بدأنا مطلع هذا الأسبوع ومن خلال دروسنا على منصة" زووم" دراسة قرآنية لسورة الحجرات، والتي كان مطلعها يتحدث عن الأدب في التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قبيل المصادفة أن تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي مطلع هذا الأسبوع بأغنية كلماتها عبارة عن جمل مقتبسة من أحاديث نبوية شريفة، يصاحبها موسيقى، وصور لا تليق مع جلال وقدسية كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام. إن من عادتي في الرد على مثل هذه الأمور هو التحليل الشرعي لها ويتمثل ذلك فيما يلي: 1- إن الاقتباس كما عرفه" الجلال السيوطي" هو: تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن لا على أنه منه، بألا يقال فيه "قال الله تعالى" ونحوه. وقيل الاقتباس هو: تضمين المتكلم كلامه شعرًا كان أو نثرًا شيئًا من القرآن، أو الحديث على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث. وأما عن حكم الاقتباس: فقد جاء في الموسوعة الفقهية ( 6/ 17، 18): " يرى جمهور العلماء جواز الاقتباس في الجملة؛ إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية، تحسينًا للكلام، أما لو كان كلامًا فاسدًا، فلا يجوز فيه الاقتباس من القرآن، وذلك ككلام المبتدعة، وأهل المجون والفحش". وجاء أيضًا في تحفة المحتاج ( 2/ 447): " الاقتباس الذي يحصل معه تغيير فقد أجازه العلماء، لكنهم جعلوا له ضوابط وشروطًا منها: أن يكون الكلام مفيدًا فائدة صحيحة، ومقبولة شرعًا، ولا مجون فيه، ولا حرمة، ولا تهٌتك، ولا عبث. وألا يكون اللفظ المغَير مفيدًا لشيء لا ينبغي، أو موهمًا لباطل. 2- البيان الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية تعليقًا على هذا الأمر والذي جاء فيه:" إن مجمع البحوث الإسلامية يؤكد أن الاقتباس من الحديث النبوي بجملة أو بعض الجمل ليصبح جزءًا من أغنية أمر لا يليق بمقام النبوة، ولا مكانة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يجوز شرعًا؛ لما قد يلابس أداء الأغاني ويلتصق بها من أمور تتنافى وجلال النبوة وقدرها العظيم، لذلك يوصي المجمع كافة المسلمين بعدم سماع هذه الأغاني، أو التغني بها، أو ترويجها، وعليهم أن يعلموا أنهم مأمورون بتوقير هذا النبي العظيم، والبعد بأحاديثه الشريفة عن ساحات التسلية واللهو". 3- إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنزل في سورة الحجرات آيات تتلى إلى قيام الساعة لنهي المسلمين عن مناداة النبي صلى الله عليه وسلم باسمه مجردًا عن لفظ النبوة، أو رفع الصوت أثناء حديثهم معه، وتعلمهم كيفية التزام الأدب في حضرته؛ وتحذرهم من أن إساءة الأدب معه قد تكون مدعاة لأن تحبط أعمالهم، فمن باب أولى لنا جميعًا أن نتأدب مع كلام رسول الله، وأن نراعي المواطن التي نقول فيها حديثه الشريف، قال تعالى:" أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)". قال القاضي أبو بكر العربي معلقًا على تفسير آيات سورة الحجرات:" حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا كحرمته حيًا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قُرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه كما يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به، وقد نبه سبحانه وتعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى:" وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأعراف: 204)، وكلامه صلى الله عليه وسلم من الوحي، وله من الحكمة مثل ما للقرآن إلا معانٍ مستثناه". إن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى وأجلّ من أن يُتَرنم به في الأغاني، أو أن يردد على المسارح، و الحفلات، ونحن نعتذر لرسولنا الكريم، ونعتذر إلى ربنا بقولنا:" ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".