادى أكثر من مرة .. وبدأ الكثيرون يساومونها ويغرونها بأشياء مختلفة .. فأحدهم وهو المحرر الفنى للجريدة سيفتح لها أبواب العمل فى التليفزيون كمعدة برامج .. ومحرر الإسكان سيحصل لها على شقة ، بدلا من "المرمطة " فى بيت المغتربات الحقير الذى تعيش فيه ، ومحرر الداخلية سيعرفها على شخصيات كبيرة فى البلد ومصادر مهمة ستسفيد جداً منها .. وأصبحت الخناقات على الاستحواذ عليها بين الزملاء عينى ..عينك ..
وحين طلب منها رئيس قسم التحقيقات أن يأخذها إلى أحد الفنادق ورفضت .. قال لها: اشمعنى الريس بتاعك .. وساعتها عرفت أن فضيحتها أصبحت بجلاجل .. واستطاع محرر الداخلية من خلال علاقاته بمدير الأمن فى محافظتها أن يعرف السبب الذى جعل "أحمد " يطلقها بعد شهور قليلة من الزواج .. ولذلك فلم يكن امامها مفر من ترك الجريدة والعودة الى المربع رقم صفر .
وتأكدت عفاف من تجربتها فى الصحيفة المعارضة من صدق كل ما يقال عن المعارضة والمعارضين في مصر، فمعظمهم ليسوا سوى مرتزقة ،أو مجموعة من عبدة الشعارات التي يرددونها ليتكسبوا منها، ولا يطبقون شيئا مما يقولون على أنفسهم ، فقد كانوا يهاجمون الاسلام والاسلاميين وشيوخ النفط، في الوقت الذي كونوا فيه لحوم أكتافهم من العمل في الصحف الخليجية أو مكاتبها بالقاهرة، وكانوا يهاجمون أصحاب شركات توظيف الأموال ويضعون نقودهم فيها من أجل الارباح الفلكية التي كان يصرفها أصحاب تلك الشركات لعملائهم في السنوات الاولى لبدء نشاطهم، قبل أن تنهار سوق البورصات التي كانوا يستثمرون فيها أموال المودعين وتنكشف لعبتهم، وتنتبه الدولة الغافلة والمتواطئة لخطورتهم، خاصة بعد أن اكتشفت أجهزة الامن علاقاتهم بتيارات الاسلام السياسي واشتراكهم في تمويل تلك التنظيمات من أموال المودعين وأثرياء النفط.
واكتشفت عفاف أن معظم من يطلقون على أنفسهم لقب المعارضين قد نشأوا وتربوا فى أحضان السلطة ..واختاوا أن يكونوا على يسارها ، وأن يرتزقوا من معارضتها وانتقاد سياساتها ..وبعضهم يقبض من دول أخرى عن نضاله .. والبعض يقبض الثمن من أموال المعونة الأمريكية المخصصة لمنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الحقوقية ، والجمعيات التى تراقب الانتخابات وبعض رموز التيارات السياسية وأحزاب المعارضة ، والبعض الآخر يقبض من جهات آخرى غير معلومة فى الداخل والخارج .. المهم أن غالبيتهم مناضلين خمس نجوم ، يتحدثون عن الفقر والفقراء والفساد، والديكتاتورية وسطوة الأمن والدولة البوليسية .. ومعظمهم عملاء لجهات أمنية مختلفة أو منظمات خارجية .. ويمتلكون أفخر أنواع السيارات.. ويحيون حياة مرفهة فى الشقق الفارهة والفيلات وأحياناً القصور ، ويخدعون الناس بالكلام عن المعاناة وأزمة الرغيف والبطالة وعدم الانتماء ..والحقيقة أن غالبيتهم كذابون .. أفاقون ..منافقون .
-17-
وفي عز أزمتها النفسية واحساسها بالضياع والفشل في تجربتها الاولى في الصحافة..تذكرت عفاف فجأة خدماتها القديمة للأمن ، ووعودهم لها بمساعدتها على العمل فى الصحافة ، فاتصلت بأحدهم وطلبت مقابلته ، فلم يكذب خبراً،ورفع سماعة التليفون وهى تجلس أمامه ، وحدث رئيس تحرير أكبر جريدة حكومية ، وأوصاه عليها خيراً ، فطلب منه أن يرسلها على الفور إلى مدير تحرير الجريدة ، وأن تقول له إن رئيس التحرير هو الذى أرسلها له ، وهو سيحدثه حالاً على التليفون .. وكانت هذه هى أولى خطواتها فى عالم الصحافة القومية .
وأصرت عفاف على أن تستفيد من تجربتها في الصحيفة المعارضة، حتى لا يتكرر ما حدث لها ومعها هناك في صحيفتها الجديدة، وحاولت أن تتعلم من أخطائها السابقة ..فلا علاقات حميمة مع أحد من الزملاء في العمل، إلا في أضيق الحدود.. وأحلك الظروف.. وتحت ضغط حاجة ملحة.. أوهدف صعب لا يمكن تحقيقه الا من خلال علاقة من هذا النوع..وجعلت شعارها لهذه المرحلة هو" لا افراط ولا تفريط"..وقررت العودة مثلما كانت زمان الى صورة البنت المسترجلة الجدعة التي تستطيع أن تتواجد وسط ألف رجل دون أن تثير شهوة أحدهم بغمزة أو بنظرة، ودون أن تلفت الانتباه الى أنوثتها، أو على الأقل هكذا كانوا يتظاهرون أمامها..حين كانوا يسمونها بالكابتن، ويضحكون من مشيتها العسكرية التي تشبه مشية الضباط والجنود في الطوابير العسكرية..ولا داعي إذن للبنطلونات الضيقة التي تهوى ارتدائها ، وتظهر مفاتنها، أو التي شيرتات الصيفية المفتوحة عند الظهر، التي تظهر المنطقة العليا من صدرها وأسفل عنقها، وهي أكثر مناطق جسمها اغراءا، خاصة اذا ارتدت تحتها حمالات الصدر الضيقة التي تبرز الجزء الأعلى من نهديها..وتغري الرجال بالتحرش بها على الاقل لفظيا..ولا داعي أيضا لأن يعرف أحد من الزملاء أنها مطلقة..ولترتدي من جديد قناع الفتاة الخجولة البتول، الجادة، الطموحة الباحثة عن فرصة في عالم الصحافة، والمستعدة لكي تنبش في الرمل وتحفر في الصخر ، حتى يتحقق لها هدفها بدون ابتذال أو ترخص..وإذا سألوها من واسطتها للعمل بالجريدة، فلتقل لهم إنها عميدة كلية الاعلام التي تربطها علاقة جيدة برئيس التحرير، وهي التي رشحتها له من فرط ايمانها بموهبتها واستعدادها الفطري للعمل بالصحافة لتتمرن معه بأحد أقسام الجريدة على أن يتم تثبيتها وتعيينها اذا أثبتت أنها موهوبة وتستحق التعيين..وأخيرا لا داعي للماكياج ولتعد كما كانت أيام المظاهرات في الجامعة، الى البنطلونات و"التي شيرتات" العملية البسيطة المصنوعة من القطن، والشعر الملموم على شكل ذيل الحصان وكان الله بالسر عليم.
وحاولت سلوى منذ اليوم الأول لها في الجريدة القومية أن تلتزم قدر الامكان ببنود هذا "المانفيستو" الطويل من التعليمات والقيود التي فرضتها على نفسها حتى لا تتكرر مهزلة تجربتها في صحيفة الحزب مرة أخرى، وحتى لا تفقد هذه الفرصة، التي تعتبر إثبات وجودها فيها بمثابة حياة أو موت، فالوقت ليس في صالحها وهي ليست مستعدة لتضييع دقيقة أخرى من عمرها، وهي لابد أن تكتسب ثقة رؤسائها وزملائها.
ولأنها نشيطة جدا ودؤوبة، أو كما يقولون بالانجليزية "شورت سليبر"، حيث لا تنام سوى ثلاث ساعات على الاكثر في اليوم، وتستطيع أن تستمر يومين بل وثلاثة بدون نوم، كما كانت تفعل أيام المذاكرة والامتحانات أيضا، وكذلك ايام النشاط الطلابي في الجامعة والمظاهرات.. وهي لا تفتقد كذلك الى الموهبة، وإن كانت غير خلاقة، فهي منفذة جيدة إذا وضعتها على أول الطريق..لكنها لا تستطيع أن تفكر في موضوعات صحفية وملفات ساخنة خاصة من بنات أفكارها، ولذلك تحتاج دائما لمن يفكر لها، وتجيد هي بعد ذلك التنفيذ.
