أعلم أن العنوان قد يثير الدهشة والتساؤل، ولكنى لم أجد معنى أوقع من هذا التعبير لوصف حال البعض من غير المنصفين لجهود أصحاب الرأى والرؤية والاجتهاد لخير قادم لمصرنا الحبيبة على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى، فهناك شيء عجيب وملحوظ ضمن أشياء كثيرة تحدث من المصريين لاسيما فى أعقاب ثورة يناير، هذا الشيء هو أن كل من هب ودب أصبح عالمًا ومفتياً، يهاجم ويتهكم دون أن يكون لديه من أدوات النقد مايجعله ينتقد الآخرين فهو نقد لمجرد النقد.. فليس كل من يقرأ تكون نسبة تحصيله مثل الآخرين حتى طلبة العلم وهذا شيء من المسلمات – فكما أن هناك كاتبًا جيدًا متميزًا، هناك أيضا قارئ جيد لديه من العلم والثقافة والقدرة على تحليل الكلمات والجمل ما يجعله يستطيع الحكم على الموضوع بموضوعية وحيادية بعيدًا عن أى ميول أو اتجاهات أو اختلاف مع الشخص ذاته، ولكن المهم هو أن ينجح فى أن يصل إلى فكر الكاتب وماذا يريد مما يكتب. بل يستطيع القارئ الجيد أن يستزيد بمعلومات وأفكار جديدة، أو حتى عبارات جديدة، هذا هو القارئ الذى يملك حساً وموهبة بالفطرة فى تحصيل مراد الكاتب، وهناك قارئ عادى، قارئ قد لايملك تلك الأدوات ليس لقصور منه أو لديه، ولكنه ليس لديه المَلَكة والفراسة فى قراءة ما بين السطور وفحوى ما وراء الكلمات، ورغم ذلك نجده يُفتى بما لايعلم وقد يقول ما يسيء للآخرين أو يصفهم بصفات تحمل السخرية!. ما أحوجنا للقارئ المثقف فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، القارئ الذى يتميز بمجموعة من السمات الإيجابية كالميل الى التعلم وسعة الاطلاع والتمتع بحس نقدي وجمالي مستقل، إضافة إلى امتلاك وجهات نظر تساير أو تغاير النظام السياسي والاجتماعي لبلدنا الحبيبة مصر مشفوعة بعناصر الاقناع والقدرة على التأثير، فضلاً عن التخلق بسلوكيات متحضرة. فمن البديهى أنَّ الحالة الفطرية لمنظومة العقل البشري جاهلة بكافة شئون الحياة والعلم، وترقي إلى مراتب أعلى من المعرفة بالاكتساب والتحصيل العلمي ليتميز المتعلم عن الجاهل، فالأول: أفنى حياته في الدراسة والتحصيل للارتقاء بمنظومته العقلية إلى مراتب أعلى. والثاني: ارتضى بما اكتسبه من تجارب حياتية محدودة للارتقاء بمنظومة عقله الفطرية إلى مرتبة معرفية بسيطة تساعده على تنظيم سلوكه وإدارة شئون حياته الخاصة، يقول أفلاطون: "إن العالم يعرف الجاهل، لأنه كان جاهلاً يومًا ما والجاهل لايعرف العالم، لأنه لم يكن قط عالماً". وهناك أيضا العديد من مدعي العلم والمعرفة والثقافة الذين لا يجيدون سوى التهكم والسخرية من الآخرين، مع أنهم يفقدون ماهية العلم ذاته ولم يدركوا أولويات المعرفة، فما يشغلهم هو كيف يتصيدون كلمة أو عبارة أو جملة ليبنوا عليها حوارات للسخرية غير عابئين بكم الجهد الذى بذل من أجل إخراج موضوع ما للنور ليستفيد منه الآخرون، لم يدركوا أهمية الرسالة والهدف من الموضوع المعروض، لم يدركوا كم عانى الكاتب حتى يخرج فكرته فى سطور إلى النور، فالأمر ليس سهلا كما يتخيل البعض، أقول لهؤلاء الساخرين ماعلمنا النبى صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء" رواه البخاري في الأدب وأحمد وابن حبان والحاكم. نحتاج لخلق وترسيخ فكرة حب العلم والاحترام له ولمن يمارسه، نحتاج إلى أن نتجاذب أطراف الحديث ويسمع عضنا بعضا، فكلامى قد يكون خطأ يحتمل الصواب وكلام الآخرين قد يكون صواباً يحتمل الخطأ، نريد أن نتعلم من علمائنا العظام الذين أفنوا حياتهم في اكتساب العلم وتعليمه. نحتاج إلى أن نتعلم من الدول التي سبقتنا، حيث إن سبب تقدمهم الجيوش الكبيرة من العلماء والباحثين التي تكدح في المخابر والمعامل وتنتج كما هائلا من البحوث التي لا نكاد نستطيع الاطلاع عليها. وأخيراً لا أجد سوى أبيات للعارف بالله سيدى إبراهيم الدسوقى للرد على مدعى العلم والمعرفة الذين يسيئون للآخرين ويصفونهم بأنهم فسخانية أقول لهم أنتم (الفسخانية) لعلهم يستيقظون من أوهامهم قبل فوات الأوان.