أموال الغلابة وقضايا الكبار قبل ثورة 28 يناير المجيدة، لم يكن للدور السابع بوزارة العدل، الذى يقبع به واحد من اهم اجهزة الدولة الرقابية بل انه من اخطرها وهو جهاز الكسب غير المشروع، كل هذا الاهتمام، وربما لم يكن احد من كبار مسئولى الدولة يلقى بالا به، وقد لا يكون يعلم عنه شيئا، الا ان الثورة العظيمة، كما غيرت العديد من الاشياء كان لها بصمات واضحة جدا على هذا الجهاز. وتعلقت آمال شريحة كبيرة من المجتمع بجهاز الكسب، لعله يكون الملاذ لهم للمطالبة بأموالهم التى نهبها شريحة من المجتمع اعتبروا انفسهم اوصياء علينا، واستباحوا ممتلكاته يتربحون منها كما يشاؤون، ويتصرفون فى المال العام، باعتباره ملكية خاصة بهم ولا يستطيع احد محاسبتهم فهم الاوصياء الذين يعلمون مالا يعلمه ولا يستطيع ان يعلمه اى من الشعب، فهم أعلم بمصلحة الشعب. ولذلك فبمجرد اندلاع الثورة، انهال على جهاز الكسب الآلاف من البلاغات الموثقة بالمستندات على جرائم هؤلاء، والذين اصطلح على تسميتهم برموز النظام السابق الذين استحلوا مال الشعب يحركونه طبقا لما يخدم مصالحهم فقط، ولعل الغاء جهاز المدعى الاشتراكى عظم من شأن الكسب غير المشروع وتعلقت به آمال الشعب فى استرداد امواله التى سلبها هؤلاء. وتحولت انظار مصر بل والعالم كله الى الدور السابع بوزارة العدل مقر جهاز الكسب والذى تحول بدورة الى خلية نحل وتحولت طرقاته ومكاتبه من مكاتب لموظفين تراكمت عليها مستندات قديمة، لقرارات اما بالحفظ او تحقيقات مطولة مع موظفين بالجهاز الاداراى للدولة اتهموا بتبديد عهدة، ولجان تنتقل لجرد ممتلكات هذا الموظف المغلوب على امره والذى قد تكون اضطرته الظروف الطاحنة الى الاختلاس من عهدته ولا تتعدى ممتلكاته شقة ايجار "قديم" و"بقرتين" ورثهما عن ابيه تبدل هذا الحال. وأوصد الجهاز أبوابه أمام هؤلاء المطحونين ليتفرغ لتحقيقات موسعة فى بلاغات ضد "الكبار" فقط، وواصل الليل بالنهار داخل الجهاز فى قراءات لشكاوى لمواطنين ضد رموز النظام السابق ومساعديهم ومطالبة الاجهزة الرقابية بالتحرى عن صحة هذه البلاغات ثم استدعاء هؤلاء الكبار الذى لم يكن يدور بخلد احد انه حتى يمكن ارسال مذكرة اليهم لسماع اقوالهم فى الجهاز. وكما ان عجلة الثورة كانت تتلاحق لتفرز كل يوم جديدًا، فإن قطار التحقيقات مع رموز النظام السابق تحرك من محطته الرئيسية لينطلق بأقصى سرعته وبدأ رموز النظام السابق يتوافدون واحداً تلو الآخر امام الجهاز، وكان دائما المشهد يتكرر.. المسئول السابق يدخل فى سيارته الفارهة الى مقر الجهاز لتظل سيارته بحراسة فى انتظار خروجه من الجهاز وبعد ساعات وساعات ووسط جموع من المواطنين الذين تعلقوا على اسوار الجهاز انتظارا لمشاهدة هؤلاء الكبار السابقين وتعلقت معهم آمالهم بان ترد اليهم حقوقهم التى سلبت على مدار 30 عاما لمصلحة هؤلاء، يتكرر ذات المشهد تنسحب السيارة الفارهة من امام باب الجهاز لتدخل مكانها سيارة الترحيلات الزرقاء لتقله الى حيث مقر سكنه الجديد بسجن طرة "بورتو طرة"، ولم تكن هذه هى السمة الغالبة، فكان هناك البعض ممن يصرفون من مقر الجهاز. وعلى مدار 10 اشهر، باشر جهاز الكسب تحقيقات مع الكثير من رموز النظام السابق واعوانهم، وعلى الرغم من طول هذه المدة، فإن الجهاز لم يحل الى المحاكمات سوى 3 منهم، وهم عهدى فضلى، رئيس مجلس ادارة اخبار