واستطاعت بالفعل أن تقدم عددا كبيرا من التحقيقات الصحفية الساخنة، وساعدها في ذلك زميل شاب لها، كان ماكينة أفكار، لكنه كان على العكس منها تماما، فقد كان من ذلك النوع الذي يفكر جيدا ولكن ليس لديه الطاقة أو الصبر على التنفيذ، وكانت تستغل هي هذه الملكة لديه، وتحفزه على أن يزودها دائما بأفكار جديدة لموضوعاتها..وقد انجذب الزميل لها بسرعة حين استهوته روحها المرحة اللطيفة وتضاريس جسمها المثيرة، التي تحاول اخفاءها تحت الملابس "الكاجوال" وتصنع الجديدة والاسترجال، رغم أنه كان يشعر تجاهها برغبة جنسية تصيب جسده بالرعشة وتصيبه بالتوتر الشديد كلما تحدث اليها، وقد لمحها مرة تضحك بخبث حين لاحظته وهو ينظر بصورة مباشرة وواضحة جدا للفتحة التي تفصل بين نهديها، حين مالت هي لتناوله ورقة يكتب لها فيها بعض أفكار التحقيقات، فظهر نصف ثدييها في هذه الانحناءة البسيطة، ونظرت صدفة لترى زميلها فاتحا فمه وفي وضع يبعث على الضحك على الشاب الذي لم يستطع أن يتمالك نفسه أمامها.
وأحس الزميل بكيمياء غريبة تربطه بها منذ أن رآها لأول مرة، وزاد فضوله حين علم منها أنها تنتمي الى عائلة يسارية، فاستفزه ذلك لأن يناقشها في أمور كثيرة سياسية ودينية..وفزع في البداية بسبب آراءها الصادمة لمعتقداته وتكوينه الفطري، لكنه سرعان ما تمالك نفسه، وقرر أن يكسب فيها ثوابا ويهديها الى السراط المستقيم..وببساطة شديدة أراد أن يكرر معها تجربة ابنة عمتها التي حاولت أن تقنعها بالصلاة وارتداء الحجاب والخروج من سيطرة الأب الكافر، والذي لا يجب طاعته أبدا فيما يغضب الله.
وأحضر لها الزميل بالفعل عددا من الكتب الدينية التي تتحدث عن حكمة الخلق وقدرة الخالق..والكتب التي تفند دعاوى الملحدين والعلمانيين، ومن بينها كتب لعباس محمود العقاد والدكتور رشدي فكار..وأهداها كتابا مترجما قام بتأليفه 50 عالم غربي في مختلف فروع العلم..كيمياء وفيزياء وطبيعة وفلك وفضاء..وغيرها من العلوم يثبتون من خلال قوانينها واكتشافاتها وجود الله بالأدلة والبراهين العلمية..وكتب لها في أول صفحة من الكتاب الآية القرآنية"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
ورغم أن الزميل الشاب كان مغرما بعفاف ويريد هو الآخر أن ينال شيئا من حلواها، إلا أن تورطه معها في هذا الطريق..طريق الهداية..جعل من الصعب عليه أن يوجه العلاقة الى مسار آخر، ولذلك فلم يجد أمامه في النهاية سوى أن يفاتحها في الارتباط الرسمي ..وقال إن لديه شقة-ايجار قديم- في شارع العشرين في منطقة فيصل بالهرم..وإنه يعمل في مكتب إحدى الصحف العربية بالقاهرة، بالاضافة الى عمله الرسمي في الصحيفة القومية، فضلا عن استعداد والده لمساعدته في سداد ثمن الموبيليا..وتكاليف الزفاف..ولم تجد عفاف أمام هذا العرض المباشر بالزواج سوى أن تعترف للشاب بأنها مطلقة، وأن زواجها لم يستمر سوى فترة قصيرة للغاية لدرجة أنها شبه عذراء، وحين استفسر منها عن معنى "شبه عذراء"..ادعت له أن زوجها كان يعاني من العجز الجنسي، وأنه كان يضربها كلما فشل في احدى غزواته في الفراش ،والتي كانت تنتهي دائما بالفشل..ورغم محاولاته المستميتة للعلاج ، والاستعانة بأي شئ يعطيه أملا في أن يصبح رجلا طبيعيا،سواء من خلال وصفة عطار أو دواء جديد أو مرهم مستورد من الخارج، لكن يبدو أن حالته كانت من النوع الذي يطلق عليه الاطباء " هوبلس كيس" ..حالة ميئوس منها..وقالت لزميلها الراغب في الزواج منها إن طليقها كسر إحدى قدميها في احدى نوبات غضبه، واضطرت لوضعها في الجبس لعدة شهور..وابتلع الزميل الشاب ريقه بصعوبة ..وقال بعفوية تنم عن أصله الريفي، وبدون أن يعطي لنفسه أي فرصة للتفكير ..
