عادت مصر إلي أحضان أبنائها بعد اختطافها في غفلة من الزمن ، عادت فعادت شمسها الذهب بعد أن عاشت العتمة أسيرة لقراصنة الفتنة . هب شبابها في 25 يناير كي يضعوها علي قضبان المدنية الحديثة لتعيش عصرها بقيم الإسلام والمسيحية ، ودون أن تتخلي عن منظومة الأخلاق المشتركة بين الدينين العظيمين . بكينا الورد الذي تفتح في " جناين " مصر حين ضاعت دمائهم قطرة قطرة علي يد من تصدر مشهد السلطة ، وصم آذاننا أنين الجرحي الذين تدافعتهم أبواب محدثي السلطة ، وكأنهم يشبعون شهوات التشفي من أبناء هذا الوطن العظيم . ثم توالت الأيام ، وتوالت معها الأحداث ، ومع كل حدث يسقط الشهداء والجرحي دون أن ينضب معين مصر، أو يصيبها العقم . وفي كل مرة يرفع أبناء الوطن صور من رحل من أبنائه مضحياً بدمه الذي يمثل الزيت الذي تزود به مصابيح النور حتي تشع وسط دياجير الظلام فيعرف الوطن مواضع الأقدام .حاولوا تزييف الوعي ، وتزييف التاريخ ، وطمس حقائق الواقع ، بالكذب والتضليل باسم الدين وتجاره من أصحاب اللحي وخدم السلطان . شوهوا بأقذر أساليب الإغتيالات الأدبية والمعنوية كل رموز الوطن ، فانهارت منظومة القيم داخل النفوس ، وسادت قيم الإنتهازية والنصب في زمن قياسي غير مسبوق . مارسوا الفجر في الخصومة إلي أقصي مدي مع الجميع بما في ذلك رفقاء الثورة وشبابها . مارسوا أبشع أساليب التصفية الجسدية للنشطاء والخصوم ، حتي خصومة الفكر والرأي . بل جري اغتيال من انتخب رئيسهم وصوت له .استهانوا بتاريخ مصر فسعوا إلي بيع آثارها ، واستهانوا بالجغرافيا فكانوا علي وشك التنازل عن حلايب وشلاتين ، والتنازل عن سيناء لصالح اليهود بحل مشكلة الوطن البديل للفلسطينيين ، لقد غابت مصر عن أهلها في وجودهم ، وضيعوها منهم أو توهموا ذلك حتي يسهل اقتناصها وتقزيمها بجعلها إحدي الولايات التابعة لمرشدهم شاء من شاء ، وأبي من أبي . اختطفت مصر تحت تهديد السلاح من أهلها الذين يعرفون معني الوطن ، بعد أن تم تثبيتهم علي طريقة قطاع الطرق . وبالقطع فقد فعلوا كل شيء مباح وغير مباح من أجل إخراس الوطن ، كبلوه بدستور صنع بليل ، وصنعوا شرعية وهمية له ، ولمجلس شوري منبت الصلة بالشرعية والتشريع . ورئيس ظن أنه قد ملك مفاتيح الوطن ، وقد أبيحت له حرماته ومقدساته ، وزين له حاملي المباخر أنه مؤيد من قبل السماء ،من أول من رأي الثمان حمامات ، مروراً برؤية تقديم الرسول له في الصلاة ، وانتهاءًا برؤية جبريل عليه السلام في تجمع رابعة العدوية ، والشعب يري منه كذباً بواحاً ليل نهار ، ولا مؤيد له سوي قطر واسرائيل وأمريكا . وفي لحظة فارقة في تاريخ الوطن ، وجرياً علي عهد مصر بأبناءها ، وبعد أن ظن من توسد لهم الأمر أن الأرض قد أخذت زخرفها وازينت وظنوا أنهم قادرون عليها ، وأن مصر قد عقمت من بعدهم ، وأن الموجود من أبناءها قد عدم كل وسيلة للخلاص ، واطمئنوا لذلك . خرج شبابها بالسلاح الفتاك الذي أصابهم في مقتل من حيث لم يحتسبوا ، ورقة بسيطة يوقع عليها المواطن بكامل إرادته ووعيه ودون تأثير مادي أو معنوي ، يطلب فيها طلباً واحداً ، انتخابات رئاسية مبكرة . ومعظم النار من مستصغر الشرر . وانطلقت الشرارة في ربوع مصر كانطلاق النار في الهشيم . شباب تعرض لكافة صور العنت والتضييق والتشويه والمطاردة والإغتيال المعنوي ، وهم شباب أطهار لم يكن لهم غرض سوي استرداد الوطن . فكه من الأسر ، من العتمة والظلام ونعيق البوم وحفيف أجنحة خفافيش الظلام . وكان لهم ما ارادوا . ونزع الله الملك من أدعياء الدين وتجاره حتي تعود مصر إلي أحضان أبناءها الذين يموتون فيها عشقاً وهياماً ، واليوم يعزفون لها وبها أشجي وأعزب الألحان ، وهم يغنون مع الصوت الفيروزي العبقري " مصر عادت شمسك الذهب " .