هل تحسم الولاياتالمتحدة موقفها تجاه الثورة الشعبية السورية؟ فالخوف يتمثل فى أن تتحول سوريا إلى مستنقع تحاول من خلاله الولاياتالمتحدة والقوى الغربية استنزاف طاقات وقدرات إيران بما يجعل من غير الضرورى القيام بعمل عسكرى ضد المنشآت النووية الإيرانية. فهناك أدلة كثيرة تشير إلى مثل هذا الاحتمال، إذ أن دخول إيران معها حزب الله اللبنانى الموالى لها فى الأزمة إلى جانب النظام الحاكم فى سوريا يرجح مثل هذا الإحتمال، وإذا حدث ذلك فلسوف يستمر الصراع الدامى فى سوريا وبالتالى سيصبح نقطة جذب للعناصر الجهادية للقتال إلى جانب الثوار فى سوريا ضد النظام العلوى الحاكم وإيران وحزب الله الشيعيين، وهذا الوجود الكثيف للعناصر الجهادية بما فيها من أنصار للقاعدة تعطى مبررا إضافيا للولايات المتحدة لكى لا تحاول حسم الأزمة. والواقع أن الوضع فى سوريا لم يعد يحتمل أى تلكؤ، فقد إضطر البيت الأبيض إلى الإعتراف يوم الخميس الماضى بأن النظام السورى إستخدم الأسلحة الكيماوية عدة مرات ضد الثوار الرافضين له، وكانت فرنسا وبريطانيا قد ذكرتا خلال الشهور الأخيرة أن القوات المسلحة السورية قد إستخدمت الأسلحة الكيمائية، ولكن يبدو أن الولاياتالمتحدة آثرت التريث إلى أن تعثر على أدلة أقوى من تلك التى عثرت عليها باريس ولندن، وهذا ما يبدو أنه حدث مؤخرا على الأقل خلال عملية إعادة استيلاء النظام السورى على ضاحية القصير بجوار دمشق، وطرد خصومه منها. ووفقا لما أعلنه البيت الأبيض، فإن الرئيس باراك أوباما يعكف حاليا على دراسة الطريقة التى يتم بيها تسليح المعارضة السورية حتى يمكنها أن تتصدى لخصومها الذين يستخدمون أسلحة غير مصرح بإستخدامها دوليا، وهناك أيضا إحتمال فرض منطقة حظر جوى فى الأجواء السورية وتتردد أنباء أنها قد تكون فى المنطقة المجاورة للأردن. الظاهر أيضا أن المعلومات تتحدث عن إستعدادات تجرى على قدم وساق من جانب النظام السورى وإيران وحزب الله من أجل شن عملية عسكرية كاسحة لإعادة السيطرة على مدينة حلب الإستراتيجية المهمة فى الشمال، والأقرب إلى المتوقع أن معركة حلب شأنها شأن معركة القصير، سوف تستخدم فيها أسلحة كيماوية، ومن غير المستبعد أن يكون إستخدام هذه الأسلحة فى معركة حلب أوسع نطاقا وأكثر شراسة وبعد أن إنفضح أمر إستخدامها فى القصير لم يعد هناك أى لزوم للحرص أو لمحاولة إخفاء الحقيقة. هذه التصرفات تذكرنا بما فعله المجرم صدام حسين بمدينة "حلبجة" عام 1982 ضد أكراد العراق، حين إستخدم جاز الخردل لضرب الأهالى الفقراء، فسقط العشرات وبلغ عدد الضحايا 148 قتيلا، والمدهش هنا أن صدام حسين حكم عليه بالإعدام شنقا بسبب هذه الواقعة فى حين أن الطاغية السورى وبإستخدام غاز الأعصاب سارين قتل أكثر من 150 سوريا، ونحن ننتظر ماذا سيكون تصرف أوباما معه. المسألة الجوهرية الآن هى أنه يجب على الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وكل دول الأطلنطى المسارعة بفرض منطقة الحظر الجوى وفرض حصار بحرى وبرى على جميع الموانى ونقاط العبور الذاهبة إلى سوريا والقادمة منها، فأغلب الظن أنه خلال فترة وجيزة، ستتدفق أعداد غير محدودة من وحدات الحرس الثورى الإيرانى ومن ميليشيات حزب الله لكى يقاتلوا علنا عن مواقعهم فى سوريا والتى لن يتخلوا عنها بسهولة. من المؤسف أن يتذكر المرء كيف أمكن لحلف الأطلنطى أن يبادر إلى إستصدار قرارات من مجلس الأمن لكى يتدخل عسكريا فى ليبيا ضد نظام القذافى على الرغم من أن الرجل: لم يستخدم أسلحة كيماوية لم يستعن بقوات أجنبية لم يستعن بأى ميليشيات أجنبية ولذلك ووفقا للأرقام المعلنة، فإن إجرام القذافى لم يصل إلى 1/10 من إجرام بشار، فالطاغية السورى قتل على الأقل حتى الآن 130 ألف مواطنا سوريا وفقا لأرقام الأممالمتحدة، منهم 93 ألف محددون بالإسم والصورة، وأدى أيضا إلى تشريد نصف الشعب السورى وتحويله إلى شعب من اللاجئين ينتظر معونات الأممالمتحدة لكى يبقى على قيد الحياة. ماذا ينتظر الأطلنطى؟ هل لأن سوريا ليس فيها بترول مثل ليبيا فلم يسارع إلى السيطرة على الأوضاع لكى يطمئن على البترول؟ أم لأنه كان يخشى من سقوط ليبيا فى أيدى الجماعات الجهادية المتحالفة مع القاعدة، الواقع أن إطالة أمد الصراع فى سوريا هو الذى سيفتح الباب على مصراعيه لأن تصبح سوريا معقلا لهذه العناصر. ولعل البعض يقول إن الدول الغربية غير متحمسة لنجدة سوريا لأن دخول إيران وحزب الله فى المعارك وترك الموقف هناك بدون حسم يفتح الباب لورطة إيرانية يمكن من خلالها تدمير طاقات وقدرات إيران دون حاجة للقيام بعملية عسكرية ضد منشآتها النووية، كما أن مد أمد الصراع سيؤدى إلى القضاء على البقية الباقية من الجيش السورى، وهذا يحقق مصالح أطراف كثير فى المنطقة ومنها إسرائيل، كذلك فإن إستمرار الوضع العائم فى سوريا بدون حسم يزيد من رغبة إسرائيل فى عدم الدخول فى أى مفاوضات سلام، لا مع الفلسطينيين ولا مع السوريين، فهل هذا فعلا هو ما سنراه خلال الفترة المقبلة؟ ونقول أخيرا إنه ربما يكون من العوامل الحديثة التى قد تؤدى إلى تلكؤ أو تأخير رد فعل واشنطن إزاء تسليح المعارضة السورية ذلك الفوز الواضح الذى أحرزه مرشح الرئاسة الإيرانى الإصلاحى حسن روحانى بنسبة تزيد على 51% من أصوات الناخبين كمحصلة أولية. فهذا المرشح يعطى أولوية لإصلاح الاقتصاد الإيرانى المتدهور وليس للبرنامج النووى الإيرانى الذى يثير قلق الغرب وخاصة الولاياتالمتحدة. وربما رغبت الإدارة الأمريكية فى إعطاء الرئيس الإيرانى القادم فرصة للتعرف على نواياه الحقيقية حال توليه السلطة فى طهران، وذلك قبل الدخول معه فى مواجهة لاتعرف عقباها أو مداها أو نتائجها فى سوريا. المزيد من أعمدة حازم عبدالرحمن