يعود تأسيس جامع عقبة بن نافع إلى عام 50 هجرية، وهو من المعالم الإسلامية الخالدة، حيث لم يبن مثله في تونس على مدى العصور الماضية، وهو لا يزال شاهدا على عظمة الحضارة الإسلامية مقارنة بما كان سائدا عند بنائه وتشييده، حتى لو عدنا للتاريخ الأغلبي (نسبة للأغالبة الذين اتخذوا القيروان عاصمة لدولتهم في القرن التاسع الميلادي). وجامع عقبة الذي تحول من جامع إلى ما يشبه الجامعة العلمية لعلوم القرآن ومدرسة لتخريج حفاظ القرآن من أعظم المساجد ومأذنته تعتبر من روائع المعمار الإسلامي. وتبلغ مساحة الجامع نحو 10 آلاف متر مربع ويبلغ طوله نحو 130 مترا وعرضه نحو 100 متر، وفيه مئات الأعمدة الرخامية ، ويتمتع بصحن فسيح تتوسطه ساعة قديمة، كما يعد أكثر وسعة وجمالا من جامع الزيتونة ذاته الذي تأخر بناؤه بما يزيد عن 60 عاما من بناء جامع عقبة. وبالجامع ست قباب، منها قبة المحراب التي تعد أقدم قبة في بلاد المغرب الإسلامي، وقبة البهو على مدخل البلاد الأوسط، من جهة الصحن، وقبتان تعلوان مدخل بيت الصلاة في الشرق والغرب، وقبة تعلو المجنبة الغربية للمسجد، وقبة في أعلى المئذنة . واستمر الجامع في أداء دوره المعرفي والرسالي عبر العصور، وقد تقلص دوره في عصور الانحطاط، وأورث ذلك القابلية للاستعمار، وقد عمل المحتل الفرنسي، على وأد الثقافة الإسلامية وإحلال ثقافته محلها، ورغم فشل استراتيجيته إلا أنه تمكن من إحداث بعض الخروقات كان أخطرها تولي الحكم من بعده المنهزمين المولعين بالغالب، وقد عرف الجامع بعض الضمور في أدائه ولولا أن قيض الله له رجالا من أمثال الشيخ عبدالرحمن خليف، لكان الأمر أشد حلكة. وبعد الثورة توسع النشاط الإسلامي في جامع عقبة، وتزايد الإقبال على البرامج الدينية لاسيما الإملاء القرآنية، والدروس الليلية، وقد تعززت الأنشطة منذ فتح الفرع الزيتوني بالقيروان في سبتمبر/ أيلول الماضي، وانطلقت الدروس الزيتونية يوم 13 أكتوبر/ تشرين أول الماضي. والتدريس في المسجد يأتي بشكل مواز في صفوف الرجال والنساء كل على حدا، وفق البرنامج الزيتوني على مستوى القطر التونسي، ومن بين الدروس التي تلقى فيه، التوحيد، والتجويد وقواعد التلاوة، والفقه، والسيرة، والسلوك، ويقوم أساتذة أكفاء من ذوي الاختصاص بالإشراف على هذه الدروس بدون مقابل مادي. وقال المسؤول الأول عن الجامع، ومدير دار القرآن، بالقيروان ورئيس جمعية الأئمة بها، الشيخ الطيب الغزي لمراسل وكالة الأناضول للأنباء "من الدروس التي تقام في جامع عقبة بن نافع، برنامج الجمعية التونسية للعلوم الشرعية، ( كان يرأسها وزير الشؤون الدينية الدكتور نور الدين الخادمي) وتعد الجمعية رافدا مهما للزيتونة". وإلى جانب التعليم الزيتوني، الحر وغير النظامي، وبرنامج الجمعية التونسية للعلوم الشرعية، هناك دعاة يأتون من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، يقيمون دورات علمية بالجامع، لهم تخصصات في القراءات والعلوم الشرعية، واهتمامات الدعوة، تستضيفهم بعض الجمعيات، مثل الجمعية القرآنية،أو جمعية أئمة المساجد، وجمعية العلوم الشرعية، ومركز الدراسات الإسلامية، ونستقبلهم هنا في الجامع ويقدمون مساهماتهم مشكورين". وفي لقاء مراسل الأناضول مع تلاميذ شاركوا في برنامج الشيخ أبو سليمان المغربي المشرف على دورة في القراءات وصاحب مشروع "الألف حافظ" لكتاب الله، قال محمد علي بن علي ( 15 عاما) (بالصف الثاني الثانوي العام)" : دورة الألف حافظ يهدف لتخريج ألف حافظ لكتاب الله، لسد النقص الحاصل في المساجد، ولا سيما في صلاة التروايح". وعن كيفية حفظه للقرآن كاملا تابع قائلا "كنت مواظبا على الحضور في دار القرآن الكريم، وقد حضرت دورة سابقة لأبو سليمان المغربي، وسأكمل هذه الدورة بعون الله، وبقيت دورتان في التجويد"، معربا عن أمله في اكمال دراسته الشرعية في الخارج. ولم يكن محمد علي وحده، فقد كان صحبة شقيقه الأصغر، سيف الدين بن علي ( 11 عاما) (بالمرحلة الاعدادية بالمدرسة الإعدادية النموذجية بالقيروان) والذي قال: أنا حافظ للقرآن كاملا واستغرق ذلك مني عامين، وإن شاء الله النجاح مستمر". وعن أمنيته قال"أن أكون طيارا، وفي نفس الوقت أن أكون عالما". ولم يكن الشباب من القيروان فحسب بل من مدن تونسية بعيدة مثل، ريان اللواتي (18 عاما) وهوطالب بالمدرسة الإعدادية بعوسجة من بنزرت، يحفظ 15 حزبا من القرآن، ويريد إكمال حفظ القرآن كاملا. واشتكى من غياب الاعلام عن مثل هذه النشاطات. وقال طارق وهاب، أستاذ العلوم الاسلامية والتفكير الإسلامي، ومدرس في الجامع لمادة القراءات لمراسل الأناضول : "التعليم الزيتوني بدأ يؤتي ثماره، وهناك طلبة من خارج القيروان ولدينا قائمة حضور تؤكد وجود اقبال". وأكد على أن تطوعه للتدريس"غيرة على الدين ونشر الثقافة الوسطية" وأردف" نود أن نرى مساجدنا ولا سيما مساجدنا التاريخية جامعات تخرج العلماء".