عمِلت مصر على استعادة قدر كبير من التوازن في علاقتها مع القوى الكبرى من خلال استمرار العلاقة الاستراتيجية التي تجمعها بالولايات المتحدةالأمريكية، بالإضافة لنجاحها في فتحِ آفاق جديدة للعلاقات مع قوى كبرى أخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوربي، وكانت الأحداث التي وقعت في قطاع غزة مايو 2021، خير دليل على أن مصر قوة إقليمية مهمة، وبدونها من الصعب الوصول إلى حالة من الهدوء في المنطقة. من الواضح أن صانع القرار المصري قد أدرك أهمية البُعد الأفريقي في سياسة مصر الخارجية، وهو ما يظهر في اتجاه القيادة السياسية المصرية وإعادة تقييمها للمنظور المصري لأفريقيا، والعمل على هندسة دورها وترتيب حساباتها وفقاً لمصالحها في القارة، ومن ثم يبدو أن القاهرة تسير نحو الحفاظ على مسار الانخراط في أفريقيا، كما ستحرص على أن تكون حلقة الوصل بين دول القارة وعدد من حلفائها الساعين للانخراط في أفريقيا وذلك بفضل الدبلوماسية المصرية العريقة، مثلما كانت داعما لفتح السوق الأفريقي للجانب الروسي باطلاق النسخة الأولى من المنتدى الروسي الأفريقي عام 2019 خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي. كانت القارة الإفريقية تحظى بأولوية في السياسة الخارجية المصرية خلال فترة الخمسينات والستينيات من القرن العشرين، فجعلها جمال عبدالناصر في المرتبة الثانية ضمن الدوائر الخارجية الثلاث للسياسة الخارجية، إلا أن اندلاع أحداث 25 يناير 2011 وحالة عدم الاستقرار الذي عاشته مصر بعدها كان سببًا في عدم اضطلاعها بأية أدوار خارجية داخل القارة الإفريقية خلال تلك الفترة، غيرَ أن الوضع اختلف تماماً بعد ثورة 30 يونيو 2013، فقد ظهر حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد وصوله إلي السلطة على عودة مصر للتأثير في نطاقها العربي والأفريقي من خلال إعادة تأسيس أدوات القوة السياسية والتأثير. واستطاعت مصر استعادة دورها الطبيعى دوليا وإقليميا بفضل ما يعرف ب"الدبلوماسية الرئاسية" التى يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويقوم الرئيس السيسي بالاشتراك مع مؤسسات الدولة برسم السياسة الخارجية المصرية، وتقوم على تنفيذها وزارة الخارجية والجهات الأخرى ذات الصلة، ويقودها الرئيس شخصيًا، الذى يعود إليه الفضل الأكبر فيما وصلت إليه الدولة حاليا من احترام وتقدير على المستويين الإقليمى والدولي. وتظل مسألة القوة الناعمة المصرية من أهم أصول السياسة الخارجية المصرية، وهناك خطوات ملموسة ل مصر في هذا الصدد، ك دور الأزهر الشريف في دول القارة الإفريقية من خلال تقديم المنح العلمية والحضور المباشر على الأرض مع مختلف القضايا الفكرية ومن بينها الحرب على الإرهاب، كما أن القاهرة أسست في عام 2014 الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، ويعتبر تأسيس الوكالة بمثابة نقطة الانطلاق لنمط جديد من التفاعلات المصرية الأفريقية، فى إطار دبلوماسية التنمية وتقوم الوكالة بعدة مهام هي: تقديم الدعم الفنى والمساعدات الإنسانية للدول الأفريقية والإسلامية تنظيم برامج تدريبية وورش عمل وإيفاد الخبراء المتخصصين، وتقديم المساعدات والمعونات الفنية والإنسانية. المساهمة في تمويل وحشد التمويل لمشروعات التنمية الأفريقية. تقدم الوكالة تدريب أمني للدول الإفريقية عبر التعاون مع هيئة تدريب القوات المسلحة وأكاديمية الشرطة فى مجالات كمكافحة الإرهاب، وتأمين الشخصيات المهمة، وتأمين الانتخابات. تتبع الوكالة وزارة الخارجية المصرية ويتولي رسم سياساتها مجلس إدارة برئاسة وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية للشؤون الإفريقية وعدد من مساعديه ويدير الوكالة أمين عام يتم تعينه عن طريق وزير الخارجية، وعملت منذ إنشاءها على إقامة تواجُد مصرى ثابت فى بعض الدول الإفريقية، ذات الأهمية الاستراتيجية لمصر؛ خصوصًا دول حوض النيل، كما تقوم بتشجيع ومساندة القطاع الخاص المصري علي تكثيف أنشطته في القارة من خلال تسهيل اتصالاته مع المسؤ ولين فى الدول الإفريقية. ويمكن النظر إلى الوكالة المصرية للشراكة علي أنها نمط جديد من التحركات المصرية تجاه أفريقيا، تعمل من خلال أنماط مختلفة للتعاون، لتحقيق المصالح المصرية وفي مقدمتها قضية تأمين حصة مياه النيل والوصول إلى إطار قانوني ومؤسسي ينظم عملية إدارة مياه النيل بين دول الحوض، وتعزيز مكانتها إقليمية كقوة إقيليمة وهو ما يترتب عليه قدر من المسئولية والتفاعل مع العديد من الملفات الساخنة مثل :مكافحة الإرهاب، وتعزيز فرص التنمية والشراكة بين الدول الأفريقية. نجاحات السياسة الخارجية المصرية في القارة الإفريقية حققت السياسة الخارجية عدد من النجاحات في القارة أفريقيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بعض القضايا الحيوية تحتاج منها بذل الكثير من الجهد خلال الفترة القادمة. ومن بين النجاحات التى حققتها مصر منذ وصول الرئيس السيسي إلى الحكم عام 2014 وحتى الآن: عودة مصر إلى أحضان القارة الأفريقية واستعادة مكانتها ودورها وتوليها رئاسة الاتحاد الأفريقي. مثلت القاهرة القارة الأفريقية في العديد من المنتديات والقمم الدولية. استضافت مصر العديد من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية المتعلقة بأفريقيا. أطلقت مصر مبادرة لعلاج مليون شخص من ذوي الأصول الأفريقية من الالتهاب الكبدي الوبائي "فيروس سي". تفعيل القاهرة للبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة، بالإضافة لمضاعفة أنشطة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية. في الختام كان ولا زال العمق الافريقي على راس اولويات عمل الدولة المصرية ووزارة الخارجية طوال السنوات الماضية لما له من تأثير مباشر على مصر وعلى سياستها الخارجية والداخلية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا.