الدكتور عادل عامر إن الطامة الكبرى لبعض سياسيى هذا البلد أنهم يلعبون الشطرنج بقواعد الطاولة التي يتم لعبها بالنرد، وبالفعل هذا ما نلحظه، فيما يجري من تخبط واضح جلي لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح في الواقع السياسي المصري الآن، فالهدف يعلمه الجميع والوسائل متعددة وللأسف مكررة وبالتالي فمن المتوقع أن نجد نفس النتائج.. هذا السؤال الشائك جدا ستحدد إجابته لدرجة كبيرة شكل الحياة فى بلدنا، خاصة أن الدستور هو الذي سيحدد نقاطاً كثيرة غامضة وحولها جدل، ومنها: هل ستتبع مصر النظام الرئاسي أم البرلماني وهل ستكون مصر دولة مدنية أم سيتم استخدام لفظ آخر؟ وما يزيد من حالة الارتباك والقلق التصريحات المتضاربة حول من سيختار أعضاء اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور . منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عكفت الدول العربية المستقلة آنذاك والتي نالت استقلالها فيما بعد، على إعداد دساتيرها، وكانت أغلبها مستمدة من الدساتير الأوروبية (الأعرق والأكثر تجربة في مجال القانون وحقوق الإنسان)، مع إضافة لمسة عربية إسلامية عليها. لكن الدساتير العربية كانت محل خرق من طرف الحكام والساسة العرب، وفي أغلب الأحيان كانت محل تعديلات على حسب متطلبات البقاء في الحكم أو التوريث، وفي أفضل الحالات من أجل التحايل على الشعوب في حالة الاحتجاج أو حتى للتحايل على الرأي العام العالمي. في كل تعديل دستوري في العالم يتم اختيار لجنة صياغة دستور، في البلدان التي تعيش مرحلة انتقالية (ثورة، مظاهرات، انقلاب، الخروج الحديث من حرب.. إلخ) يتم تشكيل لجنة علنية تتكون من شخصيات (وطنية) ودكاترة وممثلين عن الأحزاب السياسية ومختلف التيارات الأيديولوجية، وتسمى تلك اللجنة عادة "لجنة الوحدة الوطنية" أو "لجنة الوفاق الوطني" وفي أسوأ الحالات تسمى "لجنة العقلاء" (وكأن غيرهم من الشعب مجانين). وتكون اللجنة علنية لإعطاء مصداقية للدستور المنتظر، ما يترجم أن الوضع يسوده جو من عدم الثقة في النظام القائم وعدم الثقة بين مختلف التيارات السياسية، وإعلان تشكيلة اللجنة يتم باسم الشفافية التي تفرضها الظروف الراهنة. في البلدان التي تشهد استقرارا (ومهما كان نظام الحكم فيها)، يتم تعديل الدستور من طرف رئيس الجمهورية باستدعاء مجموعة من المستشارين والخبراء القانونيين والسياسيين والأمنيين، وعادة لا يتم الإعلان عن أعضاء اللجنة، بل إننا لا نسمع بمشاركة أي عضو من أعضائها في صياغة الدستور إلا بعد سنوات عديدة من خلال مذكراته أو من خلال مذكرات زميل له في اللجنة. في أوروبا يتم تعديل الدستور في لجان (استشارية) مغلقة تتكون من مستشارين يستدعيهم رئيس الجمهورية وتقترحهم الأحزاب التي سبق ودعمت الرئيس للوصول إلى منصبه والتي عادة ما يحمل الرئيس نفس توجهها الأيديولوجي. في العالم العربي والعالم الثالث، يتم إعداد الدستور في لجنة استشارية مغلقة عندما يتعلق الأمر بمؤامرة يخطط لها الرئيس (أو الملك) هو وحاشيته من أجل تقنين وترسيم بقائه في الحكم أو توريثه، وفي حالة خروج الرأي العام عن سيطرة الحاكم أو نظام الحكم بسبب ثورة شعبية أو انقلاب فاقد للمصداقية الجماهيرية أو الشعور بالتهديد الشعبي، يتم إعداد الدستور من خلال لجنة جماهيرية، وعادة (حتى لا أقول دائما)، يتم استدعاء القوى الفاعلة فقط، أي أن أعضاء اللجنة يكونون من الشخصيات أو التيارات التي لها تأثير على الجمهور وبيدها تحريك الجماهير وتهدئتها، أي من طرف ثقاة الشعب، وهنا مربط الفرس: