عادت مصر إلى قلب الوطن العربي فدبت الحياة في أوصاله. عادت بسواعد شبابها و دماء شهدائها الذي سال على الأرض أخضرا كما الربيع يبعث الأمل. عادت بعنادها الأزلي. تحدت ظروفها و جحافل الظلم التي كشرت عن أنيابها وكشفت عن وجوهها الشرسة. وقفت شامخة بثورة أبنائها كما وجب لها أن تكون فكأنها ما غابت. محت ذل خمسة و ثلاثين عاما في لحظة تحدي. عادت مصر فكأنها ما غابت. كأنها كانت في استراحة. كأنها كانت تريد أن تختبر مكانتها عند أبنائها، فلما رأت حبهم يفيض ملايينا كسيل جارف كفت عنادها و عادت تلم الكل في حضنها. عادت مصر فاختفى الوصولييون و الانتهازييون و الحشرات السامة المريضة. عادت مصر فارتعدت فرائص الأعادي لذكرى هزائمهم. عاد الشموخ الذي ظنناه ولى و العنفوان الذي اعتقدناه كان. عادت مصر بكل ما تحمل من جمال الروح. عادت بقبس من روح جمال و شدة صلاح الدين. عادت بصعلوكية الفاجومي و عذوبة الأبنودي. ، عادت بمصرية بيرم، و خفة الريحاني. عادت بكلمات أحمد شوقي و أبيات حاقظ إبراهيم، عادت بشجن أم كلثوم و فن عبدالوهاب. عادت بحواديتها الحلوة و ثقافتها الأصيلة كما الأرض في أزليتها و ثباتها. عادت بكل ذلك و أكثر. وحشتينا يا مصر. كنا ننتظر عودتك كما تنتظر الأم عودة ابن هاجر و تركها. انتظرناك عند المغيب و نحن نغني مواويل الشوق و الحنين. انتظرنا طويلا حتى ظننا أن لن تأتي. لكنك عدت. عدت أكثر شبابا و عنفوانا و ثورة. عدت أكثر قوة و شموخا و كبرياء. عدت يا مصر فعادت للأشياء معانيها. عدت فعاد الهواء نقيا. عدت فعاد للحياة رونقها. عدت فعادت للأغاني ألحانها. عدت فعاد لسلاح الجندي شموخه و كبرياؤه. استقبلتك قبلاتنا و دموعنا الحارة تبكي فرحة لقاء. عدت فخرجنا كلنا نستقبلك بمسيرة فرح حقيقي في كل شوارعنا التي دمرتها أحزان فراقك. عدت فنسينا كم قضينا ننتظر. عدت يا مصر.. كلمات أكتبها بفرح حقيقي و الدمع يترقرق في عيني. عدت فعادت للدنيا التي كانت يتيمة أمها الحنون. كنا دائماً نتحدث عن شكل عودتك. نضرب المواعيد و نتكهن. نترقب و الأمل يصارع الإحباط في عودتك. نقضي ليلنا نرسم أشكالا لعودتك. فلما عدت كان عودك أجمل و أعظم من كل ما رسمته مخيلاتنا. شاب مسلم يصلي يحرسه مسيحي بانتباه المحب. طفل يجري يوزع الطعام و الماء على أبنائك الذين ثاروا. طبيب يرابط في الميدان يعالج المصابين بأدوات بدائية. شباب ينشدون شعرا يقطر عذوبة و فنا.شابات ينظفن ساحاتك بعزم و همة. شبابا و شيبانا يفتحون صدورهم بشجاعة للموت. لم تمتد يد لتحرق على العكس هناك من قضى نحبه يدافع عن تاريخك و ثقافتك. عدت و عادت الأشياء إلى أماكنها الأصيلة. عدت يا مصر فعادت للثغر ابتسامته، عدت فعادت للعربي هامته ممشوقة و صدره منتش يتنفس كرامة فينفثها لهيبا في وجه من ظلم وتجبر. عدت فعاد للعروبة معناها السامي و تآخيها الحقيقي و وحدتها التاريخية. عدت يا مصر و العود أحمد