علمتنا تجارب الثورات فى العالم أنها عادة لا تنتصر بمعركة واحدة فاصلة لتنهى نظاما وتبنى نظاما بديلا، وعادة ما تمر الثورات بموجات مختلفة من المد والجزر الثورى فى سنوات تتخللها فترات نجاح وفشل حتى يقوى عود النظام البديل باختبار بدائله المختلفة، ثم تنهى الثورة عملية بناء نظامها كاملاً. كما تعلمنا بتجربتنا الذاتية وأخطائنا أن التحرك الرئيسى فى كل موجة ثورية يبدأ بتحالف أطراف مختلفة ضد السلطة الحاكمة، ثم سرعان ما يتفكك هذا التحالف بعد إسقاطها، ليبدأ كل طرف فى الدفاع عن أهداف الإطاحة بالنظام السابق كما يراها، وعادة ما يُبنى تحالف الضد خلال التحرك وليس فى جلسات اتفاق سابق. فى الموجة الأولى من الثورة المصرية فى يناير 2011 بدأ التحرك من خلال مجموعات شبابية نسقت لتحرك واسع فى 16 محافظة، بعد أن اختبروا تجربة العمل المشترك لسنوات سابقة، وما إن لاحت بوادر نصرهم حتى انضمت قطاعات جديدة، سواء من رموز المعارضة التى كانت راضية بالدور الذى يعطيها إياه النظام، والتى أرادت الالتحاق بركب قوى التغيير والقفز من سفينة النظام قبل غرقها، أو جماعة الإخوان المسلمين التى التحقت رسمياً فى 3 فبراير، ثم تفاوضت مع النظام للانسحاب مقابل بعض المكاسب للجماعة، وفى الوقت ذاته كانت تحاول حجز مكان بين الثوار، فإن نجحوا فى إسقاط السلطة تكون جاهزة للعب الدور الرئيسى لما لها من خبرة تفاوضية مع أجهزة الدولة وتنظيم يتحرك بقرار واحد من قيادته. فى 12 فبراير 2011 انفك هذا التحالف وبدأت جماعة الإخوان فى التفاوض والتحالف مع السلطة الانتقالية، كما بدأت رموز المعارضة الصورية التقليدية فى البحث عن مكان بجانب ملامح السلطة الجديدة التى بدأت تتشكل، وعاد أعضاء حزب الكنبة لكنبتهم الوثيرة بعد أن تخيلوا أن سقوط رأس السلطة يحقق التغيير المنشود، بينما بقى الثوار يصرون على استكمال مهام الثورة بالتحالف ذاته، والذى قد يكون نتيجة قلة خبرة قيادات طبيعية أفرزتها ثورة فى بلاد لم تشهد مناخاً ديمقراطياً ينقل خبرات العمل العام لأجيال ولدت وعاشت فى مجال سياسى مغلق، ولم يع معظمنا آنذاك أن الثوار خرجوا لتغيير النظام وبناء نظام بديل، بينما التحقت بهم قطاعات من النظام التى كانت تلعب دور المعارضة لتحسين وضعها فى السلطة وإعادة اقتسامها لا تغييرها. كانت النتيجة الطبيعية أن من التحق مؤخراً بصفوف الثوار، سواء من المعارضة التقليدية أو الإخوان، هم أول من أرادوا التخلص من الثوار لاقتسام مكتسبات تحركهم دون تغيير فى طبيعة النظام. اليوم ينتهى تحالف الضد فى موجة 30 يونيو من الثورة المصرية، ويعود كل طرف من أطراف التحالف الجديد الذى أطاح بسلطة الإخوان، فعاد من يؤيد رجوع الدولة الأمنية لينادى بها ضد الثوار، الذين خاضوا معاركهم وحدهم ضد الإخوان حتى يوم 30 يونيو، وعاد رموز النظام الأسبق متخيلين أن الإطاحة بالإخوان تعنى أن السبيل مفتوح أمامهم لاستعادة السلطة، وبقى أنصار الإخوان يبكون شرعية وهمية سقطت مع أول نقطة دم سالت من متظاهرين سلميين ضد حكمهم، وعاد أعضاء حزب الكنبة لكنبتهم مرة أخرى، بينما بقى الثوار يبحثون عن الخطوة التالية. أظن أننا يجب أن نكون بالذكاء الكافى الذى لا يجعلنا نرتكب نفس الخطأ ثانية لنعاود خسارة يدفع ثمنها شعبنا من مستقبله وحقه فى وطن قوى عادل مستقل، وعلينا أن نعى أن تحالف الضد الذى بُنى قبل 30 يونيو انتهى فى 3 يوليو، وأن الثوار الآن عليهم البدء فى بناء تحالفهم الجديد، الذى يضم كل من لا يشغله من يحكم بقدر ما يشغله كيف نُحكم، وتحويل شعارات الثورة من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية ودولة مواطنة لبرنامج حقيقى يخوض معارك متفرقة لبناء وطن جديد طالما حلمنا به جميعاً. نقلا عن المصرى اليوم