يرى "مايلز كوبلاند" أن الديمقراطية هى مسابقة في الشعبية، يفوز فيها عادة من يتمتع بشعبية واسعة بين الجمهور، وهذه النظرية وإن كانت من الأدبيات المغمورة في الدول المتقدمة لما فيها من إجحاف في حق الديمقراطية التي تستمد معناها من الحريات، إلا أنها يجب أن تثبت في قواميس الشعوب العربية لأنها تنطبق على كل الوطن العربي، حيث إنها فعلا مسابقة في الشعبية يفوز فيها من يتمتع بشعبية واسعة بين الجمهور إما بفضل نسبه وانتمائه لعائلة وعشيرة كبيرة ومتشعبة، أو بفضل المال الذي يستثمره في الإعلام لتلميع صورته، أو بفضل السلاح الذي رفعه في مواجهة الاستعمار سابقا وبفضل قتله أكبر عدد من جنود العدو، أو حتى بفضل لسانه الذي يسحر به الجماهير بتبني مشاكلهم وحسن استثمارها في الترويج لاسمه، ولكنها غالبا مسابقة في الشعبية، وربما وضع كوبلاند هذه النظرية بعد عمله لسنوات في بعض الدول العربية وأهمها مصر. تعديل الدستور أو اقتراح دستور جديد يجب أن يتم عبر عدة مراحل، ويكون أولا من خلال لجان استشارية علمية مكونة من نخبة أساتذة في القانون الدستوري، وأساتذة في التاريخ وأساتذة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية وأساتذة في الإعلام وأساتذة في الشريعة وأساتذة في الاقتصاد، وتنجز كل لجنة أطروحة أكاديمية فيها مقترحاتها للخروج بدستور للجمهورية، وتقدم الأطروحات إلى لجنة الصياغة الأولية المتشكلة من رؤساء اللجان العلمية، وهذه اللجنة تقوم بصياغة النص الأولي للدستور على ضوء الأطروحات المقدمة، ثم ترفعها إلى لجنة مناقشة الدستور والتي تتكون من ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية للبلاد وممثلي المجتمع المدني وممثلي الفئات المهنية وممثلين عن القاعدة الشعبية المتأزمة (القاعدة الشعبية المتأزمة: البطالين، ذوي الدخل الضعيف، الذين يعانون أزمة سكن، في اجتماع موسع للجنة مناقشة الدستور. ثانيا بحضور لجنة الصياغة الأولية، تتم مناقشة الدستور المقترح ويعطى لكل عضو حيز زمني بالتساوي لإلقاء كلمة واقتراح تعديلات مع إجراء القرعة لتحديد ترتيب تدخلات الأعضاء، وتقوم لجنة الصياغة الأولية بتسجيل كل الملاحظات والتدخلات، ثم تجتمع في اجتماع مغلق بعد نهاية المناقشة، وتقود بإجراء التغيرات المقترحة ويتم تعديل المواد التي شهدت أكبر عدد من الملاحظات أو التحفظات، ثم يرفع الدستور للشعب سيد الكلمة في الاستفتاء عليه. هذا إذا كنا نريد الخروج بدستور يجمع بين اللجنة العلنية التي تتميز بالشفافية واللجنة المغلقة التي تتميز بالنقاش الأكاديمي وعصارة عمل النخبة، أما إذا أردنا الإبقاء على سياسة الترقيع وأنصاف الحلول فليصاغ الدستور على الطريقة العربية التقليدية، ولكننا سنجد أننا حافظنا على مقومات النظام الشمولي الذي قامت الثورة للإطاحة به. وبالتأكيد هناك تيارات وقوى سياسية تبحث عن مصالحها فى الدستور القادم، وبالتالي لن تسمح بوجود أعضاء فى اللجنة التأسيسية يهددون تلك المصالح، خاصة قوى تيار الإسلام السياسي التي من المتوقع، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه فى المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات، أن تسيطر على البرلمان وبالتالي تسيطر على اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور ليأتي فى النهاية الدستور كما تريده هى حتى وإن تم الاستفتاء عليه بعد ذلك من الشعب الذي يتم التلاعب بالبسطاء منه باسم الدين والجنة والنار، وكان واضحا أن تلك التيارات تضع عينيها وبقوة على الدستور وترفض أى محاولات