في مثل هذه الأيام من كل عام تبدأ معاناة من نوع جديد للطلاب المغتربين بالجامعات المصرية الذين لم يحالفهم الحظ في الالتحاق بالمدن الجامعية، فضلا عن أهوال المناهج والكتب الدراسية وتحكمات الأساتذة وتخبط العملية التعليمية في مصر بشكل عام، المعاناة تكمن في "مافيا سكن الطلاب والطالبات". غالبا ما يلجأ طلاب الجامعات إلى البحث عن سكن بالإيجار طوال فترة الدراسة، بحيث يكون قريبا من الجامعة لضمان التغلب على مشكلة المواصلات، وهو ما يعد صيدا ثمينا لأصحاب الشقق السكنية القريبة من الجامعات، والذين يستغلون الموقف بتأجير الشقق للطلاب بأغلى الأسعار، وأقل الإمكانات المتاحة، والوسائل اللازمة لحياة آدمية تليق بطالب جامعي مطلوب منه البحث والاستذكار في جو هادئ ومرن لأداء ما يتطلب منه تجاه كليته ودراسته الجامعية. "صدى البلد" اخترق هذه المافيا ورصد معاناة الطلاب بداية من رحلة البحث عن سكن مناسب والتي تنتهي بقبول الوضع أينما كان حتى لو بأربعة جدران، ونزولا على تحكمات صاحب السكن والسمسار، وقبولا بالمبلغ الذي يرتضيه كليهما.. فليس هناك حل آخر. في رحلة للبحث عن سكن جامعي بالحي السادس بمدينة نصر والمواجه لجامعة الأزهر التقينا بأحد السماسرة، والذي أكد لنا أن الوقت تأخر لإيجاد سكن مناسب، غير أنه أشار إلينا بأنه سيخدمنا خدمة العمر، فما زالت أمامنا فرصة ولكن "الشقة غالية شوية بس نضيفة ياباشا وهتعجبك".. هكذا قال، ثم اصطحبنا إلى الشقة النظيفة التي تحدث عنها وما أن دخلناها حتى ظننا أنها حظيرة، فالشقة المفروشة ليست مفروشة سوى ببعض الكراكيب والسراير التي تبدو منها رائحة الكمكمة والعفن، ووسط وعود من السمسار بتغيير بعض أثاث الشقة تركناها إلى البحث عن أخرى. التقينا هذه المرة بأحد الطلاب ويدعى أحمد علي بكلية الهندسة، والذي أكد لنا أنه ذاق الأمرين للحصول على سكن مناسب، حيث لم يحالفه الحظ في الالتحاق بالمدينة الجامعية لعدم حصوله على تقدير جيد جدا او ممتاز، وقال: إنه من محافظة المنيا ويضطر هو وزملاؤه شهريا لدفع مبلغ 3000 جنيه كإيجار للسكن، وهو ما يزيد من أعبائه على أهله، بالإضافة إلى أعباء الدراسة من كتب جامعية ومستلزمات هندسية ومعامل وأشياء أخرى. الطالب أكد لنا، المشكلة ليس لها حل سوى بإنشاء كليات تابعة لجامعة الأزهر بالأقاليم، أو استيعاب المدينة الجامعية للطلاب لجميع المغتربين بدون استثناءات. الطالب عمر كامل بكلية الزراعة شكا من تعنت أصحاب الشقق السكنية ومطالبتهم بأجور عالية نظير السكن، مشيرا إلى أنه يشارك 6 من زملائه في شقة مواجهة للجامعة نظير 2200 جنيه شهريا، على الرغم من عدم جاهزية الشقة للسكن إلا أنهم مضطرون لتحمل الوضع على ما هو عليه قائلا: "كام سنة وهتعدي لكنها سترتبط بذكرى غير محمودة لدينا". تابعنا البحث والتدقيق والتقاط الصور للمباني المتهالكة والشقق الآيلة للسقوك وسط أكوام القمامة ومستنقعات الصرف الصحي، حتى أن بعض الأهالي قسم الأدوار السكنية إلى غرفات متجاورة أكثر من 7 غرف مثلا وبحمام ومطبخ مشترك بينهما، والغريب هو تكالب الطلاب على هذه المساكن للحصول عليها نظير الحاجة إليها للاستقرار ومداومة العملية الدراسية. ومن جهته أكد أحد المصادر بالمدينة الجامعية للأزهر أن المشكلة كبيرة بالفعل، وبعض المحافظات تلجأ لبناء مساكن خاصة في صورة مدن جامعية مصغرة لمغتربيها كمحافظة المنوفية، وهو ما يوفر على الطلاب عناء البحث والوقوع كفريسة في أيدي السماسرة. وأضاف أن المدينة الجامعية للأزهر هي الأكبر في مصر لا تستوعب كل الطلبة المغتربين، فمن الضروري التوسع في إنشاء جامعات إقليمية تابعة للأزهر حتى تخفف من ضغط الطلاب على العاصمة، وهو أمر متروك لمشيخة الأزهر وإدارة الجامعة.