إنه لأمر محزن متابعة الكثير من مقالات وتصريحات بعض الكتاب والمثقفين أو من يصنفون أنفسهم بالنخبة، وكتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، لأسباب كثيرة في مقدمتها انفصالهم الحاد الفاضح عن حركة المجتمع المصري، حتى ليتخيل المرء أنهم من يرعون في واد آخر غير الوادي يرعى فيه المصريون، ففي الوقت الذي تلتحم في إرادة الشعب المصري عازلة للإخوان وأنصارهم من المتطرفين والارهابيين والقتلة، نرى بينهم من يتحدث عن مصالحة وحوار واحتواء متجاهلا الدم الذي وقع لأبرياء في شوارع القاهرة منذ التاسعة مساء يوم 3 يونيو حيث تم عزل الحاكم الإخواني، ولا يزال يتواصل، بل يذهب بعض هؤلاء الكتاب والمثقفين إلى أن من بين هؤلاء الإخوان أناس محترمون عاقلون، جاهلين بالتاريخ الذي كتبه قادة الجماعة بيديهم وفيه تتجلى العنصرية والفاشية والدعوات التحريضية للعنف والتكفير. يدعي هؤلاء المثقفون والكتاب الذين يكتبون من أبراجهم العالية أنهم يعرفون مجريات الشارع وما يدور فيه من وقائع وأحداث وأحوال، والحقيقة أن أحدا منهم ربما لم يقرأ سطرا في تاريخ هذه الجماعة وحلفائها من جماعات وتنظيمات، وربما لم ينزل من بيته للمشاركة في الثورة منذ انطلاقها في يناير 2011 وحتى اكتمالها في يونيو 2013، ثم في 3 يوليو و26 يوليو، ليرى كيف يفكر الرجل والمرأة والشاب والشيخ العجوز في الشارع وما هي ردود فعله. يكتفي هؤلاء بتلميع أحذيتهم وصبغ وتسريح شعره وشد جلدهم والجلوس على الكراسي أمام الكاميرات أو في غرف المكتب أو الصالات المكيفة لمشاهد القنوات الفضائية وقراءة الصحف والحوار الأسري أو العائلي المحدود المقيد، وأذكر في هذا الصدد أن كاتبا وصحفيا كبيرا قال لي أنه لم يمر على ميدان التحرير ولم أره منذ 25 يناير 2011، فربت على كتفه يومها "الحمد لله". لم ير هؤلاء الكتبة المتحزلقون الذين أيضا تمتلئ بهم شاشات الفضائيات كما تمتلئ بهم الصحف والمجلات ليفسروا ويحللوا ما لم يروه أو يشاركوا فيه أو يتابعوه على الأرض قطرة دم تسيل شهيدا أو مصاب يسحب على نقالة للمستشفى الميداني أو الآلاف تخنقهم قنابل الغاز، عامان ونصف العام صدعوا أدمغة وأفئدة المصريين، والمصريون يسمعونهم أو يقرأونهم مستهزئين بميوعتهم وتقلب أفكارهم ومبادئهم وقيمهم، وقد كانت ثورة 30 يونيو 2013 لطمة على وجوه هؤلاء وغيرهم من ائتلافات ثورية وحركات، ومع ذلك يبدو أن الطمة اربكتهم وشلت الكثير من مفاصلهم وعرتهم، فانقسموا على ذواتهم ما بين مصدق لما حدث ومحاولته مسايرة الأمر، وبين غير مصدق لما حدث يتخبط متراقصا كراقصة عرجاء قبيحة في صالة شعبية. أذكر أنه عندما خرجنا أول مظاهرات حاشدة ضد الحاكم الإخواني المعزول وكانت أمام النصب التذكاري لانتصار أكتوبر المجيد وزحفنا ليلتها إلى قصر الاتحادية للمرة الأولى، ليخرج الهتاف الذي استمر حتى سقوط الحاكم الإخواني " يسقط يسقط حكم المرشد"، أذكر أنهم كانوا يضحكون علينا على الشعب المصري الذي لبى دعوة البرلماني السابق أحمد أبو حامد والصحفي مصطفى بكري، وقالوا يومئذ فلول النظام السابق أنصار الفريق أحمد شفيق لمجرد أن بكري وأبو حامد كانا من أنصار النظام السابق، وهاجموا المظاهرات، لكنها ظلت اللبنة التي بنيت عليها كل التظاهرات التي خرجت بعد ذلك وكللت بالنجاح في 30 يونيو. لم يدرك أمثال هؤلاء الكتاب والمثقفين الذين تحركهم الدولارات والأهواء