اليوم، والدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، واحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء الاسبق، فيما لا تزال التحقيقات مستمرة حول ثروات العشرات الآخرين من الوزراء والمسئولين السابقين والرئيس السابق وافراد اسرته، نظرا لتشعب ممتلكاتهم وتعددها، بل وتداخلها فى بعض الامور، مما جعلها معقدة للغاية، بشكل أرهق خبراء جهاز الكسب أنفسهم خلال عملهم فى تقييم تلك الثروات للوصول لحجم ما كسبوه بشكل غير مشروع، للمطالبة برده، ولعل ما زاد من تعقيد مهمة الخبراء اشتمال الثروات على عناصر واشياء وجد معها الخبراء صعوبات فى تقييمها لعدم سابقة مشاهدتهم مثل تلك الممتلكات. وخلال عمل الجهاز كان استدعاؤه لرموز النظام السابق للتحقيق معهم بشأن البلاغات وتقارير الاجهزة الرقابية التى اشارت الى تضخم ثرواتهم بصورة لا تتناسب مع مصادر دخولهم كموظفين بالدولة، وهو الامر الذى رؤى فيه ان تضخم الثروة جاء من خلال استغلالهم لمناصبهم الوظيفية فى الحصول على منافع مالية بدون وجه حق لصالح انفسهم واقاربهم. وتجدر الاشارة هنا الى ما اكده مرارا المستشار عاصم الجوهرى، مساعد وزير العدل لشئون جهاز الكسب غير المشروع، ان الحديث عن حجم ثروات المسئولين السابقين امر لا يمكن تأكيده الا بعد انتهاء التحقيقات ومناقشة الاجهزة الرقابية وخبراء جهاز الكسب الذين يعاينون الممتلكات ويقيمونها سواء كانت اموال منقولة او عقارات او حسابات بالبنوك سواء بالداخل او الخارج، ولذلك فإن الحديث عن ثروات بالملايين او المليارات لا يمكن حسمه الا بعد تلك الامور، فقد يكون لاحد المسئولين عقار قيمته الحالية مليون جنيه، الا انه عندما اشتراه منذ عدة سنوات كان اقل من ذلك بكثير. هذا الحديث ليس من باب الدفاع عن احد، لكنه فى اطار البحث عن الحقائق المجردة، وان كنا نرى ان طول امد التحقيقات امر غير محمود، الا اننا لا نستطيع الخوض فيه ايمانا منا بمبدأ سرية التحقيقات، الا ان الكشف عن الحقائق واعلان كل ماهو جديد فى التحقيقات امر لا يمكن ان يضر بالتحقيقات بقدر ما يكشف عن حجم المعاناة التى يتكبدها الجهاز للوصول الى الحقائق حول ثورة هؤلاء وعلى رأسهم الرئيس السابق والذى كشفت التحقيقات ان ثروته تنحصر فى حسابين بمبلغ 6 ملايين جنيه حصيلة معاشه وراتبه وقصر شرم الشيخ والذى اثبته فى اقرار ذمته المالية بمبلغ 500 الف جنيه، فى حين تتعدى قيمته الحقيقية هذا المبلغ، وهو الامر الذى لا يزال قيد التحقيق حتى الآن وقد يكون السبب فى تأخر حسمه هو التداخل فى القضية مع ثروات نجليه علاء وجمال والتى تتمثل فى قصور وفيللات وشقق فاخرة وقطع اراض وحسابات بالداخل والخارج، وهو الامر الذى ينتظره الجميع "بفارغ الصبر". ولعل بداية التحقيقات مع رموز النظام السابق بجهاز الكسب، كانت بالدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، والذى استدعاه الجهاز للتحقيق معه بشأن ثروته وافراد اسرته، والتى قيل إنها تضخمت بشكل كبير، وبعد تحقيقات بدأت مع سرور فى العاشرة صباحا واستمرت حتى الساعات الاولى من صباح اليوم التالى، اصدر المستشار صفوت طرة، عضو الجهاز، قراره بحبس سرور والذى تم تجديده مرتين وفى الثالثة اخلى سبيله بكفالة 200 الف جنيه، الا ان حبس سرور استمر وكان ذلك لاتهامه فى قضية "موقعة الجمل"، ولا تزال التحقيقات مستمرة فى القضية والتى تمت فيها مناقشة ابناء سرور وازواجهم ولا تزال القضية مفتوحة. ولحق سرور بعدة ايام صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى السابق، والذى لايزال محبوسا على ذمة تحقيقات جهاز الكسب، والذى ناقش ابنائه حول ثرواتهم فيما عدا نجله الاكبر الذى غادر البلاد قبل استدعائه، ولاتزال تحقيقات المستشار احمد طلبة فى ملف ثروة الشريف مستمرة حتى الآن. كما يحقق الجهاز مع كل من احمد المغربى، وزير الاسكان الاسبق، وزهير جرانة، وزير السياحة الاسبق، ومحمد ابراهيم سليمان، وزير الاسكان الاسبق، بالاضافة الى رجل الاعمال وامين تنظيم الحزب الوطنى المنحل احمد عز، واللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الاسبق، والذى صدر بشأنهم جميعا قرارات بحبسهم ولا تزال التحقيقات جارية حول ثرواتهم بعد ان تم التحقيق معهم وزوجاتهم وابنائهم حول مصادر تلك الثروات والتى لا تزال خاضعة للتقيم من جانب خبراء جهاز الكسب، بالاضافة الى ما يتم الكشف عنه من حسابات لهم بالخارج خلال التحقيقات سواء من اعترافاتهم او ما تتوصل له الاجهزة الرقابية. ولم تكن تحقيقات جهاز الكسب مع رموز النظام السابق تنتهى كلها لحبسهم، فمنهم من كان يتم اخلاء سبيله بعد التحقيق معه مثل الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة الاسبق، والدكتور مفيد شهاب، واللذين رغم اخلاء سبيلهما دون اى ضمانات، فإن الجهاز لم يصدر قراره بشأن قضاياهما حتى الآن. كما امتدت التحقيقات لمجموعة من رجال النظام السابق مثل اسامة سرايا، رئيس تحرير الاهرام السابق، وعبد الله كمال، رئيس تحرير روز اليوسف السابق، والذى اخلى سبيله ايضا بعد التحقيق معه حول ثروته، والمستشار سامى مهران، الامين العام لمجلس الشعب، ووزيرة القوى العاملة عائشة عبد الهادى، وحسين مجاور، وامين اباظة، وزير الزراعة الاسبق، كل هؤلاء خضعوا لتحقيقات موسعة داخل جهاز الكسب حول ثرواتهم ولا يزال حتى الآن لم ينته الجهاز لقرارات بشأن قضاياهم. وبالطبع كان من بين اهم التحقيقات التى اجراها الجهاز، التحقيقات التى اجراها المستشار خالد سليم مع الرئيس السابق حسنى مبارك وزوجته وولديه علاء وجمال، والتى امر بحبسهم فيها، وكان اول قرار بحبس الرئبس السابق على ذمة تحقيقات، فيما تم اخلاء سبيل زوجة الرئيس السابق بعد تنازلها عن حساباتها بالبنوك للدولة، فى حين لا تزال التحقيقات مستمرة مع نجلى الرئيس وزوجتيهما هايدى راسخ زوجة علاء وخديجة الجمال زوجة جمال والتى اثبتت ان جميع ممتلكاتها قد آلت اليها عن طريق والدها رجل الاعمال محمود الجمال، وعاين جهاز الكسب ممتلكات الرئيس السبق ونجليه سواء الفيللات بشرم الشيخ او بمارينا وكذلك شقة الفور سيزون ولا تزال التحقيقات تتم فى هذه القضية حتى الآن، خاصة ما يتعلق بثروة علاء وجمال نجلى الرئيس السابق. وكان جمال عبد العزيز، السكرتير السابق للرئيس مبارك، هو آخر من رحله جهاز الكسب لسجن طرة بعد ان امر بحبسه على ذمة التحقيقات حول ثروته، والتى اشارت الاجهزة الرقابية الى تجاوزها مبلغ ال7 مليارات جنيه. ولا يزال امام الجهاز العديد من ملفات الفساد المالى والتى لم يفتحها بعد، مثل ملفات مساعدى وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلى والتى بدأ الجهاز فيها بملف اللواء محسن الفحام، مدير امن الدولة بمطار القاهرة. ملفات كثيرة امام الجهاز حول فساد مالى ضرب بجذوره المجتمع المصرى نأمل ان ينهيها قريبا ويصدر القضاء حكمه فيها لتكون ثمرة جديدة فى شجرة الثورة التى بدأت فى الانبات.