-بصراحة أنا رجل فلاح وما اقبلش اتجوز واحدة، لا مؤاخذة يعني خلعت ملابسها لرجل غيري، حتى ولو كانت متجوزاه..وبصراحة أكثر والدي ووالدتي مش ممكن يوافقوا على الجوازة دي ، خصوصا ان انا ابنهم الوحيد ومالهمش حد في الدنيا غيري..وهيقولوا ليه يا ابني ومالهش.
وغابت عفاف تقريبا عن الوعي والاحساس بالمكان والزمان..فلم تكن قد جربت معنى الاهانة المباشرة منذ فترة..ومر أمامها شريط طويل من الذكريات رغم عمرها القصير..رأت فيه نفسها شجرة بلا جذور..نبت شيطاني لا زرع له ولا حصاد..ومن فرط احساسها بالحنق والغيظ..عضت شفتيها حتى سال منهما الدم..وقاطعت الزميل الفلاح بصرخة من القلب في وجهه، أفزعته وجعلته يتراجع للوراء..بس خلاص..كفاية..مش عايزة أسمع منك حاجة تانية..انت فاكر يا بتاع انت ان انا ممكن اقبل بيك..يعني اصوم اصوم وافطر على بصلة..
وارتفع صوتها في صالة التحرير، حتى كاد البعض يسمعون بعض تفاصيل الحوار بينها وبين زميلها الشاب، وهو ما جعلها تتنبه بسرعة الى ما يحدث حولها، وتتذكر "المانفيستو" الذي وضعته لنفسها حتى لا تخسر هذا المكان، أو تضطر للتخلي عن طموحها..وحاولت بشدة السيطرة على مشاعرها، بعد أن جرح الفلاح "المدب" كرامتها ,وأنوثتها وكبرياءها ..وقال لها كده"وش" وبدون اي تزويق..أنا ما اقدرش اتجوزك علشان انتي مطلقة.
-18-
وحين عاد الشاب في اليوم التالي لكي يصالحها ويعتذر لها عن قلة ذوقه وعدم توفيقه في الكلام..استغلت الموقف بسرعة وسألته عن مكتب الجريدة العربية التي يعمل بها ، وهل من الممكن أن يساعدها لتعمل هي الاخرى هناك بالقطعة..أي يتم محاسبتها شهريا على اساس عدد الموضوعات التي تقدمها للنشر بالجريدة..وقالت له ..بصراحة..أنا محتاجة فلوس..والمبلغ اللي بناخده هنا في الجرنال كمكافأة تدريب لا بينفع ولا بيشفع..ولا يكفى حتى مصاريف المواصلات من بيت المغتربات الى هنا وبالعكس.
وبالفعل رق زميلها لها، وحاول أن يكفر عن خطيئة اهانة رفضه لها ، بمساعدتها على العمل بالمكتب العربي..ولأنه طيب للغاية..فقد نسى أنها شتمته في لحظة غضب..واصطحبها معه الى مكتب الجريدة العربية، وهناك التقت عفاف بأحد أصدقائها اليساريين القدامى منذ أيام الدراسة الجامعية، وعرفت أنه مسئول عن قسم الصياغة الصحفية"الديسك" الذي يقوم بإعادة صياغة وتصحيف الموضوعات التي يقدمها المحررون والمحررات للمكتب العربي، قبل أن يتم ارساله الى المقر الرئيسي للجريدة بالخليج.
ورحب الرفيق القديم بها، ودعاها هي وزميلها لتناول فنجاني قهوة في مكتبه، ثم أعطاها أرقام تليفوناته الخاصة..وحين سألته عن خطيبته، وكانت هي الاخرى صديقتها وتنتمي الى نفس التيار السياسي والكلية التي تخرجت منها.. قال بنبرة سخرية لم ترتح لها: خطيبتي ايه..ده انتي معلوماتك قديمة اوي..إنتى مش عارفة اننا اتجوزنا واطلقنا كمان.