والمصالح والأمراض النفسية حتى اللحظة الراهنة أن إرادة الشعب تجاوزتهم إلى أبعد مما يتخيلون وأنهم في خارج شعبهم، لذا كان ذهولهم يوم 30 يونيو، حين خرجت مصر من شمالها لجنوبها مطالبة بإسقاط حكم الإخوان، وأقسم بالله أن أكثرهم لم يكن ليصدق حتى ظهيرة يوم 30 يونيو أن الشعب سيخرج وأن الحكم الإخواني سيسقط وسيعزل وسيطارد. ما يحزنني أنهم الآن يلجأون للتشكيك في كل ما يجري ويحصل، يشككون في إرادة الشعب وفي وطنية الجيش المصري وفي وطنية الرئيس المؤقت وحكومة الرئيس المؤقت والحكومة الانتقالية، بل ويخرجون كلاما عفنا عن مؤامرة سيق لها الشعب بتحالف عسكري مع رجال النظام السابق مع رجال الأعمال المسيحيين، ولا يكفون عن تشويه أي خطوة تتخذ نحو الاستقرار، ويغمزون ويلمزون على قيادات الجيش المصري ودوره التاريخي في الانحياز لمصر. هؤلاء الجهلاء بتاريخ الجماعة وتوجهاتها وأهدافها وخططها هم مصيبة مصر الآن وكارثتها الحقيقية التي حال استمرارها يمكن أن تقود البلاد إلى الغرق، فاستهداف التشكيك في الجيش المصري وقياداته، والهجوم عليهما من خلال اتخاذ أخطاء المجلس العسكري السابق أثناء توليه المرحلة الانتقالية ذريعة، والتأكيد على أن ما جرى انقلابا عسكريا وليس إرادة شعب، أمر يتوافق مع الخطة الإخوانية الإجرامية لإحداث صدع داخل القوات المسلحة يسمح لهم باختراقه، ودخول المليشيات الارهابية المسلحة بزي الجيش ليتكرر سيناريو الجيش الحر السوري. لا يدرك هؤلاء المغيبون عن حركة المجتمع أن المجتمع بدأ يتصدى بالفعل لهؤلاء الارهابيين وأن قيادات الجماعة وتنظيمها الدولي تسعى إلى الاتجار بالدم كما تتاجر بالدين سواء بسواء، من أجل تحقيق مكاسب تضمن لها الوجود في السلطة مستقبلا، أو الخروج بشكل آمن يسمع لقياداتها بإعادة تنظيم نفسها مرة أخرى، إن الجماعة وتنظيمها الدولي بحاجة إلى هذا الدم سواء منها أو من غيرها لكي تقول للعام "الحقونا الجيش المصري يقتلنا". والحقيقة الغائبة أن الشعب المصري هو من يقتلهم دفاعا عن حياته وأرزاقه، فحين نزل هؤلاء الارهابيون إلى منطقة رمسيس والفجالة حيث تقع أكبر تجارة للأدوات المدرسية وأجهزة السباكة وقطع غيار السيارات والأجهزة الكهرباء، هل يعتقد هؤلاء الارهابيون أن عمال وأصحاب هذه الأعمال سوف يسمحون لهم بتدمير أرزاقهم وأرزاق أبنائهم، فضلا عن سكان المنطقة؟.. هل يظن هؤلاء الارهابيون أنهم حين يهددون منطقة باب الشعرية بورشها الصغيرة ومحالها ومقاهيها ويلتقيهم شبابها وعمالها بالورود؟. ليس الأمر مجرد سوء تقدير أو سوء فهم لما يجري في مصر اليوم من قبل هؤلاء الكتاب والمثقفين بقدر ما هو عمى وانفصال قبيح عن المجتمع المصري وعدم وعي بنسيجه وتكوينه الاجتماعي وتاريخه الذي ينبذ العنف والتشدد، وعدم قدرة على استيعاب المرحلة وما تتطلبه من تكاتف لإعادة الدولة التي مزقها الحاكم الإخواني وأسقط هيبتها وكرامتها وجعلها مسخرة أمام الشعب داخليا وأمام المجتمع الدولي خارجيا. أقول لهؤلاء أفيقوا ونحوا مصالحكم وأهواءكم جانبا، واتقوا الله في مصر، وعودوا إلى رشدكم إن كان لكم رشد، وكفى ترويجا للانقسام والانقلاب والارهاب، كفى تزويرا لإرادة الشعب فلستم أوصياء عليها، الشعب نفذ إرادته ولم يكن أحد ليستطيع الوقوف أمام إرادته، مصر عزلت التكفيريين والظلاميين والارهابيين وانتصرت لحضارتها التنويرية ولريادتها وكرامتها وهيبتها.