برغم سقوط النظام السابق بكل ما كان يمثله من فساد وانتهاك لحقوق المواطن ، وبرغم محاولة الشعب والشرطة لفتح صفحة جديدة من العلاقة بينهما تقوم على احترام القانون والحفاظ على كرامة المواطن ، وبرغم تصريحات الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء التى أكد فيها تغيير العقيدة الشرطية باعتبارها أحد أهم مكتسبات ثورة 25 يناير ، ومطالبته بالتزام بالشرعية وسيادة القانون فى كافة الإجراءات ، وأيضا تأكيد اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية التزام رجال الشرطة بسيادة القانون واحترام كرامة المصرى وحقوقه الإنسانية والقانونية ، إلا انه يبدو أن هناك داخل مؤسسة الشرطة من يصر على تحدى القانون والخروج على كل المبادىء التى أرستها ثورة 25 يناير وأشار اليها رئيس الوزراء ووزير الداخلية . وحتى لا يبدو الأمر مجرد اتهام مرسل أو تصيد ، اذكر هنا واقعة كنت شاهدا عليها بنفسى منذ أيام فى إدارة مرور فيصل ، حيث توجهت لتجديد رخصة القيادة الخاصة بى . وفى إدارة مرور فيصل شعرت أنى عدت عاما للخلف ، قبل قيام الثورة ، حيث المحسوبيات كما كانت قبل 25 يناير ، وحيث التعامل مع المواطن على انه درجه ثانيه أو ثالثه او رابعة كما كان الحال فى عهد وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلى ، وحيث الاستهانة بكرامة المواطن ، وكأنه لا ثورة قامت ولا شهداء سقطوا ، ولا مصابين فقدوا أعينهم وأطرافهم فى سبيل القضاء على الفساد وإعادة الاعتبار للمواطن والحفاظ على كرامته . فى مرور فيصل رأيت بنفسى سماسرة تخليص التراخيص مقابل 1000 جنيه لمن لا يجيدون القيادة دون اختبار ، ورأيت كيف يحصل هؤلاء على الأولوية قبل غيرهم وكيف يتم تخليص أوراقهم بسرعة البرق ، وكيف توضع العراقيل أمام من فضلوا التمسك بالقانون ، وكيف اقسم ضابط صغير برتبة ملازم أول أو نقيب لإحدى السيدات انه لن يعطيها رخصة القيادة أو يسمح لها بالنجاح فى اختبار القيادة لأنها اعترضت على هذا الوضع . فى مرور فيصل النظام القديم ما زال قائما والثورة لم تصل إليه والمحسوبية وسماسرة التراخيص لهم الكلمة العليا وتعنت الضباط مع المواطنين يؤكد أن فكر العادلى ما زال سائدا وان تصريحات رئيس الوزراء ووزير الداخلية تخص دولة أخرى غير مصر . المشكلة بالتأكيد ليست فى مرور فيصل بمفرده ، لكن المقلق والمزعج أن يكون هذا هو الفكر السائد للشرطة فى مواقع أخرى كثيرة وان يكون أشخاص النظام السابق هم الذين سقطوا أو اختفوا لكن فكرهم وطريقة تعاملهم مع الناس ما زالت هى المسيطرة على القاعدة العريضة من الضباط الصغار الذين ما زالوا يرون أنهم أسياد الشعب وأنهم من حقهم التعامل بالطريقة التى تروقهم مع المواطن ومن يجرؤ على الاعتراض سيدفع الثمن غاليا . ما رأيته فى مرور فيصل جعلنى اشعر بأن المعتصمين فى ميدان التحرير على حق لأن النظام لم يسقط تماما ، برغم أنى كثيرا ما اعترضت على استمرار الاعتصامات لما تمثله من عدم استقرار وتعطيل للعمل والإنتاج .
اعرف تماما صدق رئيس الوزراء ووزير الداخلية عندما يؤكدان احترام كرامة المواطن والالتزام بالشرعية ، لكن النوايا الصادقة لوحدها لا تكفى ، وتحتاج إلى متابعة وعقاب للمخالفين ، وإذا كنا نؤيد تماما وزير الداخلية عندما يطالب أفراد الأمن بالرد الحاسم على من يعتدى عليهم ، فان على الوزير أن يحدد للمواطن طريقة الرد على اى ضابط يحاول أن يعتدى على حقوقه وإعادة عقارب الساعة للوراء .