وضحك ضحكة صفراء لا معنى لها ربما ليتخلص من الشعور بحرج الحديث في موضوع شخصي مثل زواجه وطلاقه، أمام محرر شاب ليس بينه وبينه أي علاقة سوى أنه يتلقى منه موضوعات صحفية للجريدة العربية.
وردت عفاف بسرعة لتساعده على الخروج من الموقف..بصرة يا عم..أنا كمان اتجوزت واطلقت..الظاهر ان اليساريين مالهمش حظ في الجواز.
وتنبه "عز" الى ماكينة الجنس التي تجلس أمامه ..وتذكر ما سمعه من صديقهما المشترك في التظيم الطليعي، عن مغامرات وغزوات شقة السطوح فى العمرانية .. ولم يكذب خبراً فاستغل فرصة خروج زميلها لتسليم موضوع له إلى مدير المكتب .. وقال لها .. وزعى الزبون وهتلاقينى بعد ساعة فى "الجريون " .. عازمك ياستى على قزازتين بيرة .. عايزين نرجع أيام زمان واحكيلك بالتفصيل حكاية جوازي وطلاقي.. واسمع منك .. أصلك واحشانى أوى .. أنا عارف إنى هاشوفك كتير .. مادمتى هتبتدى تجيبى موضوعات لنا هنا فى المكتب .. لكن أنا حاسس إنى محتاجلك ولازم أقعد معاكى النهاردة .
ودفعت الحالة النفسية التي كانت عليها عفاف إلى أن توافق فورا على لقاء عز رغم عدم ارتياحها التام له منذ أيام الزمالة في الجامعة والتنظيم الطليعي ..واستأذنت من زميلها الذي اصطحبها الى مكتب الجريدة العربية في أن تتركه لتعود إلى بيت المغتربات لترتاح ،بعد أن شكرته على باب الرزق الذى فتحه لها .. وسارعت وركبت ميكروباص من المهندسين حيث يقع المكتب العربى ، إلى منطقة " الإسعاف" ،ومن هناك تاكسى إلى وسط البلد حيث كازينو"الجريون" ..وهناك شربت مع "عز" حتى كادت تدوخ من تأثير "البيرة"، خاصة وأنها لم تشرب منذ فترة .. وأحست برغبة جنسية عارمة .. بعد شهر كامل من الحرمان لم تذق فيه طعم رجل ،منذ قطعت علاقتها بحسام والشاب الطنطاوى بعد فضيحة الطلاق .. وتعمد "عز" أن يزيد نيران شهوتها ويداعب يديها وينظر الى عينيها، نظرات تملؤها الرغبة ..ثم أخذها معه إلى شقته فى "منيل الروضة " .. وهى الشئ الوحيد الذى خرج به من الدنيا بعد وفاة والده ووالدته .. وسفر شقيقه الأكبر للعمل فى الكويت.
وكان عز شاعرا حقيقيا وصحفيا موهوبا، لكنه كان يصاب بالاحباط بسرعة ، وعند أول معوق يقابله في طريقه، كما أن طبيعته الشخصية واعتداده الكبير بنفسه، واحساسه بأنه أكثر ثقافة وموهبة من رؤسائه في العمل، وانعكاس ذلك على طريقته في التعامل معهم، كانت تتسبب له في مشكلات كثيرة، وتمنعه من الاستمرار في الجريدة الواحدة سوى لفترة قصيرة للغاية سرعان ما يصطدم بعدها برئيسه المباشر أو برئيس التحرير ويترك الجريدة الى أخرى..ولذلك فلم يراكم تاريخا صحفيا جيدا، وسبقه زملاء آخرون له أقل موهبة ولكن أكثر اعتدالا واصرارا على الوصول والنجاح..وزاد من أزمته هوسه غير الطبيعي بالجنس، فقد كانت علاقاته النسائية المتعددة هي متعته الوحيدة في الحياة التي يهرب بها من نفسه ومن ظروفه الاجتماعية السيئة والحياة القاسية التي بدأ يواجهها منذ وفاة والدته ، وبعدها والده بأقل من ستة شهور، وكأنه لم يحتمل فراقها أكثر من هذه المدة ..ولم يكن المعاش الذي ورثاه هو وشقيقه عن والده، يكفيهما حتى منتصف الشهر، لذلك اضطر الشقيقان للعمل في الاجازة الصيفية وجزء كبر من الدراسة لتوفير مصاريف المدارس والملابس، حتى تخرج أخوه وساعده خالهما في الحصول على فرصة للعمل معه في نفس الشركة التي يعمل بها الخال في الكويت، فبدأت أحواله تتحسن قليلا بفضل النقود التي كان يرسلها شقيقه له بين وقت وآخر، حتى نجح في التخرج بتفوق من قسم الصحافة بكلية الاعلام، وداخ السبع دوخات للبحث عن مكان له في احدى الصحف الحكومية المضمونة المستقبل، لكنه لم يكن لديه واسطة أو معارف يساعدونه في ذلك.