لإبعادها عن مشهد وضعه بدليل المليونية الضخمة التي خرجت بها تلك التيارات ضد ما عرف بالمبادئ الدستورية للدكتور على السلمي حتى بعد أن تم التوافق عليها وإلغاء البنود محل الجدل بما فيها تلك البنود الخاصة بالقوات المسلحة.. هذا الوقوف القوى فى وجه أى محاولة للتدخل فى وضع الدستور بشكل لا يؤمن مصالح تلك التيارات ورؤيتها، يؤكد أنه من المتوقع حدوث مشاكل فى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، وإذا كانت هناك الآن مخاوف لدى الكثيرين على مستقبل السياحة والاقتصاد والبنوك والفن وغيرها من أوجه الحياة التى تحمل تلك التيارات رؤية مغايرة لها، فإن التخوف الأكبر يكمن فى تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ثم فى مواد الدستور نفسها التى سيستفتى عليها الشعب.. وهى مخاوف فى محلها، خاصة ما يتعلق بمدنية الدولة ونظامها السياسي وهل سيكون رئاسيا أم برلمانيا وغيرها من التفاصيل الرئيسية التى ستحسم شكل الحياة فى مصر. إنها المعضلة التي ستلي الانتخابات مباشرة، ولا يوجد ضامن حتى الآن لدستور يعبر عن أحلام جموع المصريين وعن حالة التوافق بين الجميع، سوى أن يأتى تشكيل اللجنة التأسيسية معبرا عن كل فئات وطوائف الشعب وليس عن تيار بعينه، فلابد أن تشمل هذه اللجنة أشخاصا لهم مصداقيتهم واحترامهم لدى المصريين جميعا، خاصة أن شعبنا الطيب الذي سيتم استفتاؤه على تلك المواد يتعرض للألاعيب وخداعات كثيرة لن تكون بالطبع بعيدة عن هذا الاستفتاء.. والأيام المقبلة ستجيب على السؤال المربك والمحير: من يضع الدستور؟ ومن المفارقات أن مادة الإعلان الدستوري استثنت المعينين في نصها (غير المعينين) والمجلس الاستشاري الذي سيضع المعايير سالفة الذكر استثنت (المنتخبين) فهل هم معينون؟ يتقرر الأسلوب الذي يتم وضع الدستور به عادة وفق ظروف المجتمع السياسية وتفاعلها مع التأثيرات الخارجية ومدى تطور الوعي السياسي والمطالبة الشعبية بالحقوق الدستورية، والطرق المذكورة هى ما تعارف عليه في الفقه الدستوري من خلال تجارب الدول وفقًا لما حدث تاريخياً، وهى ليست على سبيل الحصر: 1. صدور الدساتير بطريقة المنحة (دستور المنحة): فى هذه الطريقة يصدر الدستور بالإرادة المنفردة للحاكم، بمعنى أن يستقل رئيس الدولة بوضع الدستور دون أن يشاركه الشعب هذا الأمر وبالتالي يظهر الدستور على شكل منحة أو هبة للشعب من الحاكم، وهو أسلوب غير ديمقراطي بإجماع آراء فقهاء القانون الدستوري.. صدرت بعض الدساتير بطريقة المنحة باعتبار الملوك هم أصحاب السيادة وتحت ضغط الشعوب وخشية نتائج هذه الضغوط تم تسامح الملوك بإصدار هذه الدساتير.. هذه الطريقة لا تقيد الاعتراف بسلطة الشعوب وحقهم في السيادة، وقد صدر الدستور المصري عام 1923 بهذه الطريقة. 2. طريقة العقد (دستور العقد): فى هذا الأسلوب يشترك الحاكم بوضع الدستور ومعه الشعب، ولذلك سمى بأسلوب العقد لأن الدستور يصدر بناء على اتفاق بين إرادة الحاكم وإرادة المحكوم.. وعدم استقلال الشعب بوضع الدستور ينفى عنه الوصف الديمقراطي بأن "السيادة للشعب وحده وهو مصدر كل السلطات"، إذ أن قيام الحاكم بالمشاركة في وضع الدستور يعنى اقتسامه للسيادة مع الشعب، وبالطبع ما دمنا نتحدث عن عقد فلا يجوز المساس بالعقد بإرادة منفردة من أحد طرفيه سواء بالتعديل أو الإلغاء، حيث يتوجب اتفاق الطرفين. 