ربما يبدو للمتابع غير المتخصص أن قيمة الليرة التركية قد استقرت نوعًا ما خلال الأيام الماضية، لكن الحقيقة أن الليرة تخوض معركة صعبة خلف الكواليس لتثبيت قيمتها أمام الدولار الأمريكي. وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فكأي عملة لسوق ناشئة عانت الليرة التركية من الآثار الاقتصادية المؤلمة لأزمة فيروس كورونا، فضلًا عن الآثار السلبية لقرارات خفض أسعار الفائدة التي تمسك بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية. وأوضحت الصحيفة أن احتياطي النقد الاجنبي في الخزينة التركية يتراجع بشكل مطرد منذ بداية العام الحالي، وقد هوت الاحتياطيات الإجمالية، بما فيها الذهب، بقيمة 17 مليار دولار حتى وصلت إلى ما دون 88 مليار دولار. وأضافت الصحيفة أن هناك إجماع بين الاقتصاديين والمستثمرين على أن تراجع الاحتياطيات التركية هو نتيجة مباشرة لتدخل البنك المركزي في تحديد قيمة العملة التي يُفترض أن سعر صرفها محرر. ونقلت الصحيفة عن الاقتصادي السويدي إريك ميرسون قوله إن "الليرة والدولار في لعبة تشبه لعبة القط والفأر، وكلما تدخل البنك المركزي التركي لتحديد سعر الليرة انخفضت قيمتها". وقال الاقتصادي بول ماكنمارا أن من بين أسباب تراجع قيمة الليرة إقبال الماوطنين الأاتراك على شراء الدولار بشراهة، لتراجع ثقتهم في قيمة الليرة ورغبتهم في الحفاظ على قيمة مدخراتهم، وكذلك لتزايد الطلب على السلع المستوردة، الأمر الذي يخلق معضلة للسلطات الاقتصادية التركية، فكلما ارتفع معدل النمو وتوافر الدولار في الأسواق زاد الإقبال على شرائه وبيع الليرة، فتتراجع قيمة الأخيرة أكثر. وتابعت الصحيفة أن أزمة فيروس كورونا بدورها خلقت مخاوف ضخمة لدى المستثمرين، الذين سارعوا بسحب استثماراتهم من الاسواق الناشئة مثل تركيا، خشية تدهور قيمة أصولهم الاستثمارية، الأمر الذي ساهم في تراجع حجم النقد الأجنبي في الخزينة التركية وارتفاع قيمة الدولار أمام الليرة. وتزامن هروب الاستثمارات الأجنبية من تركيا مع سلسلة من قرارات خفض أسعار الفائدة ، ولاذي يتعارض بطبيعة الحال مع معدل التضخم المرتفع، فضلًا عن اتجاه البنك المركزي التركي إلى تسريع برنامج شراء سندات، الأمر الذي يزيد حجم المعروض من الليرة ويهدد بمزيد من التراجع في قيمتها.