ورغم نشاطه السياسي الكبير خلال سنوات الدراسة ، ورغم أنه كان العقل المفكر والمدبر للتنظيم الاشتراكي داخل الجامعة، وتم اعتقاله أكثر من مرة ، وتهديده بالفصل، ورغم أنه كان مثقفا يساريا من العيار الثقيل، الا أنه لم يحرص على الاطلاق على الانتماء لأي حزب، وكان يعتقد أنها مجرد دكاكين، وأحزاب ورقية نشأت في حضن السلطة، ولا وجود حقيقي لها أو لرموزها المستفيدين منها في الشارع..ولذلك فلم يجد من يسنده حين تخرج من الجامعة سوى مثقف ومناضل ناصري يمتلك مكتبا يراسل من خلاله بعض الصحف ومحطات التليفزيون العربية، وهو الوحيد الذي يدين له بفضل احتضانه ، لدرجة أنه كان يقرضه من جيبه الخاص أحيانا، حين ينفد المرتب المعقول الذي يعطيه له قبل نهاية الشهر،بسبب نزوات عز العاطفية وانفاقه لمعظم دخله على النساء وشراء الكتب.
وزادت أزمات عز المالية والنفسية بعد زواجه من زميلة له في الجامعة والتنظيم الطلابي الاشتراكي، واكتشف بعد فترة قصيرة من الزواج أنه ارتكب غلطة عمره ، وأن البيئة الاجتماعية الحقيرة التي نشأت فيها زوجته كان لها تأثير كبير على سلوكها وطريقتها في التفكير، وأن الألفاظ البذيئة التي اعتاد أن يسمعها منها أيام الدراسة الجامعية موجهة الى اللصوص والحرامية الكبار، كانت جزءا من طقوسها اليومية فهي تموت في البذاءة والألفاظ المشينة، ولا تبخل عليه بشئ منها اذا بدر بينهما أدنى خلاف، ولا تتورع أن تسبه بأقذع الالفاظ أمام اصدقائه والجيران..لقد حولت بالفعل حياتهما معا الى جحيم لا يطاق ، وخصوصا بعد أن تكرر سقوط حملها منه أكثر من مرة، وتحذير الاطباء لهما من تكرار تجربة الحمل خلال العامين القادمين على الاقل..ولم يعد هناك شئ يربطهما..واكتشف أن ميولها اليسارية لم تكن سوى وسيلة غير مباشرة لتنفيس حقدها على المجتمع والناس بسبب الظروف الصعبة التي نشأت وعاشت فيها، وأن حرمانها من الانجاب زاد من عدوانيتها تجاهه ، رغم أنها تعلم أنه لا ذنب له في ذلك..وأصبح الانفصال بينهما مجرد مسألة وقت، في انتظار القشة التي ستقصم ظهر البعير، وجاءت الخناقة الاخيرة بينهما لتسدل الستار على حياته التعسة معها، فهي لم تكتف هذه المرة بالشتائم والسباب ولكنها قذفته بمنفضدة السجائر الرخامية في رأسه ، فأصابته بشبه ارتجاج في المخ، وكاد يفقد حياته أو يصاب بالشلل ، لولا رحمة الله به، لذلك فقد نطق أمامها بيمين الطلاق في أول مرة افاق منها من تاثير"البنج" وهو لا يزال في المستشفى، ووجد في انفصاله عنها الوسيلة الوحيدة لكي لا تقتله أو يقتلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.