3. طريقة الجمعية التأسيسية (دستور الجمعية التأسيسية): الأصل أن الأسلوب الديمقراطي في إعداد الدساتير هو قيام الشعب مباشرة بوضعها، إلا أن الاعتبارات العملية والواقعية أدت إلى استحالة ذلك، خاصة أن أحكام الدستور تعتبر من المسائل الفنية الدقيقة التي تستعصي على أفراد الشعب، لما تحتاجه من دراسة ومناقشة عميقة، فضلاً عن استحالة اللجوء إلى الشعب كله في ظروف الدولة العصرية التي تتميز بكثرة مواطنيها، لذا فقد أبدع الفكر البشري فكرة اختيار الشعب ممثلين له لتولي مهمة إعداد الدستور باسم الشعب ونيابة عنه وتسمى عادة بالجمعية التأسيسية أو المجلس التأسيسي، إذا كان كله منتخبًا. 4. طريقة الاستفتاء الدستوري (دستور الاستفتاء الدستوري): وهو استفتاء على نص الدستور المراد إصداره، حيث يتم اختيار جماعة معينة من الأشخاص لوضع الدستور وقد يكون هذا الاختيار من قبل الشعب أو من قبل القوى السياسية الفاعلة أو الجهة الحاكمة ولا يتخذ الدستور الصفة الرسمية إلا بعد عرضه على الشعب في استفتاء عام.. وهو ما يعبر عن التطبيق الفعلي للديمقراطية وذلك بالاعتراف بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة. آلية إقرار الدساتير وإصدارها: باستثناء دستور المنحة (الذي يصدره الحاكم بمطلق إرادته دون الرجوع للشعب) فإن من أركان مشروعية صدور الدستور وكذلك تعديل أي حكم من أحكامه، إقرار نصوص الدستور أو إقرار نص التعديل من قبل نواب الشعب (أو الشعب ذاته في حالة الاستفتاء الدستوري) كخطوة لازمة وواجبة ليتسنى لرأس الدولة التصديق على الدستور وإصداره وإصدار التعديل ونفاذهما، فإذا لم تراع خطوة الإقرار، فإن ركنًا من الأركان الضرورية اللازمة لمشروعية التصديق والإصدار يكون ناقصًا ويصبح مثل هذا الدستور أو التعديل فاقدًا للمشروعية الديمقراطية في طريقة وضعه وللمشروعية الدستورية وفقًا لأحكام التوافق القانوني في الدستور وهذا النوع من التوافق ليس صعباً، أبداً كما يصوره البعض، وهناك العشرات من التجارب التاريخية والمعاصرة التي حققت النجاح في هذا المجال، بل الإنسانية تتجه اليوم إلى إقامة التجمعات الأممية على مستوى قارة كاملة بعيداً عن جميع أشكال التمييز ومعتمدة بذلك على التوافق القانوني وخير مثال على ذلك الاتحاد الأوروبي، وهناك العديد من القواسم المشتركة والمهمة في حياة المصريين، وهكذا يبدو أن للأحزاب دوراً إيجابياً في الأنظمة الديمقراطية، وهى ركن أساس من أركانها، ولكنها تصبح خطراً على الديمقراطية عندما تأخذ منحىً عسكرياً أو طائفياً أو مذهبياً أو عرقياً، لأن لجوء الحزب إلى القوة العسكرية يشل الحوار السياسي ويقضي على الحريات، كما أن إطلاق الدعوات الطائفية والمذهبية والعنصرية يناقض مبدأ المساواة الذي هو أحد المبادئ الديمقراطية الأساسية، وهنا لابد من نشوء وتكون المعارضة السياسية، فالمعارضة هى عمل القوى السياسية ضد من هو في السلطة سواء كان فرداً أو حزباً أو تجمع أحزاب بعد أن أوضحت هذه السلطة الحاكمة سياستها المنظمة والواضحة التي تقوم على مرتكزات ثابتة ونهجاً تتبعه الحكومة في ممارسة السلطة، فالمعارضة إذن تكون معارضة للنهج الذي تتبعه الحكومة في ممارسة السلطة وللتوجهات السياسية التي تعتمدها.. فمتى يمكننا القول بوجود معارضة حقيقية؟! لا يمكننا القول بوجود معارضة حقيقية إلا إذا تحقق مبدأ - التناوب - واقتنعت بهذا المبدأ القوى السياسية جميعها، وخلاصته أن تتعاقب على السلطة القوى السياسية المتنافسة، فتصل المعارضة إلى السلطة بعد أن تصبح أكثرية، والأكثرية السابقة تحل محلها في المعارضة، بعد أن تفقد صفتها كأكثرية، ولكي تكون المعارضة حكومة المستقبل لابد لها من برنامج سياسي متماسك تخوض على أساسه معركة إسقاط السلطة، فلا تكتفي بتوجيه الانتقادات بل أن تكون لها البرنامج السياسي للتغيير ليكون بديلاً عن سياسة الحكومة، وباختصار يمكن القول إن تحقيق التناوب عملياً لا يتوقف على المؤسسات الدستورية فقط، التي يتم من ضمنها نقل السلطة من فريق سياسي إلى فريق سياسي آخر، بل يعتمد أيضاً على مدى تعبير القوى السياسية عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي نشأ ونما في ظل الديمقراطية وتطور مؤسساتها، وهنا فإن دور الشعب لا يقتصر على اختيار الحكام إنما يتعداه إلى ممارسة الرقابة المستمرة على هؤلاء، بهدف ضبط ممارسة السلطة بما يضمن تحقيق المساواة والعدالة وتوفير الحرية لجميع أفراد الشعب، فالديمقراطية ليست فقط طريقة لاختيار الحكام، وإنما هى أيضاً نمط في ممارسة الحكم، غايته ضمان حقوق المواطنين وحرياتهم، في الوضع القانوني للمعارضة لا يمكننا القول بوجود معارضة عندما يكون النضال ضد من هو في السلطة والذي لا يؤمن بالديمقراطية ومتطلباتها الأساسية، لا يؤمن بالحريات والحقوق نضالاً سرياً فهنا يكون الكلام عن مقاومة السلطة، من جهة ثانية لا تعتبر الانتقادات الفردية الموجهة إلى السلطة معارضة، فهذه تقتضي النقد المنظم الذي تقوم به مجموعة من الأشخاص تجمعهم رؤية واحدة حول الطريقة التي يجب أن يمارس بها الحكم، وهذا لا يعني أن النقد الفردي لا فائدة منه، فهو حق من حقوق المواطن وتعبير عملي عن حرية الرأي التي نصت عليها شرعية حقوق الإنسان وغالبية الدساتير. المعارضة تشمل كل الجماعات التي لها أهداف سياسية والتي تملك في الإطار الحقوقي القائم القدرة على إعلان وجهات نظر ومواقف مغايرة لوجهات نظر ومواقف الحكومة وعلى التعبير العملي عن أفكارها عبر العمل السياسي. من الناحية القانونية يمكن الاعتراف بوجود المعارضة كما يمكن رفض هذا الوجود ومنع المعارضة من ممارسة نشاطها - وفي كلتا الحالتين يمكن تفسير وتبرير الاعتراف أو الرفض بطرق مختلفة، فالمعارضة ممنوعة في الأنظمة الدكتاتورية حيث لا تقبل السلطة الحاكمة أي رفض لسياستها، وحتى أي اعتراض عليها، وهذا ما نراه في أنظمة الملكية المطلقة وفي الدكتاتوريات العسكرية، أو تلك الدكتاتوريات التي تنشأ عن تعصب ديني أو قومي أو طائفي والتي تؤمن بمصادرة حريات الأشخاص وتضع كياناتها بديلاً عن سلطة القانون كما هو الحال بالنسبة للسلطات الاستبدادية التي تأخذ الدين أو التفويض الإلهي سبيلاً لقوة نظام الحكم وسلطته، ويمكن في العصر الراهن للسلطة أن تعترف قانوناً بوجود المعارضة، كما هو الأمر في بلادنا ويمكن عندئذ أن تعترف السلطة بوجود المعارضة قانوناً وإذ ذاك يتطور العمل البرلماني في إفساح المجال للمعارضة في التعبير عن نفسها بحرية، من دون أن تخشى ردات أفعال الحكام والديمقراطية تعترف بحق المعارضة في الوجود، وبحقها في التعبير علانية، كما أنها تقرر مبدأ وصول المعارضة إلى السلطة وحلولها محل السلطة القائمة شرط أن يتم ذلك وفق القواعد الدستورية والقانونية المعمول بها، غير أن هذه الحقوق تبدو في بعض الحالات محدودة جداً في الصعيد العملي، حيث إن السلطة تحتكر وسائل الإعلام وترفض إفساح المجال أمام المعارضة لاستعمالها من أجل تعريف الشعب بوجهة نظرها. ومن هنا فإن وظيفة المعارضة الأساسية هى إثارة برنامجها الموضوعي والعملي المهيأ لمصلحة الشعب وتوجيه النقد إلى الحكومة بسبب تقصيرها وتقاعسها عن القيام بواجباتها كما يجب، ونقد توجهات الحكومة لهذه أو تلك من السياسات في المجالات المختلفة عبر تأليب الرأي العام عليها بغية تصحيح مسار عملها أو إسقاطها.