داهمنى شعور بالفخر الحذِر، والخوف المتشكك، عندما استمعت فى سيارتى عبر راديو مصر إلى خبر توصل القوات المسلحة إلى كشف علمى مهم يقضى على كل من فيروس "سى" والإيدز. قلت لنفسى إن هذا كلام خطير، لا يمكن أن يتم ترديده بهذه السهولة، ولا يصلح لأن يكون مجرد خبر مثير، يتصدر نشرات الأخبار لمدة يومين أو ثلاثة ثم يذهب فى خبر كان، خاصة أن الجهة التى أعلنت عن الأمر هى القوات المسلحة المصرية، وبالتالى فإن عدم جدية الإعلان اذا كانت الحكاية "مضروبة" سوف ينعكس بأسوأ الأثر، على صورة القوات المسلحة، التى تتربص بها أصلا أطراف عديدة، وتنتظر لها هفوة، فما بالك بما اذا كان الأمر يتعلق بكشف علمى، سيكون اذا صح، كشفا علميا عالميا بكل المقاييس، لم يتوصل له الغرب أو الشرق، رغم كل الإمكانات العلمية الهائلة لديهم، وتوصل إليه مصريون. فهل يمكن أن تكون الحكاية "مضروبة" حقا؟ كان من حقى أن أسأل وأتشكك، وكيف لا أتشكك؟ فى ظل رصيد هائل من الإحباط، بشأن قدراتنا فى مجالات بعينها، يأتى على رأسها بالطبع، العلم والبحث العلمى، وأهله وناسه وجيرانه والذى منه، خصوصا أننى سبق أن زرت أحد طوابق وزارة البحث العلمى قبل سنوات، وعرفت أن هذا "الطابق العظيم"، يضم الادارة المسئولة عن منح براءات الاختراع للمخترعين المصريين، أصحاب الأفكار المبدعة، التى يصلح بعضها لتنفيذ مشروعات كبرى تأتى بالأرباح الطائلة، وبعد زيارتى بالطبع، عرفت لماذا يصاب المخترعون في مصر بالجنون، ويغلب عليهم "الهسهس"، أو يهربون الى الخارج. على كل حال .. انتشر الخبر فى الفضائيات .. وفى الصحف ظهرت المانشيتات .. وسارت الأمور الى ما سارت إليه. واضح أن الحكاية حقيقية مش مضروبة .. حتى دخلت الكفتة فى الموضوع! ظهر اللواء إبراهيم عبد العاطى مخترع جهاز علاج فيروس "سى" والإيدز، وهو يحاول شرح الحكاية للناس بطريقته، فقال إنه يشبهها بعملية أخذ الإيدز من المريض، ثم "اديهوله فى صورة صباع كفتة يتغذى عليه"، وعندئذ اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بالسخرية والتعليقات! لكن صحيح إيه حكاية صباع الكفتة دى؟! الصديق عماد الدين صابر المحرر العسكرى بجريدة الأهرام، شرح الحكاية بطريقة أخرى، نقلا عن اللواء طاهر عبد الله رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة الذى قال إن الجهاز الجديد، يقوم بتعريض الفيروس الى موجات كهرومغناطيسية، ومع تناول المريض بعض الأدوية المحفزة للجهاز المناعى للجسم، تتولى هذه الموجات تفكيك الروابط بين الجزيئات الكربونية والنيتروجينية المكونة للفيروس، ثم دمجها كيميائيا، فى اطار عملية هدم وبناء (ميتابوليزم)، فتتحول الى أحماض أمينية يستفيد منها جسم الانسان. الأحماض الأمينية دى بقى هى صباع الكفتة اللى اللواء إبراهيم عبد العاطى بيتكلم عليه، عشان الراجل البسيط الغلبان يفهم، وعلى فكرة، لسه فيه صوابع كفتة تانية، يعنى مش صباع واحد، ازاى؟ اسمع باقى كلام عم عماد الدين صابر. يقول اللواء طاهر عبد الله رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة - وفقا لما نقله عماد - إنه ثبت بالتجارب العلمية ان الجهاز الجديد يقوم بالقضاء تماما على الفيروس، وبدون أعراض جانبية، بل انه يقوم أيضا بتحسين كيمياء الدم بشكل عام، بزيادة نسبة الهيموجلوبين، وعلاج الأنيميا، وزيادة المناعة، وزيادة الصفائح الدموية، وتحسين وظائف البنكرياس والكلى. كل دى صوابع كفتة قدامك .. تخيل! .. وبعدين يا أخى لو مش عايز تاكل ما تاكلش .. لو تقدر فعلا أرجوك ماتاكلش .. يعنى لو كنت عيان وعندك ايدز أو فيروس سى وعاجباك أوى حكاية الكفتة دى يبقى لو سمحت ما تاكلش! لو سمحت .. أيها الأخ المريض بالايدز أو فيروس "سى" .. لا تطلب أو تحاول العلاج بهذا الجهاز الجديد .. اذا كان قد أثار هو وصاحبه سخريتك .. افعل هذا حتى تكون متسقا مع نفسك .. فهل أنت فعلا كذلك؟! فكرة رفض العلاج بالجهاز فى حالة عدم الاقتناع به ليست لى، بل عبر عنها الصديق هشام البسيونى الكاتب الصحفى بجريدة الجمهورية، على صفحته على موقع "فيسبوك"، حيث كتب يقول .. "بعض المغرضين اللى لا ليهم فى الطور ولا فى الطحين بيفتوا كمان فى الأجهزة العلمية زى ما بيطجنوا فى السياسة .. عن الذين يهاجمون الاكتشاف العلمى الذى ابتكرته القوات المسلحة أتكلم .. متبقوش تروحوا تتعالجوا بيه خلاص وريحوا دماغنا". ويضيف هشام البسيونى، معلقا على الأسلوب البسيط لمخترع الجهاز العالم اللواء إبراهيم عبد العاطى فى شرح فكرته، فيقول ان رجال القوات المسلحة "مش بتوع علاقات عامة .. اللى بييجى على لسانهم بيقولوه .. العبرة بالنتائج". صح لسانك يا عم هشام .. بس تقول لمين؟ .. وتتكلم ازاى مع عيانين؟ .. عيانين بجد .. مش بالايدز ولا فيروس سى .. عيانين فى دماغهم .. واحساسهم .. وضميرهم .. تافهين ما يلفتش نظرهم غير تفاهات .. عاجزين عن شوفة حلم أو نجاحات .. سيبهم يا عم هشام .. الكفتة عاجباهم .. و على الكبار مضحكاهم .. ماهم بيها ومعاها عايشين .. مش بس فى بطونهم .. لا لا لا .. الكفتة فى دماغهم واحساسهم .. الكفتة فى ضميرهم. [email protected]