عند الحديث عن أمن الأوطان وما يتصل بها من أعباء ومسئوليات، فإنه غير مسموح بأى لون من ألوان العبث والاستهتار، فحصاد الاستهتار يكون كارثياً مدمراً، وتُجبر أجيال المستقبل على دفع تكاليفه الباهظة. وتدبر معىٌ بهدوء وبعقل مفتوح واعٍ اعلان الجماعة الإسلامية تشكيل لجان شعبية فى أسيوط، وفتحها باب التطوع للانضمام إليها، شريطة التمتع بمهارات قتالية ركز جيدا مهارات قتالية ، والترويج لفكرة أنها الحل الأمثل لتعويض غياب الشرطة، واستعادت الجماعة تجربة المصريين الناجحة، عندما شكلوا لجاناً شعبية خلال الثورة، لحماية أهاليهم وممتلكاتهم، حينما اختفت الشرطة المنكسرة المهزومة فى موقعة الثامن والعشرين من يناير 2011، معتبرة أن الوضع الراهن يستدعى استحضارها وانجاحها. وغاب عن الجماعة الإسلامية ومؤيديها أن لجانهم المقترحة ستكون نواة لميليشيات، وأنها ستتوحش وتتضخم بعد برهة، وبالتأكيد سوف تنحرف عن الهدف السامى الذى شكلت من أجله. الأفظع أنها ستكون أداة ترهيب وتأديب للمعارضيين والمنتقدين للتيار الدينى، وتوظيف الدين لأغراض سياسية. ولعل قادة الجماعة الإسلامية يعيون أن روابط الالتراس مثلا ولدت من رحم تشجيع فرق كرة القدم ورفع روحها المعنوية قبل انقلابها إلى ميليشيات منفلتة تهدد وتتوعد البلد بالفوضى والخراب ما لم تستجيب لطلباتها وشروطها، نفس الظاهرة تكررت مع مريدى ومحبى بعض المشايخ والدعاة الذين كونوا جماعات تذهب حيثما ذهبوا، ثم سرعان ما تحولت لشكل من أشكال الميليشيات الخارجة على القانون، وتطل علينا بوجهها القبيح فى المساء والصباح . وأن فكرت الدولة بعد استعادتها هيبتها المختطفة فى ظروف ليست غامضة فى تفكيك هذه الميليششيات فإنها ستواجه صعوبات ومشقة، فالاقتراح من بدايته فاسد ولن يخدم مصر، بل سيؤذيها وسيكون سبباً فى سفك دماء المصريين. ومن الظاهر أن قصة اللجان الشعبية تستهوى أيضا حزب الحرية والعدالة الذى دعا لتكوينها، للتصدى للفوضى الأمنية، وطور الحزب اقتراحه بشق لم تتطرق إليه الجماعة الإسلامية بحديثه عن منح شركات الأمن الخاصة الضبطية القضائية وتقنين استخدام ما لدى هذه الشركات من سلاح، بعدها صدمتنا النيابة العامة بكلام ليس له محل من الإعراب عن أن القانون يعطى المواطن حق الضبطية القضائية تأسيساً على أن للمجتمع دوره المتقدم فى المحافظة على الأمن. عن أى دور تتكلمون ياسادة، أنكم بذلك تفتحون أبواب الجحيم والعنف، فما هى ضماناتك على أننى كمواطن وسط ما يحيط بىٌ من انفلات سلوكى ومجتمعى سوف أحسن استغلال حقى فى الضبطية القضائية ولن أوظفه لتصفية حساباتى وخلافاتى مع جيرانى وزملائى وأسرتى، وبدون جدال فإنها ستكون سبباً فى نزاعات بين المواطنين لا حصر لها ستتطور لسلسلة طويلة من اعمال العنف العشوائية؟. أنتم بهذا تقننون الفوضى والانفلات، وأن كنتم صادقين وجادين فى استرجاع الأمن لنكف عن هذا العبث ولنلتزم بالمعايير التالية: أولا: إن الأمن مسئولية الدولة والأجهزة المعنية، ولا احد غيرها ولا مكان للشرطة الموازية أو البديلة تحت أى غطاء. ثانيا: رفع السلطة يدها عن جهاز الشرطة وعدم محاولة استماليته لجانبها، كما كان الحال فى عهد الرئيس السابق. ثالثا: التمييز بين اصلاح وزارة الداخلية وهدمها بجعلها جثة هامدة لا روح فيها، وأن تستعيد الداخلية علاقتها الجيدة بالشعب عبر تقديم اعتذار عما بدر منها فى السنوات الماضية، وفتح صفحة جديدة قوامها التقدير المتبادل وصالح البلاد. رابعا: إن يتعاون المواطن مع الشرطة عبر احترامه القانون والتخلص من الانفلات الذى بات ملازما لسلوكه اليومي، ويحتم الواجب الوطنى على المواطن فى الأوقات الاستثنائية مساعدة الشرطة، مثلما حدث أيام الثورة، اما ما عدا ذلك فإنها مسئولة عن أمنى وأمنك. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي